عادة ما يتم الحديث عن المخدرات بأنواعها المختلفة بوصفها مرادفة للمتعة، والنشوة، والسعادة –حتى لو كانت وقتية- كما أن الطريق لها غالبا ما يكون مرتبطا بهذا الشعور، ولكن مع انتشار تعاطي مستحضرات كميائية دوائية كمخدرات، بدأ يبرز نوع آخر من أنواع التعاطي، لا علاقة له بمسألة النشوة أو المتعة، بقدر ما يرتبط بأداء أعمال تتطلب مجهودا بدنيا كبيرا، أو الاستيقاظ لفترات طويلة، هنا لا يعمل المخدر كباعث على السعادة، بقدر ما يتحول إلى كونه مخدر بالفعل لآلام الجسد حتي يستطيع العمل لأطول وقت ممكن، في هذه الحالة يصبح المخدر دافعا لانتاج مجهود عضلي بحت، ويؤخر الأحساس بالوجع، لحين الانتهاء من العمل. نستعرض هنا ثلاث نماذج للتعاطي بهدف تنحية الإحساس بالارهاق، بالتأكيد لا يمكننا القول إن كل من يعمل في تلك المهن هو متعاطي للمخدرات، ولكن يشير هذا النمط من التعاطي إلى قسوة الظرف المحيط بتلك الأعمال، وأيضا يبدو –هذا النمط- محطما لفكرة التعاطي من أجل المتعة، التعاطي هنا من أجل العمل وفقط.

حنان.. قرص لكل شقة

كانت حنان  (اسم مستعار- 31 عاماً)  وأم لأربع أبناء، الأول شاب يبلغ من العمر 16 عاماً، وفتاة 13 عاماً، والثالثة تبلغ من العمر 6 أعوام، والأخير يبلغ عامين، تتأرجح بين الخجل والخوف وهي تتحدث معنا، تدخن باستمرار، ولكنها بدأت تحكي عن اللحظة التي تعتبرها فارقة في حياتها وهي قرار أسرتها بجعلها تترك الدراسة وتتزوج، كانت في نهاية المرحلة الأعدادية، وأجبرتها أسرتها -المقيمة بشبين الكوم بمحافظة المنوفية- على ترك تعليمها والزواج وكانت تبلغ ساعتها 14 عاماً، حينها قام المحامى بالتزوير في عمرها لتصبح 16 عاماً كي يتمكن من تزويجها. السن لم يكن الأزمة الوحيدة المصاحبة للزواج، ولكن ديانة الزوج كانت مشكلة هي الأخرى، فالزوج كان مسيحيا، ولكنه تحول إلى الإسلام من أجل إتمام الزواج، ومن هنا –كما تروي حنان- تحولت حياتهم لجحيم، فعقب تغييره لديانته، أبتعدت عنه أسرته وأصبح وحيداً وليس لديه أصدقاء ولا أقارب، ومن تلك اللحظة اتجه زوجها للمخدرات، حتى يتناسى أنه لا يستطيع إن يشاهد والدته وأشقاءه.

وعقب الزواج بثلاثة أعوام ، انتقلت هى وزوجها ليقيموا بغرفة بحي السيدة زينب حتى تتمكن من إيجاد عمل، وكانت البداية كما تتذكر “حنان” منذ عشرة أعوام تقريبا، كانت قد بدأت في العمل كعاملة منزل، وبالتدريج عن طريق الزوج أعتادت على تناول قرص ترامادول بشكل يومي – عقار يستخدم لعلاج الألأم الأعصاب والعضلات والعمود الفقري- كى تستطيع أن تعمل بالمنازل وتقوم بتظيف سلالم العقارات، كي تتمكن من توفير دخل للأسرة بدون أن تشعر بالتعب، وراحت حنان تنتقل من منزل إلى منزل ويعقبها  قرص ترامادول من منزل لآخر، تقول حنان: “البيوت الكبيرة تحتاج شريط ترامادول أحيانا، حتى أستطيع أنجازها في وقت قصير، وأتمكن من الذهاب الى منزل أخر”.

