رجل الأعمال الليبي حسني بي صاحب مجموعة شركات HB Groupe، يتحدث لـ”مراسلون” عن رؤيته لمستقبل القطاع الخاص وما يواجهه من مصاعب في ليبيا.

س- أنت من أشد المنادين بخصخصة الاقتصاد الليبي، ولو تُرك الأمر لك لرفعت يد الدولة عن كل شيء حسب تصريحاتك المتكررة، ولكن ألن يحرم ذلك المواطنين الليبيين من حقهم في التعليم والعلاج وغيرها من الخدمات المجانية؟

رجل الأعمال الليبي حسني بي صاحب مجموعة شركات HB Groupe، يتحدث لـ”مراسلون” عن رؤيته لمستقبل القطاع الخاص وما يواجهه من مصاعب في ليبيا.

س- أنت من أشد المنادين بخصخصة الاقتصاد الليبي، ولو تُرك الأمر لك لرفعت يد الدولة عن كل شيء حسب تصريحاتك المتكررة، ولكن ألن يحرم ذلك المواطنين الليبيين من حقهم في التعليم والعلاج وغيرها من الخدمات المجانية؟

ج- أنا لم أطالب أبداً بأن تتخلى الدولة عن واجباتها الأساسية كالتعليم مثلاً، هذا أمر مفروض على الدولة تقديمه للمواطنين، ولكن أنا مع أن يسمح للقطاع الخاص بتأسيس مؤسسات تعليمية وأن ينافس القطاع العام المجاني أو شبه المجاني، لا بد من وجود منافسة بين القطاع العام والخاص وللمواطن حرية الاختيار، هذا ما يجب أن يتم على الأقل في التعليم الثانوي والجامعي، ولا يجوز أن يستمر احتكار الدولة لقطاع التعليم.

أما بالنسبة للصحة فإن تخصصات مثل طب الحوادث والطب الوقائي والأمراض المزمنة تكون الدولة ملزمة بتقديمها مجاناً للمواطنين، والقطاع الخاص يمكن أن ينافس القطاع العام في التخصصات الأخرى، وكذلك يرجع الاختيار في آخر المطاف للمواطن.

أما موضوع الخصخصة فباعتقادي قيمة ما تملكه الدولة لا يشكل مطمعاً للقطاع الخاص كي يمتلكه، وما أطالب به في هذا الإطار هو أن تعطى الفرصة للقطاع الخاص كي ينافس العام على الخدمات والتكلفة والإنتاج والصناعة، وأن تكون المنافسة متكافئة، بمعنى أن لا يتم دفع مبالغ من ميزانية الدولة للشركات العامة على حساب المواطنيين بسبب فشل إدارتها أو العاملين بها عن تحقيق أرباح حقيقية، لأن هناك فرقاً بين الملكية والإدارة يؤثر مباشرة في حجم الإنتاج، لذلك أنا ضد الاحتكار بأنواعه سواءً كان من قبل الدولة أو القطاع الخاص.

س- هل تعتقد بأن القطاع الخاص قادر على العمل في ظل الوضع الأمني والسياسي الراهن، أنت تعلم كيف تعرض أصحاب المشاريع الصغرى والمتوسطة في طرابلس خاصة لانتكاسة كبيرة بعد حرب المطار عام 2014؟

ج- أولاً القطاع الخاص لايحتاج إلى دليل ولايحتاج إلى داعم أو نصيحة، فهو دائماً يجد الطريق للنمو تحت جميع الظروف، صحيح أنه بوجود مشاكل أمنية تقل الفرص والمنافسة، ولكن الاحتياجات الاقتصادية تستدعي وجود الأمن، ومصالح الناس تجعلها تبحث عن الاستقرار وتصنعه.

وفي اعتقادي يمكن للقطاع الخاص النمو والتعايش تحت جميع الظروف والتحديات ولكن يجب على السلطات النقدية اتخاذ القرارات اللازمة لخلق التوازن.

 س- تمتلك مجموعة شركاتكم الوكالات الحصرية لتوزيع معظم المنتجات في السوق الليبي، ألم تفكروا في إقامة مشاريع صناعية أو زراعية تحرك بشكل فعلي عجلة الاقتصاد؟

ج- بالنسبة لمسألة الوكالات، نحن لا نملك فقط حقوق توزيع المنتجات بل نحن مساهمون في الشركات، مؤسستنا تمتلك أسهماً في الشركات التي نوزع منتجاتها فمنها ما نمتلكه بالكامل ومنها ما نملك فيها أغلبية الأسهم وبعضها نملك فيها أجزاء بسيطة.

وبالنسبة للمشاريع فنحن لدينا مصالح صناعية في ليبيا ولكنها مُقامة بشكل مخالف للقوانين، لأن الدولة الليبية لم تخطط المدن على أساس مناطق تجارية وصناعية وخدمية وسكانية وترفيهية، لكي يستطيع المستثمر أن يعمل.

