عشق البحر منذ طفولته، مازال يذكر يوم اصطحبه والده الغطاس ليلعب في الرمال أمام البحر في منطقة سيدي بشر،  كان يحفر في رمل الشاطيء، ووجد يومها أشياء – بدت له ساعتها كنوزاً-  لها قيم متفاوتة قابعة تحت الرمال، كأنها بانتظاره.

 

 عم بحر لديه زوجة وسبعة أبناء الأن، لكنه يفضل قضاء أيامه و لياليه داخل عشته التي صنعها أمام البحر ليجاوره على حد وصفه.

محمود بحر أقدم من مارس “تقليب البحر” في الإسكندرية – أو بمصطلح العاملين بهذه المهنة “تجليش البحر” أو ” رفاس البحر”- و المقصود حفر الرمال داخل البحر وعلى الشاطىء،  مرتدين النظارة والزعانف، لإحداث تيار داخل المياه لتحريك الرمال واستخراج الأشياء المختفية تحتها  ذات القيمة والتي إما سقطت سهواً من أحد المصطافين أثناء نزوله البحر، أو تحمل قيمة أثرية مثل العملات المعدنية التي يحملها التيار وكانت ضمن محتويات مدن الإسكندرية الغارقة من فترة البطالمة والرومان وحتى عصر الملك فاروق.

 

أخبرني عم بحر وهو يستعد ليبدأ رحلة البحث عن رزقه.. “احنا بدأنا من أكتر من 50 سنة كنا 15 راجل بيعملوا الشغلانة دي، كلهم ماتوا مش فاضل غير العبد لله من القدام، لكن دلوقتي في ولا 200 نفر شغلين في تجليش البحر”.

 

يذهب إلى صندوقه الخشبي  ليخرج ادواته التي يستخدمها في “التقليب”، ارتدى زعنفة وأشار إلى قدمه الأخرى ..”من ساعة الحادثة اللي حصلتلي في سنة 1981 وأنا بعدي شارع الكورنيش رايح أشتغل، مابقتش أقدر أعمل “ترفيس” غير برجل واحدة، التانية بتقلب، و لا أقدر اغطس أجيب سمك من العمق زي زمان”.

 

تقليب البحر عمل موسمي لا يستطيع أصحابه الإعتماد عليه فقط لتوفير مستلزمات الحياة، البعض يعتقد أن “تقليب البحر” ينشط في فصل الصيف مع اعتدال الجو، لكن عم بحر أخبرنا: “احنا بننتعش أكتر في الشتا، بعد النوات بيتقلب البحر، والخير كله بيطلع و خاصة بعد نوة “عوا”.

 

 زمان كنت بلاقي في الحتة اللي قصاد منطقة “مظلوم” تحت بين الصخور عملات روماني كنت ببيعها ب25 جنيه، وساعات احفر اجيب “جندوفلي بلدي” وابيعه، ولو مفيش شغل ابيض مراكب، أواعمل نصبة شاي”.

يذكر أن “النوة” بحسب القاموس الوسيط هي: “هبَّة شديدة للرِّيح تثير اضطراب البحر”، ويهب على الاسكندرية خلال فصل الشتاء 18 نوّة تبدأ بنوة “المكنسة” في نهاية شهر نوفمبر.

 

بعد أن يرتدي عم بحر عدته، ويقوم بالتقليب، يعثر على أسورة ذهبية، وسبحة بلاستيك.  يقول بعد خروجه من المياه بوجه راض: “مش على طول بلاقي دهب، ومع الحالة الإقتصادية قليل قوي لما حد ينزل بدهب دلوقتي، زمان في السبعينات كنت بيبيع جرام الدهب بجنيه، وبعدين في التسعينات ب24 جنيه، لكن دلوقتي الجرام ممكن يعدي 1000 جنيه، ولو لاقيت أسورة، ولا حلق، ممكن أقعد أسبوع، ولا اسبوعين مشتغلش وعايش بفلوسهم”.

 

قال وهو يدخل عشته بعد أن أنجز رحلته، ممسكا سيجارته: “أنا عايز أوضح بس إننا لما بنقلب البحر وبنلاقي حاجة غالية ما نتصرفش فيها الا بعد فترة عشان ممكن صاحبها يسأل عليها لو مالهاش صاحب تبقى حلال وأنا ما اكلش إلا من حلال”.