انخفض سن متعاطي المخدرات في ليبيا من 16 سنة إلى 9 سنوات بدءاً من عام 2010، ولكن هذا الانخفاض أصبح ملحوظاً بشكل كبير منذ عام 2012 وخاصة في المدارس بحسب محمد الفيتوري المستشار والمحلل الاستراتيجي في مجال المخدرات بوزارة الداخلية.

يشرف الفيتوري على متابعة وعلاج أكثر من 25 طفلاً محتجزين بتهم ترويج وتعاطي المخدارت ضمن برنامج جلسات توعوية تقدمها مؤسسة للإصلاح والتأهيل، بينهم طفل يبلغ من العمر 14 عاماً أخذ أول حبة حين كان في التاسعة دون أن يعرف ما هي، حيث أعطاه إياها “رجل كبير” وداوم على إعطائه إياها حتى أصبح غير قادر على تركها.

في محيط المدرسة

لم يلاحظ أهل الطفل حالته في البداية – حسب ما أخبر به الفيتوري – ولكن وضعه تأزم مع الوقت وأصبح يطلب المال لشراء الحبوب، ثم بدأ يسرق ليوفر ثمن المخدر الذي يتعاطاه، حتى تطور الأمر وأصبح التاجر الذي يبيع له يستخدمه في الترويج، فبدأ يبيع ويشتري، وأول من لاحظ إدمانه معلمة الفصل حيث كان يضحك كثيراً وكان مشاكساً ويرفع صوته عليها، حتى انتهى به الأمر بين يدي قوات الردع حيث قُبض عليه وهو يبيع المخدرات.

طفل آخر يروي قصته الفيتوري عمره 13 عاماً، بدأ في تعاطي المخدرات عن طريق التدخين داخل المدرسة، ثم تطور به الأمر لتعاطي حبوب الترامادول التي استمر يأخذها عاماً كاملاً، فاكتشفت أسرته الأمر وأدخلوه مركزاً للعزل والعلاج عام 2012 مع عدد من الأطفال لمدة شهرين، إلا أنه عاد للتعاطي بمجرد خروجه من المركز حيث كان يطلب المال من أهله بحجة أنه سيلعب بها البلاي ستيشن.

هناك العديد من قصص التعاطي في المدارس “المتحفظ عليها خوفاً من الفضيحة” حسب الفيتوري، وبحسب تقديراته فإن ليبيا فيها حوالي 450 ألف متعاطي بشكل عام وهو “رقم مخيف في دولة عدد سكانها 5 ملايين نسمة” حسب وصفه.

العقاقير المخدرة

يعتقد الشريف الطاهر رئيس قسم البحوث والإحصاء بجهاز مكافحة المخدرات أن ظاهرة تعاطي الأطفال للمخدرات تضاعفت خطورتها مع انتشار المخدرات المصنعة والعقاقير المخدرة، حيث أصبح من الصعب على الأهل رصد أبنائهم لأنها لا تترك آثاراً على جسد المتعاطي مثل الإبر أو التدخين.

مشيراً إلى أنه في عام 2000 سُجلت أول حالة تعاطي لطفل عمره 13 عاماً، كان يعمل على بسطة لبيع السجائر في شارع الرشيد بطرابلس، بدأ بتدخين الحشيش ثم تطورت حالته حتى أصبح يستنشق الهيروين ثم يحقن نفسه بالإبر التي كانت سبباً لإصابته بالإيدز.

ويتفق معه الفيتوري بخصوص العقاقير المخدرة حيث أكد أن النمط الشائع لإدمان الأطفال في ليبيا هو تعاطي الترامادول، فيما تبقى سجائر الحشيش هي بوابة الإدمان وهي التي يتم تغرير الأطفال بها في بداية ولوجهم هذا الطريق، حيث أن نسبة كبيرة من الأطفال المدخنين يتجهون إلى تعاطي الحبوب لاحقاً.

ويؤكد الأمر كذلك رجب أبوجناح الخبير في مجال الوقاية بمكتب مكافحة الجريمة و المخدرات بهيئة الأمم المتحدة وأخصائي علاج الإدمان فيقول إن أغلبية صغار السن يتعاطون أقراص الترامادول أو الحشيش “ولم نشاهد حالات تعاطي للهيروين أو الكوكايين مثل الكبار”.

بسبب الفضول

وقد اطلع “مراسلون” على دراسة أجراها قسم البحوث والإحصاء بجهاز مكافحة المخدرات في مدارس التعليم الأساسي بطرابلس عام 2016، حجم العينة التي شملتها نحو 229 طالب وطالبة تتراوح أعمارهم بين 12 سنة إلى 17 سنة، تبين الدراسة أن نسبة من تناولوا الكحول 2% ومن يدخنون الحشيش 1% و من يتعاطون الهيروين 0% والكوكايين 0% وحبوب الهلوسة (الترامادول) 1% .