“لابد من تدخين علبة سجاير باليوم حتى أشعر بالطاقة” هكذا قالت حنان التي أكدت أنه عقب ثلاث أشهر ظلت حريصة خلالهم على تناول قرص ترامادول يومياً، باتت لا تستطيع الأستغناء عنه، وهذا أدي الى أجهاضها مرتين من قبل ولكنها لم تستطع الاستغناء عنه، وتتناول قرصين أو أكثر يومياً إذا كان لديها شقق كثيرة تحتاج إلى تنظيف، فالترامادول ساعدها على تنظيف 12 شقة خلال يومين قبل عيد الفطر الماضي.

***

من ناحيته يؤكد الدكتور محمد مصطفي خبير السموم والمخدرات بمركز السموم، إن أكثر من 8 مليون شخص يتعاطون عقار الترامادول، مشيرا إلى أن هذا العدد في تزايد مستمر، بجانب إن أكثر من 40 % من متعاطي الترامادوال هم من النساء، وأن أكثر المحافظات التى تشهد حالات إدمان عديدة من الترامادول هى القاهرة والجيزة والمنيا والإسكندرية وسوهاج ومطروح وسيناء.

يرى خبير المخدرات أن الطريق إلى الترامادول يبدأ عادة عند الرجال بالبحث عن الفحولة الجنسية، وعند السيدات بهدف تسكين الألم ولكن مع الوقت تنتهي المسألة إلى التعود والإدمان، وأشار أن مخاطر تعاطي الترامادول على السيدات الحوامل والرضع كثيرة، لكن أهمها الإجهاض، وقصور المشيمة، والولادة المبكرة.

***

تقول حنان: “عندما أحصل على القرص اليومي لا أشعر بالتعب، وأفقد الإحساس بالإرهاق، منذ أن أصبحت معتادة على الترامادول، صرت معروفة بالنشاط، وأصبح لي زبائن أكثر” تذكر حنان أنها ذات مرة قامت بتنظيف 8 شقق في يوم واحد، والفضل يعود الى الترامادول على حد وصفها.

أما الابتريل وهو عقار طبي مخدر ومسكن قوى المفعول يستخدم بحذر لتسكين ألام أمراض مثل السرطان والأنزلاق الغضروفي، ولايستخدم إلا في حالات محدودة وبحرص شديد نظراً لخطورته على أجهزة الجسم. الابتريل يجعل حنان في حالة هياج وعصبية شديدة، ووكثيرا ما تتشاجر مع ابنائها وزوجها، ووصل الأمر إلى أنها قامت بحرق يد أبنتها بدون سبب ذات مرة. حنان تتعاطى الابتريل بعد الترامادول أحيانا كي تستطيع النوم، فإذا حصلت على قرصين ترامادول باليوم ولم تستطيع النوم، تتناول ثلاث أقراص ابريتل حتى تنام، وحينها تنام لمدة 24 ساعة بدون أن تفيق من نومها.

زوج حنان يعمل نجار، ويتعامل مع ديلر بالجيزة، وآخر بالدرب الأحمر يشتري يومياً 4 شرائط حتى تكفي له ولحنان، يبلغ سعر الشريط –به 3 أٌقراص- 50 جنيهاً، بينما سعر قرص الأبتريل 10 جنيهات،

وتقول حنان أن بعض أصدقائها ممن يعلمون بالمنازل يقومون أحيانا بخلط قرص الترامادول بالمياه عقب طحنه، حتى يتم حقنه في الوريد.

تحلم حنان بأن تنفصل عن زوجها، وإن تكف عن تعاطي الترامادول، لكن الأمر ما زال في نطاق الأحلام

***

مهدي.. شد حيلك الزبون مستعجل

مهدى (أسم مستعار- 43 عاماً) يعمل سائق نقل ثقيل، بدأ عمله في القيادة منذ عشرين عاما، يقول مهدي أن عمله يستلزم أحيانا أن يعمل على مدارال 24 ساعة وأكثر، بداية مهدي مع الترامادول كانت عندما وجد نفسه ينام أثناء القيادة من فرط التعب، فعرض عليه أحد أصدقائه بأن يتناول ربع قرص ترامادول، ثم نصف قرص، الأن وصل الأمر كما يقول إلى تناول من 3 الى 4 أقراص يومياً، إلى أن علم بما أسماه “العائلة المحترمة” والتي تتكون من الأمادول -احد مشتقات الترامادول ويستخدم لتكسين الألم الحاد أو المزمن بما في ذلك أوجاع ما بعد الولادة القيصرية، وأوجاع مصابي السرطان- والتامول الأحمر الذي يحمل نفس مادة الترامادول، ولكنه أشتهر بالسوق بالفروالة بسبب لونه الأحمر، والمختلف بينه وبين الترامادول هو تركيز المادة المخدرة به ، حيث تركيز المادة بالتامول أعلى إذ يستخدم لتسكين آلام الأعصاب والعضلات والعمود الفقري، وهو ألماني الصنع، والتامول المحلي الأبيض يكون تركيز المادة المخدرة بنفس نسبة الترامادول، ويستخدم لعلاج آلام الاعصاب والعضلات لكن يتم انتاجه بمصانع غير مرخصة.