هل تعلمون أنه حتى المحلات التجارية التي نمتلكها في طرابلس مخالفة للقانون لأن التخطيط العمراني للمدينة لم يتم العمل عليه منذ سنة 1978، وهو لم يحدد مناطق تجارية وخدمية، وكذلك المناطق الصناعية فكل المصانع الموجودة في ليبيا قائمة خارج المخططات الصناعية، والدولة إن خططت مناطق لهذا الغرض امتلكتها لإقامة المصانع العامة.

الدولة – أيام القذافي – قامت بالاستيلاء على أراضي الناس لاستخدامها في المنفعة العامة، وفي الواقع مخططات هذه المناطق كانت تجارية لايجوز تطبيق قانون المصلحة العامة فيها، ولذلك أغلب الناس احتجت على مصادرة أراضيها وتم تعويضها.

نحن لدينا ثلاثة مصانع في مناطق زراعية، وكل مرة نتفاجأ بشخص يحتج علينا ويدعي ملكية الأرض المقام عليها المصنع، وأي شخص يمكن أن يتهمنا بمخالفة القانون ولانستطيع الإنكار، لذلك ما أردت قوله هو أنه على الدولة أن تؤدي ماعليها من واجبات تجاه تسهيل نمو الاقتصاد، نحن نطمح بأن نصل ليوم نستثمر في أرض لا تملكها الدولة بل نملكها نحن المستثمرين، لأن مهمة الدولة التخطيط وليس التملك والشراء، وكذلك شراء الخدمات وليس الاستثمار فيها.

محلاتنا ومصانعنا مهددة كل يوم من قبل الحرس البلدي بالإغلاق، لذلك أكرر يجب وضع المخططات من الدولة لنمو القطاع الخاص لأن بدون هذه المخططات لن يكون هناك نمو عادل للقطاع، وأنا أعتبر نفسي مخاطراً بالاستمرار في العمل داخل ليبيا ولكن ليس الجميع مستعد لفعل ذلك.

 س- يقع على عاتق كل المشاريع الناجحة في العالم التزام بتنمية المجتمعات التي تعمل داخلها وهو ما يعرف بالمسؤولية المجتمعية، أين أنتم من هذا الالتزام وماذا أنجزتم من مشاريع تنموية؟

ج- دعيني أتكلم عن التنمية من خلال توفير فرص العمل للمواطنين الليبيين، وتنمية العاملين معنا، لأنه باعتقادي نحن ساهمنا بما يكفي في هذا الإطار، حيث شغلت مجمل شركاتنا ما لا يقل عن 2500 مواطن، وقمنا بتدريبهم في مراكز التدريب التابعة للمجموعة أو بجلب مدربين متخصصين لهم.

وإذا قارنا هذا الرقم بحجمنا في الاقتصاد الليبي يمكن اعتبار أننا حققنا رقماً جيداً جداً، وشركاتنا ملزمة بأن تعلم العاملين معها وليس تعليم الناس بالكامل، وأعتبر سؤالك هذا فيه نوع من التناقض لأنك في البداية ترفضين خصخصة التعليم والآن تريدين للقطاع الخاص أن يعلم الناس ويساعد في التنمية.

 س- تتهم شركاتكم بأنها تستورد البضائع عن طريق فتح اعتمادات مصرفية، ما يعني أنكم تستوردون بالسعر الرسمي للدولار وتبيعون بالسعر المرتفع بسبب غلاء الدولار في السوق الموازي، هل هذا صحيح؟

ج- غير صحيح أبداً أن شركاتنا تستورد بالسعر الرسمي للدولار، هذا ينطبق أيضاً على السوق بصفة عامة لايستورد بالسعر الرسمي للدولار، أولاً لأن هناك مواد استهلاكية نستوردها ممنوع بقرارمن وزارة الاقتصاد أن تتم تغطيتها بالسعر الرسمي، وحتى المواد غير الممنوعة نحن لم نغطي وارداتنا بالسعر الرسمي للدولار منذ سنة كاملة بما فيها حليب الأطفال.

ما تمكنا من تغطيته فعلاً من مصرف ليبيا المركزي العام الماضي لم يتعدى حليب الأطفال لمدة 60 يوماً في 18 شهراً، ومعجون الطماطم لمدة 15 يوماً في 18 شهراً، أما الحليب العادي والتونة والجبن فلم تتجاوز المدة 10 أيام في 18 شهراً أيضاً، الاعتمادات في ليبيا بأكملها لم تتم تغطيتها لأكثر من 6 إلى 7 أشهر في السنة.

