لم يوضّح بيان الهيئة التنسيقية العليا لأحزاب الائتلاف الحاكم الثلاثة (حركة النهضة وحزب التكتل وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية)، الصادر الأحد الماضي (13.10.2012) تفاصيل وخصوصيات النظام السياسي الجديد الذي اقترحته، إذ جاء في البيان “اختيار نظام سياسي مزدوج يُنتخب فيه رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب يضمن التوازن بين السلطات وداخل السلطة التنفيذية”.

ورغم التباس البيان، فإن هذا المقترح حسم جدلا محتدا، منذ الثورة التونسية، حول طبيعة النظام السياسي، وأثار ردود الفاعلين السياسيين وخبراء القانون الدستوري.

لم يوضّح بيان الهيئة التنسيقية العليا لأحزاب الائتلاف الحاكم الثلاثة (حركة النهضة وحزب التكتل وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية)، الصادر الأحد الماضي (13.10.2012) تفاصيل وخصوصيات النظام السياسي الجديد الذي اقترحته، إذ جاء في البيان “اختيار نظام سياسي مزدوج يُنتخب فيه رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب يضمن التوازن بين السلطات وداخل السلطة التنفيذية”.

ورغم التباس البيان، فإن هذا المقترح حسم جدلا محتدا، منذ الثورة التونسية، حول طبيعة النظام السياسي، وأثار ردود الفاعلين السياسيين وخبراء القانون الدستوري.

السيدة مية الجريبي، الأمينة العامة للحزب الجمهوري عبرت عن ارتياح حزبها لهذا المقترح، خاصة في نقطته المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، وهذا الارتياح مفهوم للمراقبين والمهتمين بالشأن السياسي في تونس، فالحزب الجمهوري من الأحزاب التي اعتبرت دائما أن النظام الرئاسي هو الأنسب للبلاد وأن رئيس الجمهورية يجب أن يُنتخب مباشرة من الشعب.

أما الأستاذ الجامعي المختص في القانون الدستوري قيس سعيد فقد أبدى تحفظات حول اختيار هذا النظام السياسي من ناحية أنه يوزع السلطة التنفيذية بين “رأسين” قد يصطدمان عند التعاطي مع الملفات الملموسة. ونبه الى مخاطر هذا النظام السياسي الجديد اذا لم يتم بشكل دقيق تحديد صلاحيات كل من رئيس الجمهورية والحكومة.

ومن المنتظر أن يرتفع نسق الجدل حول هذا المقترح داخل المجلس الوطني التأسيسي، السلطة الأصلية المؤهلة تشريعيا لاختيار النظام السياسي الجديد لتونس. جدل قد يُبرز حجم التباين بين الفاعلين السياسيين لكنه لن يؤثر على نتائج التصويت طالما أن التحالف الثلاثي الحاكم يتمتع بأغلبية الأصوات داخل المجلس الوطني التأسيسي.

التجاذب حول هذا المقترح يمس أيضا جوانب أخرى تتعلق بدوافع توافق التحالف الثلاثي الحاكم على هذا النظام السياسي.

فحركة النهضة الاسلامية، أهم طرف في التوافق، كانت قد دافعت دائما عن خيار النظام البرلماني، واعتبرت أن النظام البرلماني هو الأقدر على القطع مع الاستبداد وتغوّل السلطة، مستندة في ذلك على تجربة الحكم الرئاسي الذي عرفته تونس منذ الاستقلال مع الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة وخلفه زين العابدين بن علي.

وقد تضمن البرنامج الانتخابي الذي تقدمت به النهضة في انتخابات 23 تشرين اول/ أكتوبر 2011، تأكيدا على خيار النظام البرلماني. كما دافع النهضويون في لجنة التشريع التابعة للمجلس الوطني التأسيسي في النقاشات الاولية حول النظام السياسي على النظام البرلماني .

إن قبول حركة النهضة بالنظام المزدوج، هو تراجع واضح من طرفها للحفاظ على بعض التوافقات، وخاصة على تحالفاتها مع شريكيها في الحكم. وهي لازالت تعمل من أجل الحفاظ على هذا التحالف الذي تسوقه على أنه “انموذجا تونسيا في التحالف بين الاسلاميين المعتدلين والعلمانيين المعتدلين”.

الواضح إن النظام المزدوج المقترح من التحالف الثلاثي الحاكم هو النظام الأنسب للحفاظ على وحدة التحالف، وليس بالضرورة هو الأنسب للتونسيين، كما جاء على لسان السيد الصحبي عتيق رئيس كتلة حركة النهضة. فالقول إن النظام المزدوج هو الأنسب للتونسيين يفترض كحد أدنى التوافق عليه داخل المجلس الوطني التأسيسي باعتباره ممثلا للشعب أو في مرحلة أخرى الاستفتاء عليه إن تتطلب الأمر .

أما النظام المزودج بحد ذاته، فلم يعرفه التونسيون إلا من خلال تجارب الآخرين. ويؤكد الخبراء في القانون الدستوري أنه لا يوجد من الناحية النظرية نظام يسمى النظام المزدوج، بل إن المقصود هنا هو نوع من النظام البرلماني أدخلت عليه تعديلات زادت من قوة السلطة التنفيذية عبر توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية مقارنة بما يتمتع به الرئيس في النظام البرلماني التقليدي. لذا فهو يجمع بين النظامين الرئاسي والبرلماني

ويؤكد الخبراء في القانون الدستوري أن تونس لم تعرف النظام الرئاسي، بل عرفت النظام “الرئاسوي” الذي يعتبر نسخة مشوهة من النظام الرئاسي “الحقيقي” كما هو في الولايات المتحدة الأمريكية .

ومن مظاهر النظام الرئاسي أن يكون رئيس الجمهورية منتخب من الشعب، ويتولى رئاسة مجلس الوزراء، كما يعين الوزير الأول، ويعين الوزراء و يقيلهم بناءً على اقتراح رئيس الحكومة، ويعين رئيس الجمهورية أيضا كبار موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين يتمتع بالسلطة التنظيمية و خاصة إصدار القرارات.

 

ولم تعرف تونس أيضا النظام البرلماني، رغم أن التجربة الحالية للحكم التي يطلق عليها “النظام المجلسي”، أي أن السلطة الأولى بيد المجلس الوطني التأسيسي.

 

ويقيم العديد من المحللين السياسيين التجربة الحالية بأنها انموذج النظام البرلماني الذي كانت تدعو اليه حركة النهضة. حيث تتمركز أغلب السلطات التنفيذية بيد رئاسة الحكومة فيما لا يتمتع رئيس الجمهورية الا بصلاحيات محدودة تجعل مجال تحركه محدودا.

 

ومن مظاهر النظام البرلماني، ثنائية السلطة التنفيذية اذ يوجد رئيس حكومة، و البرلمان يراقب نشاط الحكومة، كما أن الحكومة مسئولة أمام البرلمان و يستطيع أن يسحب منها الثقة، ويمكن للسلطة التنفيذية حل البرلمان، وتشارك السلطة التنفيذية في الوظيفة التشريعية باقتراح القوانين و مناقشتها داخل البرلمان.

إن خيار النظام المزدوج الذي يمزج بين النظامين الرئاسي والبرلماني المقترح من طرف التحالف الثلاثي الحاكم في تونس، مازال مقترحا سيعرض على المجلس الوطني التاسيسي للنقاش و المصادقة عليه. وفي انتظار هذه المصادقة ستعرف الحياة السياسية في تونس حراكا وجدلا حول هذا المقترح الذي سيرسم ملامح المستقبل السياسي لتونس.