في الجزء الثاني من الحوار مع رئيس تحالف القوى الوطنية محمود جبريل، يروي الأخير لـ “مراسلون” قصة تورطه مع نظام القذافي، وكيف قبل رئاسة قطاع التخطيط تحت ما وصفه بـ “الضغط والتهديد “، وانطلاق مشروع رؤية ليبيا 2025 التنموي.
س- تقول أن العزل السياسي يجب أن يكون عزل سلوك لا عزل أفراد، وأنه لا ينبغي أن يكون موجهاً ضد شخصيات بعينها، هل لك أن توضح؟
في الجزء الثاني من الحوار مع رئيس تحالف القوى الوطنية محمود جبريل، يروي الأخير لـ “مراسلون” قصة تورطه مع نظام القذافي، وكيف قبل رئاسة قطاع التخطيط تحت ما وصفه بـ “الضغط والتهديد “، وانطلاق مشروع رؤية ليبيا 2025 التنموي.
س- تقول أن العزل السياسي يجب أن يكون عزل سلوك لا عزل أفراد، وأنه لا ينبغي أن يكون موجهاً ضد شخصيات بعينها، هل لك أن توضح؟
ج- ليُقارَن سلوك محمود جبريل وماذا قال – وهناك محاضر يمكن لليبيين أن يرجعوا إليها لاجتماعات مجلس التخطيط الذي كنت أرأسه منذ عام 2007 وحتى مارس 2009 وهو مجلس استشاري فني لم يكن لا تنفيذياً ولا تشريعياً، ليقارن كلامي بكلام من يدَّعون معارضة معمر القذافي.
ليست القوة أن تكون خارج ليبيا وتشتم القذافي أو تنتقده، الجرأة أن تكون موجوداً داخل ليبيا وأن تجاهر بالنقد وأن تجاهر بالمعارضة لممارسات النظام.
محمود جبريل في سنتين كاملتين في مجلس التخطيط لم يتقاضَ مليماً واحدا كمرتب .. وليرجعوا إلى سجلات مجلس التخطيط الوطني .. وليرجعوا إلى المراقب المالي.
س- وماذا كان سبب رفض تقاضيك مرتباً؟
ج- لأنه زُجَّ بي – في هذا المنصب – دون موافقتي، وأعلن اسمي في التلفزيون، ورغم هذا اعترضت وبقيت في مصر 42 يوما رافضاً استلام الوظيفة.
القرار صدر يوم 22 كانون الثاني/ يناير 2007 وحلفت اليمين يوم 1 نيسان/ أبريل أي بعد 3 أشهر من الصراع وعدم إطاعة الأمر، إلى أن وُعدت – من سيف الإسلام القذافي – وعداً قاطعاً بأن تُقبل استقالتي في مؤتمر الشعب العام القادم، والذي كان سينعقد في سبتمبر 2007.
لم أكن أريد أن أفتح لنفسي ملفاً في الدولة الليبية لدى أجهزة الأمن والاستخبارات، وقلت إنني لا أريد مرتباً وسأصبر مادام الأمر خمسة أشهر.
هم رجعوا طبعاً عن كلامهم في أيلول/ سبتمبر 2007، ثم في آذار/ مارس 2008، ثم في أيلول/ سبتمبر 2008 .. رُفضت استقالتي 4 مرات، وارجع إلى تاريخ الدولة الليبية في نظام معمر القذافي ستجد أن الاستقالة الوحيدة المكتوبة هي استقالة محمود جبريل.
أنا أتكلم عن أفعال حقيقية، لتقارن هذه الأفعال بأفعال من يتشدقون اليوم ويقولون إن محمود جبريل كان من أزلام النظام، ولنقارن سلوكه بسلوك هؤلاء في الندوات التي كانت تمجد معمر القذافي وتمجد ابنه سيف ويوصف بالقائد ويوصف بأمير المؤمنين.
أنا لم أبعث في اجتماعات مجلس التخطيط – ولو مرة واحدة – برقية إلى معمر القذافي، كما أنني في أول اجتماع أحضره في سبها لمؤتمر الشعب العام في 2 مارس كنت الشخص الوحيد الذي لم يقف عندما دخل معمر القذافي القاعة.
س- ومن أين أتتك الجرأة؟
ج- لم تكن جرأة، ولكني لم أكن مقتنعا، وكنت أبحث عن سبب ليقولوا لي اخرج، العملية ليست جرأة، أنا كنت أعطيهم الأعذار لإخراجي.