ولعلمكم فإن مجموعتنا هي أكثر من أورد النقد للبنوك بصفة يومية وليس فقط عند الحاجة نفتح اعتمادات، لذلك نحن نعمل بمنتهى الشفافية.

 سألم تفكر وأنت من أغنى أغنياء ليبيا أن تقود مبادرة لخفض الأسعار في السوق على الأقل على المنتجات التي تستوردها شركاتك في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها البلد؟

ج- لا أحد يستطيع خفض الأسعار في السوق لأن السوق يحكمه العرض والطلب، وأتحدى أي شخص أو مؤسسة أو قطاع يمكنه التحكم في الأسعار بمفرده، والدليل مثلاً أسعار أنابيب الغاز فالمستورد للأنابيب هي شركة حصرية واحدة، والموزع أربع شركات مساهمة، تسعيرة الأنبوبة 5 دينار ولا تباع في السوق بأقل من 40 دينار، هذه شركة حكومية واحدة تستورد وأربعة موزعين يبيعون بهذا السعر، فما بالك بشركة خاصة تنافس شركات خاصة أخرى.

 س- يرفض معظم التجار في المنطقة الغربية التعامل بالعملة التي تم طبعها من قبل المصرف المركزي بالبيضاء ما زاد تعقيد الأزمة، هل تعاملتم بها أم ترفضون ذلك؟

ج- نحن نتعامل مع أي عملة متداولة ما لم يصدر قرار من مصرف ليبيا المركزي يعمم برفضها، وصمت المصرف معنى انه موافق عليها، وعموماً طبع المزيد من العملة لن يؤدي إلا إلى المزيد من التضخم، سواءً تم طبعها في البيضاء أو طرابلس أو أي مكان آخر.

 س- كيف تفسر استمرار هبوط الدينار الليبي أمام العملات الأخرى، والأسعار المرتفعة في البلاد رغم فتح الاعتمادات ودعم المواد التموينية؟

ج- العملات بأنواعها ليست إلا سلعة، مثلها مثل أي سلعة خدمية أو مادية، وكونها سلعة فتقييمها معتمد على العرض والطلب، وهذا يفسر ما قلته بشأن طباعة الأوراق النقدية فزيادة طرح سلعة الدينار الليبي بطباعة أوراق جديدة يزيد العرض ويقلل السعر، وهذا سبب ارتفاع الأسعار في السوق.

أما بالنسبة للعملة الأجنبية فإن مصدرها الوحيد بنسبة 97% هو النفط وملجؤها الوحيد هو مصرف ليبيا المركزي، وبما أن تصدير النفط متوقف فستنعدم العملة الأجنبية من المصرف المركزي وبالتالي من السوق فيقل عرضها ويرتفع سعرها، إذا فسعر الدينار وسعر الدولار مرتبط بكم المعروض منه في السوق، ولا علاقة للتجار بارتفاع أو هبوط الدينار الليبي.

 س- ما هو الحل برأيك؟

ج- الحل الوحيد هو تغيير سعر الصرف لخلق التوازن بين ميزان المدفوعات والميزان التجاري، وضرورة إعادة تصدير النفط لكي يمكن الرجوع للمعدلات السابقة والمساهمة بخلق هذا التوازن، وأيضا بإعطاء الفرصة للقطاع الخاص لمساندة القطاع العام.

 س- هل تتوقع أن تقدم ليبيا على الاقتراض من البنك الدولي لتغطية عجز الميزانية؟

ج- شخصياً لا يخيفيني تدخل البنك الدولي أوصندوق النقد الدولي بل أعتبرهم عاملاً مساعداً، ولا يخيفني الاقتراض بالرغم من قناعتي الراسخة بأننا لسنا بحاجة إلى الاقتراض، لأنه يوجد لدينا مقومات تمكننا من معالجة الازمة والخروج منها بقرارات وطنية خاصة بنا، وإذا كان لا بد من الاقتراض فيجب أن يكون داخلياً، من خلال سندات خزانة مالية أو صكوك تمويل.

ولا أراه أمراً منصفاً أن تقترض الدولة الأموال لتغطية مرتبات الموظفين المتغيبين عن أعمالهم، أو لتغطية دعم المحروقات التي يتم تهريبها إلى دول الجوار من كل الجهات ولا يستفيد من هذه الأموال سوى المهربون.

 س- هل يسعى حسني بي لأي منصب سياسي في الدولة مستقبلاً؟ وما سر اهتمامكم ومساهمتكم في المشهد السياسي في هذه الفترة؟

ج- لا يوجد لدي أية طموحات سياسية ولا رغبة عندي في أن أكون موظفاً عاماً أبداً، ولكنني جاهز دائماً لتقديم الدعم المعرفي والمشورة لمن يرى في خبرتي في الاقتصاد شيئاً مفيداً.