مستحضرات تجميل ومخدرات، ملابس وأسلحة، سجائر وأقمشة، رؤوس ماشية وأقراص مخدرة وبنادق صيد.. كل هذه السلع تعبر الحدود المصرية الليبية من محافظة مطروح، هكذا بدأ عتمان – اسم مستعار- أحد المهربين حديثه لـ”مراسلون”

الطبيعة الجغرافية لمحافظة مطروح جعلتها قبلة لعمليات التهريب لمعظم السلع الممنوع دخولها وتداولها في مصر وأيضا البضائع المسموح بها ولكنها تدخل بطريقة غير شرعية هربًا من الرسوم الإجراءات الجمركية، فمطروح لديها شريط حدودي غربي يمتد نحو 400 كيلو متر به 45 دربًا صحراويًا، ومدقات جبلية لا حصر لها، ومنفذ على البحر المتوسط طوله 450 كيلو متر بالإضافة إلى سيولة أمنية في ليبيا بعد ثورة 17 فبراير 2011.

***

يقول عتمان: المهربين في مطروح لديهم “متعهدين” في دول كثيرة منها تركيا والهند والصين والإمارات لتسهيل شحن البضائع من هذه الدول إلى ليبيا ثم تدخل مصر عن طريق الدروب الصحراوية أو عبر البحر.

يوضح “عتمان”: كل مجموعة مهربين لديهم “متعهدين” أو “مناديب” في معظم الدول والعربية وبعض الدول الأجنبية يتم جلب البضائع منها، والمتعدين لديهم رؤوس أموال في بنوك البلدان المقيمين فيها، بغرض شراء البضائع التي سيتم تهريبها.

يضيف: تبدأ عمليات التهريب من مطروح بمرحلة تجميع رأس المال الخاص بشراء البضائع، ويطلقون على هذه المرحلة “الجمعية”، وهي عبارة عن أسهم كل سهم يختلف حسب السلعة بحد أدنى 50 ألف جنيه وقد يصل السهم إلى مليون جنيه، وتتكون الجمعية من 3 أشخاص فأكثر من رجال الأعمال أو التجار، وبعد تجميع رأس المال الذي قد يصل إلى عشرات الملايين، وتنتهي مهمة المشاركين في الأسهم هنا، يخاطب المهرب المتعهد في البلد التي سيتم جلب البضائع منها ويرسل له الأموال عبر شركات تحويل الأموال، وبعد نجاح العملية يحصل المشاركين في الأسهم والمتعهدين على أرباحهم.

يوضح عتمان جمعيات التهريب نوعان الأول بغير ضمان وإذا ضبطت البضائع المهربة يتحمل كل أفرد بـ”الجمعية” الخسائر، والنوع الثاني بضمان من كبار المهربين وشيوخ القبائل حيث يحرر المهرب للمشاركين في “الجمعية” شيك مقبول الدفع، لضمان استرداد أموالهم إذا تم ضبط البضائع، وفي حال حدوث خلاف بين المشاركين في الأسهم والمهرب يفصل في النزاع كبار التجار الذين يعملون في البضائع المهربة و كبار المهربين طبقاً لعرف متفق عليه .

وبعد شحن المتعهد البضائع المتفق عليها من البلد المقيم فيها، تصل إلى مينائي طرابلس أو بنغازي بليبيا تحديدًا بسبب السيولة الأمنية بهما ويتم تفريغ الشحنة وتخزينها في مدينة مساعد المقابلة لمدينة السلوم أو جنوباً في مدينة “جغبوب” المقابلة لواحة سيوة، وتتولى بعد ذلك  مجموعات تمتهن التهريب نقل البضائع بسيارات دفع رباعي إلى مصر عبر الدروب الصحراوية، ويتم تسليمها شرق مطروح في مدينة برج العرب بالإسكندرية.

***

السائق والدليل هما كلمة السر في نجاح عمليات التهريب”، يقول عتمان: يختار المهرب السائق والدليل بعناية شديدة لأنهما أهم ما في النقلة، فلابد أن يكونا من بدو الصحراء، ومن أبناء المناطق التي يمر خلالها السيارات المحملة بالبضائع ليطلبا العون من التجمعات البدوية إذا حدث طارئ من خلال هاتف “الثريا” المتصل بالقمار الصناعية، فضلاً عن معرفتهما بأعمال صيانة السيارات حال وجود عطل فيها، ولديهما مهارة إخفاء السيارات لحين إصلاح العطل بعيدًا عن عيون وحدات الاستطلاع الجوي أو البري، من خلال تغطية السيارات بالرمال والزراعات الصحراوية، لذا تكون أجورهما مرتفعة، فمثلاً في حمولة السيارة الواحدة “ربع نقل” من السجائر يكون أجرة السائق 25 ألف جنيه والدليل 10 آلاف جنيه، وإذا كانت النقلة حشيش أو عقاقير مخدرة أجرهما يحسب بنسبة من الأرباح إذا نجحت العملية، وفي بعض الاتفاقات يتم المحاسبة بالكيلو عن مخدر الحشيش.