س- إذاً أفهم منك أنك كنت ترى أنه كان الأولى بكل فرد أن ينأى بنفسه عن العمل في النظام .. وأنك لم تكن من المقتنعين أنه كان هناك أمل في الإصلاح؟
ج- أنا – محمود جبريل – زُجّ بي في هذا الأمر، ويمكن أن يُسأل خالد الغويل الذي كان وكيل وزارة التخطيط في ذلك الوقت، وآخر شيء توصلت إليه هو عقد اتفاق مع سيف القذافي – مكتوب وتوجد صورة منه مع خالد الغويل -، ذُكر فيه أنني عندما رفضت وصلنا إلى حل وسط بأن لا أتولى أية مناصب لمدة سنة كاملة، على أساس أن أنهي بعد سنة تعاقداتي خارج ليبيا وأتدبر أمور أسرتي التي كانت في مصر. وبعد مرور تلك المدة من الممكن أن نتناقش في إمكانية أن أتولى منصب.
وقتها أحضروني في طائرة خاصة دون أن أعرف سبب حضوري إلى ليبيا، الطائرة أُرسلت إلى دبي وكنت موجوداً في الشارقة، والشاهد على هذا الكلام محمد عبد المطلب الهوني وعبد الرحمن كرفاخ مدير مكتب سيف.
جاءتني مكالمة بعد صلاة الجمعة في مسجد النور في مدينة الشارقة، سألوني “أين أنت؟”، قلت “أنا موجود في المكان الفلاني”، قالوا لي “المهندس سيف يريدك حالاً في أمر عاجل وهام”. كنت أظن أنه أمر أمني، طارت بي الطائرة 7 ساعات حتى وصلت في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، لأكتشف أن اليوم التالي كان يوم انعقاد مؤتمر الشعب العام، ودخلنا في لعبة القط والفأر، لمدة أربعة ساعات متصلة.
قبل هذه الحادثة تلقيت عرضين أيام حكومة شكري غانم لأن أتولى وزارة التخطيط، ولكنني اعتذرت وقبلوا الاعتذار، هذه المرة لم يكن الاعتذار مقبولاً فأصبح هناك تفاوض، واتفقنا أن يتصلوا بي مجدداً بعد سنة.
ولكن في اليوم التالي وأنا أحزم حقائبي متجهاً إلى المطار إذا بي أجد اسمي يعلن في التلفزيون – رئيساً للمجلس الأعلى للتخطيط -، يعني غصباً عن إرادتي وهذا ما لا يعلمه الليبيون، ولكن آن الأوان أن يخرج المهندس خالد الغويل ليقول الحقيقة، لأنه كان شاهداً على هذا الأمر وكُتبت الرسالة في مكتبه، بواسطة مدير مكتبه واسمه عزيز عبد العزيز، ومازالت لديه نسخة من تلك الرسالة.
سافرت فعلاً في اليوم التالي وبقيت في مصر 42 يوماً، إلى أن اتصل – سيف القذافي – ووعد بأن تقبل استقالتي بعد خمسة أشهر، وتلقيت تأكيدات على ذلك من الطيب الصافي، وأنه علي أن أحلف اليمين لأن القذافي كان سيتعرض لإحراج كبير، وأن هذا الأمر قد يُفهم على أنه موقف معارض ويتخذ ضدي إجراء، أي أنه كان تهديداً. ثم رجعت فحلفت اليمين في 1 نيسان/ أبريل 2007، يعني بعد 3 أشهر.
س- هل رأيت معمر القذافي خلال هذه الفترة أو بعدها؟
ج- لم أر معمر القذافي بشكل منفرد إلا مرة واحدة، وذلك بعدما نَكث سيف القذافي والبغدادي المحمودي بوعدهم لي بقبول الاستقالة ثلاث مرات متتالية.
س- في أي سنة كان هذا اللقاء؟
ج- في عام 2009.
س- وهل كانت وقتها رؤية 2025 جاهزة ؟
ج- رؤية 2025 لا يعلم عنها معمر القذافي ولا سيف القذافي شيئا ..
س- يعني أنك اشتغلت عليها بمفردك ودون إيعاز من أحد؟
ج- اشتغلتها بمفردي رغماً عن توجههم، لأنه عندما فُرض علي مجلس التخطيط رأيت أن أقدم شيئا لليبيين.
س- أي أنك لم تكن قد اشتغلت عليها قبل أن تأتي إلى وزارة التخطيط؟
ج- جزء من المشروع وهو ما يتعلق بالمنهجية كان موجوداً.
أنا شاركت في “رؤية عُمان 2020” الاقتصادية، وكذلك كنت ضمن المجموعة الاستشارية الداخلة في مداولات قبل بدء مشروع 2030 في مصر، مع مركز الدراسات الاستراتيجية في الأهرام ومركز الدراسات المستقبلية.
لكن لما عرفت أن مجلس التخطيط فُرض علي، ووقعت الفأس في الرأس، كان لابد من توظيف هذا الأمر لصالح الليبيين فبدأت بإحضار خبرات ليبية من الجامعات الليبية المختلفة وبدأنا بوضع رؤية تنموية للبلاد. اعتقاداً مني أنه على الأقل عندما يأتي نظام جديد جاد في التنمية وجاد في التغيير يجد عملاً حقيقياً موجوداً.
(يتبع في الأسبوع القادم)