وأوضحت الدراسة أن الفضول هو السبب الرئيسي في تورط التلاميذ بتعاطي المخدرات، حيث بلغت نسبة من جربوا المواد المخدرة 18% تتراوح أعمارهم بين 8 سنوات إلى 16 سنة.

بينما توضح دراسة أخرى قامت بها إدارة مكافحة الإيدز بالمركز الوطني لمكافحة الأمراض بمدينة طرابلس وضواحيها عام 2012 – 2013 شملت 113 مدرسة، أن نسبة المتعاطين من الذكور16% و الإناث 1%، أعمارهم تتراوح بين 14 إلى 18 سنة، وأشارت الدراسة إلى أن أكثر أنواع المخدرات التي يتعاطاها الذكور والإناث هي الأقراص ومنها “حبة الفراولة” ومخدر “إكستافي” المعروف  بـ(إكس تي) بالإضافة لمخدرالحشيش للذكور.

السجن للمروجين

مروجو المخدرات في المدارس الذين يتم القبض عليهم بطرابلس جميعهم تقبض عليهم قوات الردع الخاصة بسجن معيتيقة، ويقول أحمد بن سالم المتحدث باسم تلك القوات لـ”مراسلون” إن الأطفال تحت سن 15 سنة من المتعاطين الذين يتم القبض عليهم في الشارع أو أمام المدارس لا يتم الاحتفاظ بهم لدى مؤسسة الإصلاح والتأهيل معيتيقة، بل يسلمون لأهاليهم بعد أن يوقع أولياء أمورهم على تعهد بعدم عودتهم للتعاطي.

أما المروجون فوق سن 13 سنة فيتم التحفظ عليهم ولكن أعدادهم “ليست كبيرة” حسب وصفه، ويتم داخل المؤسسة “تأهيلهم وتدريبهم مع المتعاطين من سن 16 عاماً فما فوق بمعهد متوسط للمهن الشاملة ويتم إخضاعهم للعلاج والدعم النفسي” حسب بن سالم.

القانون المنظم لموضوع المخدرات ينص في مادته 34 على أنه يعاقب “بالإعدام أو بالسجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن عشرة ألاف دينار ولا تزيد عن خمسين ألف دينار كل من صدر أو جلب أو أنتج أو استخرج أو فصل أو صنع أو روج مواد مخدرة”.

ويعاقب “بالسجن المؤبد أو الغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف دينار كل من غرر بالقصر واستغلهم في تجارة المخدرات أو ارتكب الجريمة في مؤسسة تعليمية أو مرفق اجتماعي”، وهذا القانون يطبق على الراشدين (18 سنة فما فوق) بكامل نصوصه أما إذا كانوا قصراً فيطبق عليهم ثلثا العقوبة ويشطب الثلث، ويتم إيداعهم بسجن الأحداث وهو سجن خاص بالقصر مع التوعية المستمرة والتثقيف.

المدارس تتكتم

يقول أبوجناح “عند إعطائنا لمحاضرات في المدارس عادةً ما يشتكي الأخصائيون والمدرسون في المدارس بأنهم يعثرون على الحبوب لدى التلاميذ”، كما توجد فتيات يتعاطين وأعمارهن لا تتجاوز 14 عاماً ولكن الأرقام غير موثقة لأن الوسط الاجتماعي يجعل الأهل يتحفظون على بناتهن، وفي أحسن الحالات يتم علاجهن في الخارج، ومشكلة عدم التوثيق قائمة لأن التوثيق يتم في المصحات والمصحات مقفلة.

تقول كريمة عمرو الأخصائية الاجتماعية بإحدى المدارس الخاصة بطرابلس إنه حدث أن تغيب أحد طلابها عن امتحان الدور الثاني للصف التاسع عام 2017، وعندما سألت زملاءه بالمدرسة أبلغوها بأنه تم القبض عليه من قوات الردع وهو يبيع المخدرات.

وتروي كريمة كيف أصبحت ظاهرة عامة فقدان الأسر السيطرة على أبنائها بسبب الفوضى وغياب الأمن وكذلك سرعة تدفق المعلومات سواءً عن طريق الإنترنت أو الفضائيات بالإضافة للإهمال في المدارس، حيث لا توجد أنشطة ترفيهية تملأ الفراغ الذي يعاني منه الطلبة ولا توجد رقابة على تصرفاتهم، وتشتكي من أن ظاهرة تعاطي المخدرات الموجودة داخل المحيط المدرسي يتم التكتم عليها لأسباب اجتماعية.

وهو ما يؤكده الفيتوري الذي يرى أن التكتم على إدمان الطلاب من قبل مدراء المدارس كان سبباً مباشراً في عدم وجود معالجات حقيقية لهذه المشكلة، فالطفل الذي يقضي معظم وقته في المدرسة يجب أن يتم الاعتناء به وحل مشاكله داخل محيط المدرسة حتى لا يخسره المجتمع.