ليلة الاثنين ظهر الباجي قائد السبسي، ثعلب السياسة العجوز، الذي أرهق كثيرا الترويكا الحاكمة وحتى الطيف الواسع من المعارضة، على احدى القنوات الخاصة، وأعلن رغبته في الترشح لرئاسة الجمهورية، للانتخابات القادمة التي يفُترض أنها ستجري قبل نهاية العام الحالي.
وإعلان السبسي عن ترشحه هو ضربة استباقية، مدروسة ومحسوبة، يسعى من خلالها إلى تحقيق عدة أهداف، أهمها إحراج كل من خصومه وحلفائه على حدّ السواء. وأنه أدخل ايضا نسقا جديدا على السباقات الرئاسية قد تعجز كثير من الأسماء الكبرى عن مجاراته.
ليلة الاثنين ظهر الباجي قائد السبسي، ثعلب السياسة العجوز، الذي أرهق كثيرا الترويكا الحاكمة وحتى الطيف الواسع من المعارضة، على احدى القنوات الخاصة، وأعلن رغبته في الترشح لرئاسة الجمهورية، للانتخابات القادمة التي يفُترض أنها ستجري قبل نهاية العام الحالي.
وإعلان السبسي عن ترشحه هو ضربة استباقية، مدروسة ومحسوبة، يسعى من خلالها إلى تحقيق عدة أهداف، أهمها إحراج كل من خصومه وحلفائه على حدّ السواء. وأنه أدخل ايضا نسقا جديدا على السباقات الرئاسية قد تعجز كثير من الأسماء الكبرى عن مجاراته.
يعلم السبسي (83عاما) جيدا أن العمر والقوانين المكبّلة قد تمنعه من الوصول الى كرسي الحكم، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن إعلان ترشّح السبسي هو غاية في حد ذاته. ليس الوصول الى السلطة، التي عرفها وعايشها وتمتع بها طويلا ما يهمه، وانما و بجرد لأهم العصافير التي سدّد لها الباجي ضربة بحجر واحد، كفيل بان يفسّر لنا سرّ هذا الاعلان، وتوقيته والمغزى منه.
أول ضربة قاصمة سدّدها السبسي كانت بلا شكّ لقانون تحصين الثورة، وهو مشروع قانون استعملته الترويكا الحاكمة، كعصا مسلّطة على رقاب كل من خالفها الرأي. اذ وجه السبسي ضربة قاضية للمشروع قبل تمريره الى المجلس التأسيسي.
وقد أحرج السلطة الحاكمة على كل المستويات، فهي محرجة أمام أنصارها لأنها جلست معه في إطار الحوار الوطني، الذي انسحب منه سريعا، وكأنه أراد فقط ان يري الشعب ان قادة الترويكا يجالسونه ويأخذون برأيه.
كما وأحرجها أمام العالم، لأنها ان مررّته الان، وحتى ان تمكنت من تحصيل اغلبية له في المجلس، فستكون قد تحوّلت فعلا الى ممارس فعلي ووحيد للإقصاء والاجتثاث واحتكار السلطة، وستظهر أمام الرأي العام العالمي على أنها وضعت القانون فقط لاقصائه هو، وهذا ما يريد تحقيقه وافهامه للعالم.
والمكسب الثاني الذي حقّقه الباجي، أنه حسم الامر داخل تحالف الاتحاد من أجل تونس الذي تأسس في 2012، والذي يضم حركة نداء تونس واربعة أحزاب أخرى، وأخرج الخلافات حو سألة الترشح للعلن، خاصة بوجود أحمد نجيب الشابي، المراهن التاريخي على كرسي الرئاسة.
ثالث غاياته، هي غاية حزبية بامتياز، وهي وضع حدّ للصراع داخل حزبه الفتي، ورفع اشارة “قف” في وجه كل التيارات التي تعوّل على ترشيح بعض رموزها. وفي الحفاظ على وحدة حركة نداء تونس، وقطع الطريق على كل الطموحات التي يمكن أن تفكك الحركة أو تضعفها.
وهذا الاعلان لم يأت من فراغ، بل هو تتويج لحملة جسّ نبض للشارع التونسي، انطلق فيها حزب نداء تونس منذ فترة، سواء على مستوى استطلاعات الرأي التي تؤكد في كل مرة ان الباجي وحزبه يتقدمان بانتظام على باقي المنافسين. أو في الاجتماعات الجماهيرية، التي احتضنتها كل من قفصة وتونس والمنستير ونابل، والتي عرف فيها الحزب، وشخص السبسي تحديدا، اقبالا جماهيريا ضخما، قياسا بنشاطات النهضة مثلا.
كما صعّد حزب الباجي من حملاته الدعائية، وكثّف من الاجتماعات وفتح الفروع والمقرات، وانتقل الى اسلوب الهجوم في ما يتعلق برابطات حماية الثورة. واستطاع أن يأخذ من النهضة مواقع كبيرة كانت تعتبر معاقل لها الى وقت قريب.
هذه الحملة الحزبية والجماهيرية والاعلامية، والتي توّجها السبسي في الاعلان عن نيته الترشح للانتخابات، جاءت كضربة استباقية لخصومه، واسقطت الكثير من أوراقهم الهامة في الماء، كما أنها أربكت حسابات حلفائه أيضا برسالة مفادها “من تحالف معنا من أجل أن نصعّده للرئاسة فهو واهم”.
وبذلك يكون الباجي قد وضع نفسه أمام أمر واقع جديد، تحولت بمقتضاه كل القوانين سواء قانون تحصين الثورة او تحديد سن الترشح أو اقصاء التجمعيين أو غيرها، الى قوانين تستهدف شخصه كمرشّح للرئاسة، وتستهدف الاقصاء المتعمد لخصم سياسي، وبالتالي أفرغها من مضمونها أمام الرأي العام وأمام العالم.
كما أنه بلا شكّ أعاد المشهد العام الى أجواء التنافس التقليدي بين خصوم سياسيين، بعد أن غاص هذا المشهد طويلا في زوايا التجريب والتجريد والشعارات، ووضع حدا نهائيا للحكومة، يجبرها فيه، نظريا على الاقل، أن تفي بالتزاماتها ومواعيدها الانتخابية القادمة، وتقطع نهائيا مع مرحلة التردّد وكسب الوقت.