منذ إعلان تشكيلها قبل أقل من سنة ترى الحكومة المؤقتة أن الاعلام التونسي غير محايد ولا يتعاطى معها بصفتها حكومة منتخبة تمثل “إرادة الشعب”. بل إن الأمر بلغ بالأحزاب الثلاثة المكونة للحكومة إلى حد وصف الاعلام بأنه “أداة بيد الثورة المضادة”.
في المقابل تتهم النقابات الإعلامية الحكومة بالعمل على إعادة انتاج الهيمنة على قطاع الاعلام، متحدثة عن “حساسية مفرطة” لدى حزب النهضة الإسلامي على وجه الخصوص إزاء حرية التعبير.
منذ إعلان تشكيلها قبل أقل من سنة ترى الحكومة المؤقتة أن الاعلام التونسي غير محايد ولا يتعاطى معها بصفتها حكومة منتخبة تمثل “إرادة الشعب”. بل إن الأمر بلغ بالأحزاب الثلاثة المكونة للحكومة إلى حد وصف الاعلام بأنه “أداة بيد الثورة المضادة”.
في المقابل تتهم النقابات الإعلامية الحكومة بالعمل على إعادة انتاج الهيمنة على قطاع الاعلام، متحدثة عن “حساسية مفرطة” لدى حزب النهضة الإسلامي على وجه الخصوص إزاء حرية التعبير.
التجاذب بين الطرفين مازال قائما، بل تحول إلى معركة بين مدافعين ومتمسكين باستقلالية الاعلام وبين محاولين لتركيعه والسيطرة عليه مثلما كان الشأن قبل ثورة 14 جانفي 2011.
في هذا المناخ من الاتهامات المتبادلة قدّم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب رئيس الجمهورية منصف المرزوقي) مشروع قانون جديد للصحافة وحرية التعبير يخفف – حسب رأي الحزب- من هذا التجاذب.
ويستند المشروع على ثلاثة أفكار أساسية هي “حرية الاعلام هي المبدأ” و”الحد منها للمصلحة العامة ومصلحة الأفراد جائز” و”الحد منها لا ينبغي التوسع فيه و لا أن يتجاوز ما هو ضروري”.
ومن الملاحظ ورود كلمة “الحد” من حرية الاعلام في عنصرين من أصل ثلاثة رئيسة “لكل تشريع يخص الاعلام”، بالإضافة إلى تأكيد واضعي المشروع على ضرورة “وضع حد للافراط في حرية الاعلام التي تغافل عنها تشريعنا..”.
وتتضمن عديد الفصول الواردة في مشروع القانون عقوبات مالية وجسدية بحق الصحفيين عند ارتكابهم “مخالفات”، من ذلك مثلا ما ورد في الفصل 48 (يعاقب بالسجن لمدة ستة أشهر وبخطية (غرامة) قدرها الف ومائتا دينار تحقير الأديان القائمة في البلاد).
ولم يوضح مشروع القانون معنى احتقار الاديان، فتقديم عبارة فضفاضة دون توضيح من شأنه أن يحد من حرية التعبير.
كما أن الفصل 49 ينص على أن “يعاقب بالسجن لمدة سنة والخطية بألف ومائتي دينار من ينشر …خبرا زائفا”. وتعتبر هذه العقوبة قاسية لأن تحديد الخبر الزائف من دونه مسألة في حاجة الى اجتهاد، وتطرح ملفا أوسع هو حق الصحفي في الخطأ.
كما يتضمن المشروع عدة فصول أخرى ذات طابع زجري عقوبتها قاسية من شأنها أن تحد من حرية الصحفي.
من المهم التذكير في هذا الصدد أن أغلب القوانين المنظمة لقطاع الإعلام قبل 14 جانفي بما في ذلك مجلة الصحافة (قانون الصحافة) كانت تعتمد على قوانين زجرية تستند على مصطلحات فضفاضة كثيرا ما وقع استغلالها للحد من حرية التعبير والزج بإعلاميين في السجون. ومن بين هذه المصطلحات ” المصلحة الوطنية” و” الأمن العام”.
وهو ما يدفع للقول إن جوهر المشروع الذي قدمه حزب الرئيس الحاكم يستند الى رؤية حزب سياسي في الحكم ولا يمكن أن يكون مشروعا لتجاوز حالة التجاذب الراهنة بين الإعلاميين والحكومة.
ويطرح تقديم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية هذا المشروع المتعلق بحرية الإعلام أسئلة أخرى تهم “أحقية” الأحزاب السياسية في تقديم مشاريع قوانين قطاعات لها هياكلها النقابية الممثلة دون الرجوع إليها كما هو الشأن بالنسبة لقطاع الاعلام.
صحيح أن قطاع الإعلام شأن عام يهم كافة مكونات المجتمع المدني والسياسي، لكن مسألة التشريع وتنظيم القطاع ترجع بالأساس الى الهياكل المنظّمة للمهنة.
فتقديم مشروع قانون حول حرية الاعلام من طرف حزب سياسي، لا يمنع في المستقبل أي حزب آخر من المبادرة بتقديم مشروع آخر يهم قطاع المحاماة أو الطب أو القضاء دون استشارة أهل المهنة، وهو ما يذكّر بتعاطي النظام السابق مع مختلف القطاعات.
إنّ حرية الاعلام في تونس هي مكسب من مكاسب الثورة ولا يمكن لأي حزب أن ينسبها لنفسه ومحاولات الحد منها تحت أي عنوان هو سعي لسلب أحد مكاسب الثورة.
وإذا كان مطروحا اليوم تنظيم النشاط الاعلامي في تونس فيجب أن يكون على قاعدة هذه الحرية مع فسح المجال أمام المهنيين و هياكلهم الممثلة للاضطلاع بدورهم في هذا المجال.