كان مهدي يحصل على “العائلة المحترمة” بسهولة، من صيدلية بجنوب القاهرة، فكان مهدي يشترك مع أصدقاءه لشراء الكرتونة بحوالي 5 آلاف جنيهه، وتضم الأمادوال والترماداول الأحمر والأبيض.

مهدي يميل إلى الترامادول المحلى أكثر من المستورد، معللاً ذلك بأن المصري يعلم احتياج السوق من هذا النوع، ونوعية عمل الرجل المصري، لذا فهو أفضل من غيره المستورد.

بالنسبة لمهدي السبب الأساسي للجوءه إلى تعاطي الترامادول هو ضغط أصحاب السيارات، أو ملاك البضاعة، فقبل كل حمولة لابد وأن تسمع جملة واحدة وهي: “شد حيلك الزبون مستعجل” فليس مهما إذا كان هذا السائق مرهق أو لا يستطيع السفر لساعات متتالية، أو المسافة بعيدة ويحتاج إلى وقت من الراحة، كل هذا لا يهم، المهم الوصول بأقصى سرعة، “أضطر ساعتها لتناول قرص ترامادول فلابد أن أظل مستيقظا لمدة 72 ساعة أحيانا، وعند العودة إلى المنزل لا أستطيع النوم، وكأني نايم بس مفتح عيني” الترامادول يجعل مهدي شره في التدخين.. “أدخن علبتين سجائر باليوم وأشرب شاي وربما أتناول رغيف واحد طوال اليوم” المخدرات جعلت مهدى قليل الأكل، ونحف كثيرا، وجسده يرتعش دائماً، دائماً يشعر يالألم إلى أن يأخذ القرص. الأن قرر مهدى العلاج من الأدمان.

 

علاء.. عمل بالنهار.. وآخر بالليل

بالنسبة لعلاء (أسم مستعار- 46 عاماً) 80% من الشعب المصري يتعاطى الترامادول، وهو بدأ في تعاطي التامول منذ 16 عاماً، يقول: “كنت مجبرا على العمل بهيئة السكة الحديد منذ 8 صباحاً وحتى ال4 مساءاً، ثم أذهب لأعمل بأحد المقاهي بشارع الهرم حتى أستطيع أن أعول والدى ووالدتى، ثم زوجتى وأبنائي. ذات يوم أعطاني أحد العاملين بالمقهى ربع قرص تاموال، وكانت حجته حينها أن تلك الجرعة سوف تجعلني مثل الحصان، ولن أشعر بالإرهاق، ومن هنا بدأت أشرب السجائر والترامادول، إلى أن تركت المقاهي واكتفيت بالعمل في الوظيفة الحكومية ولكن لم أترك الترامادوال الأحمر.

وبكل يوم أجد  أصدقائي يتحدثون معى قائلين “نريد ربع أبيض” فالكثير من زملائي بالهيئة باتوا يحصلون على قرص من الترامادول يومياً، وهناك من أعتاد عليه مثلي، وهناك من يتعاطاه بهدف جنسي، وهناك من يريد القيام بعدد من الأعمال في وقت واحد.

حاولت الابتعاد عن الترامادول أكثر من مرة، فشهيتي للطعام ضعفت جدا، بينما لا أتوقف عن شرب الشاي والتدخين، أعيش طوال الوقت بإرهاق لا يتوقف، وحين استقيظ من النوم أشعر إن هناك قطارات قد سارت على جسدي، ولكني لم أستطع التوقف، أشعر أن الترامادول أصبح رفيق في الحياة، أعلم إن هذا الطريق نهايته الوفاة ولكن ليس أمامي خيار أخر.

 

 

تصوير: سيد داود واراب