 ***

ويؤكد عتمان أن أغلب عمليات التهريب تبدأ مع آخر ضوء للغروب وتنتهي مع أول ضوء للشروق، ونعتمد على معرفة الأدلاء بالدروب الصحراوية ونسير ليلًا على هدى النجوم بلا أضواء أو نيران، وإذا لم تصل السيارات إلى نقطة التسليم خلال الليل لأية ظروف، تتوقف عملية السير وتخرج السيارات من الدروب وتزال آثارها ويتم إخفاءها في الصحراء ثم تتحرك مرة أخرى بعد غروب الشمس

 ***

في يوليو الماضي أعلن علاء أبو زيد محافظ مطروح خلال مؤتمر الهجرة غير الشرعية عن وجود 45 ممرًا ودربًا صحراويًا على الحدود بين مصر وليبيا ، تمتد من البحر  المتوسط وحتى جنوب واحة سيوة، وعرض المؤتمر الدروب وأهمها “وادي رأس الجدي” و”وادي القرن”، كذلك مدق وادي عقرب وهو الأكثر استخداماً في تهريب تجارة السلاح والمخدرات، ومدق وادي الرمل ومدق وادي الماسورة،  ثم منطقة ممرات الرابية بمدينة السلوم، وممر الكفْرة الذي يتفرع إلى طريقين الأول يصل إلى صحراء المنيا والثاني يمر بمنطقة جبل الرومانية وعين دالة، وصولاً لمنطقة أبو منقار الصحراوية، بالإضافة إلى منطقة ممرات أبو شروف بمدينة سيوة.

***

يقول مصدر أمني – رفض ذكر اسمه- إن القوات المسلحة استخدمت أساليب غير تقليدية في تأمين وسد الثغرات والممرات والدروب الصحراوية على الحدود الغربية عقب 30 يونيو 2013، منها الاستطلاع الجوي المستمر بطول الحدود واستخدام أجهزة استشعار ورصد حراري ونظم تتبع بإحداثيات الأقمار الصناعية بالتنسيق مع أمريكا، ما قلل كثيراً من عمليات التهريب، ودفع المهربين إلى استخدام مسالك أخرى بعيداً عن الحدود الغربية، حيث يتم إدخال البضائع المهربة إلي شمال السودان من خلال الحدود مع ليبيا لتتلقاها بعد ذلك  مجموعات  من المهربين وتنقلها إلى جنوب مصر من خلال الدروب الصحراوية، ويتم تسليم البضائع المهربة في مدينتي أسوان أو الأقصر في الجانب الغربي من نهر النيل.

***

في الفترة الأخيرة قلت عمليات تهريب الملابس والأقمشة الرخيصة لثقل وزنها، ومخاطرة التهريب مقابل أرباحها، هكذا بدأ حميدة – اسم مستعار- أحد مهربي مطروح حديثه لـ”مراسلون”، يوضح: التشديدات الأمنية عقب الغارات المصرية على ليبيا في فبراير 2015 قللت من عمليات التخريب على الحدود الغربية، ولجأ المهربون إلى البضائع ذات العائد المرتفع وأهمها الحشيش المغربي الذي يأتي من المغرب عبر الصحراء الجزائرية ومنها إلى جنوب ليبيا والتي يتولى تهريبها مجموعات تسمى “الطوارق” بالتعاون مع القبائل البدوية هناك، خاصة مع موافقة المتشددين الإسلاميين على فرض رسوم عبور للمخدرات بدلا من مصادرتها.

يضيف حميدة كما يمر الحشيش المغربي وأنواع أخرى قادمة من الشام عبر سواحل ليبيا الشرقية بالاتفاق مع عناصر أمنية تتعاون مع المهربين ويدخل الحشيش مصر عبر البر أو البحر وهو ما يبرر ظهور ما يعرف بالحشيش الشامي مرة أخرى في الأسواق المصرية بعد فترة انقطاع 35 عاماً تقريبًا.

 ***

في الفترة من يناير 2015 وحتى يوليو الماضي هاجر 16127 مصريًا إلى ليبيا بطريقة غير شرعية كما أكد مؤتمر الهجرة غير الشرعية الذي عقد في مطروح نهاية يوليو الماضي، وكشف المؤتمر أن أغلب المهاجرين غير الشرعيين إلى ليبيا أغلبهم من محافظات الصعيد وهدفهم العمل في ليبيا، يدفع كل مهاجر 5 آلاف جنية للرحلة الواحدة للسمسار من محافظة مطروح كي يعبر بهم الحدود، فيما يحصل السائق على ألف جنيه على كل فرد و500 جنيه لكل فرد للدليل.

***

ويلجأ البدو إلى تهريب رؤوس أغنام البرقي المشهورة بمطروح إلى ليبيا تمهيدًا لتصديرها إلى دول الخليج كما يقول “حميدة”، وتشتهر محافظة مرسى مطروح بالأغنام البرقي وهي من أجود لحوم الغنم لندرة الدهون بها ومراعيها الطبيعية في وديان المحافظة.

ويستخرج مهربو الأغنام تصاريح رعي من الأجهزة الأمنية في المنطقة الحدودية بشرط عدم دخول مناطق يحظر التواجد فيها، والتصريح يصدر بعدد ساعات محددة للرعي ويدون فيه اسم الراعي وعدد رؤوس الأغنام التي غالباً لا تتجاوز 200 رأس، ولكن ما يحدث أن يتم تجاوز المناطق المحددة بنفس التصريح ويستخدم لدخول أفواج أخرى من الأغنام، وتعبر الأغنام الحدود ويستقبلها آخرون من الجانب الليبي، ومن ليبيا يتم تصديرها إلي دول الخليج، وتتم عمليات تهريب الأغنام بهذه الطريقة هربا من إجراءات ورسوم التصدير المتبعة في مصر.

أيضًا يتولى مهربون نقل الأبقار السودانية التي تدخل ليبيا، تدخل مصر مهربة عبر الصحراء نظراً لحاجة السوق المصري إلى اللحوم الحمراء.

 

تصوير: سيد داود واراب