لم تستوعب حتى اللحظة السيدة سعيدة عبدة أن ابنها الطالب محمد أمين يقبع في السجن وسط أصحاب السوابق العدلية بسبب تدخين سيجارة “زطلة”.
فقبل أسابيع حوكم ابنها (19 عاما) لأول مرة بحياته بسنة سجنا وخطية مالية بألف دينار (400 دولار) بعد القبض عليه متلبسا من قبل الشرطة.
تبدو هذه المرأة مصدومة ومقهورة بسبب هذا الحكم الذي تعتبره “قاسيا” لأنه قضى على مستقبل ابنها في الدراسة، على حد تعبيرها.
منذ سنوات تعمل سعيدة بعد وفاة زوجها خادمة منزلية من أجل توفير لقمة العيش ونفقة الدراسة لابنها الذي تقول إنها كان متفوقا في الدراسة.
ويدرس ابنها في الثانوية العامة في اختصاص الاقتصاد والتصرف وقد عرف بحسن سيرته وسلوكه بين أصدقائه وأساتذته، وفق تأكيدها.
حال هذا الشاب لا يختلف عن حال آلاف الشباب الذين وجدوا أنفسهم لأول مرة خلف القضبان بسبب استهلاك القنب الهندي (الزطلة).
إذ يفرض قانون 52 المتعلق بالمخدرات عقوبات صارمة على المستهلكين حتى لأول مرة، تصل أدناها لسنة سجن وخطية مالية بألف دينار (400 دولار).
فئة التلاميذ
وحسب أرقام رسمية حوكم العام الماضي نحو 8 آلاف شاب بموجب القانون 52 المعمول به منذ سنة 1992، بينما يبلغ عدد المحكومين والموقوفين في السجون التونسية قرابة 23 ألف من بينهم تلاميذ وطلبة وموظفين.
ووفق دراسة قامت بها إدارة الطب المدرسي والجامعي في وزارة الصحة حول انتشار المخدرات في الوسط المدرسي فإن أكثر من 50 بالمائة من التلاميذ في المدارس التونسية “احتكوا” بالمخدرات.
ولفتت تلك الدراسة المنجزة بعد الثورة إلى أن المزود الرئيسي لهم هم التلاميذ أنفسهم يليهم العاملون بالمعاهد. وتعد أكثر أماكن التزويد “قاعات الألعاب والمقاهي القريبة من المعاهد”.
منظمات حقوقية عديدة دقت ناقوس الخطر من مخاطر تسليط عقوبات سجنية على مستهلكي المخدرات لاسيما المستهلكين للمرة الأولى من تلاميذ وطلبة وغيرهم.
فشل ذريع
المحامي والناشط الحقوقي معطي الدخلي يقول إن السياسات الزجرية للوقاية من استهلاك المخدرات أظهرت فشلا ذريعا لأنها لم تقض على استهلاك المخدرات لاسيما في الأوساط المدرسية والجامعية، وفق رأيه.
ويضيف لمراسلون أنه “آن الأوان لإعادة النظر في قانون 52 للتعامل مع مستهلكي المخدرات كمرضى وضحايا يتوجب معالجتهم بدل معاقبتهم”.
من جهته يؤكد القاضي محمد العفيف الجعيدي أن طبيعة الفئة التي تستهلك المخدرات يستدعي السؤال “إن كان من الأفضل اعتبارهم ضحايا والبحث عن معالجات لهم تضمن عدم تطور انغماسهم في مجال المخدرات أو مواصلة سياسة ردعية تجاههم ثبت فشلها؟”.
ويضيف لمراسلون بأنه من مصلحة هؤلاء الشباب الاعتراف بهم كفئة تستحق الحماية والعلاج بدلا من الزج بهم داخل السجون بسبب مخدر “الزطلة” محود الخطورة مقارنة بأنواع أخرى من المخدرات الثقيلة.
ويرى هذا القاضي أن ما يصرف من مال عام على سجن مستهلكي المخدرات سنويا “كان يمكن أن يطور مؤسسات علاجية ومنظومة حماية تضمن فعليا التصدي لتطور ظاهرة المخدرات والتقليص من استهلاكها”.
إجراءات جديدة
وبعد سلسلة من الضغوطات تم في نهاية أبريل/نيسان الماضي إلغاء الفصل 12 من القانون 52 المتعلق بالمخدرات من أجل منح سلطة تقديرية للنيابة العمومية لإبقاء المتهمين بقضايا استهلاك المخدرات بحالة سراح وتوفير أكبر ظروف تخفيف لهم.
وقد تم كذلك تفعيل لجنة العفو الخاصة عن المساجين في رئاسة الجمهورية بهدف النظر شهريا في ملفات مستهلكي المخدرات قصد إطلاق سراح جزء منهم لا سيما المستهلكين المبتدئين منهم.
وقد عبر عديد الحقوقيين عن ارتياحهم لهذه الإجراءات نظرا لأنها تؤسس لمقاربة جديدة تقوم على التماس ظروف التخفيف ومنح الفرصة للشباب بعيدا عن السياسة الردعية التي تهدد مستقبلهم.
حول هذا يقول مهدي الشاوش الناطق الرسمي باسم نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل الأمني إن الإجراءات المتخذة للتخفيف من العقوبات لها مزايا عديدة على فئة الشباب وعلى أعوان السجون.
وقال إن مش شأن هذه الإجراءات أن تخفف من الازدحام الكبير الذي تعاني منه السجون وتضمن أريحية كبيرة لأعوان السجون للعمل في ظروف جيدة وأداء وظيفتهم الاصلاحية على أكمل وجه.
وأبرز بأن الإجراءات من شأنها أن تحمي الشباب الذي تعلقت به قضايا استهلاك “زطلة” من خطر استقطابهم سواء من قبل محرفين أو متشددين داخل السجون. كما ستجنبهم كل التجاوزات البدنية والجنسية التي قد تطالهم خلال فترة سجنهم، بحسب تعبيره.
وتبقى هذه الإجراءات رغم أهميتها “منقوصة” وفق البعض طالما لم تقع إعادة النظر كليا في قانون المخدرات.
يذكر أن هناك مشروع قانون جديد للمخدرات مازال في أدراج البرلمان التونسي ويتضمن العديد من الإصلاحات التي تخفف من العقوبات السجنية وتمنح فرصة أكبر للمقاربة العلاجية والوقائية. لكن البعض انتقده بدعوى أنه يتسامح مع استهلاك المخدرات.