كان هدف زيارتنا واضحا، عند دخولنا لمركز “أبو تيج” بمحافظة أسيوط -375 كليو متر جنوب القاهرة- بدأنا  بحثنا عن مصنع للمعسل، وخلال محاولاتنا للوصول إليه، لجأنا لسؤال بعض السكان والمارة في الشوارع: “هو فين مصنع المعسل؟”، فأرشدونا لموقعه داخل سوق المركز.

أسيوط -أو عروس الصعيد كما يحلو لأهلها تسميتها- مدينة تجارية صناعية، يوجد بها عدة مصانع لأدخنة “المعسل”. أما مركز “أبو تيج”، فهو من أهم مراكز محافظة أسيوط، بسبب موقعه الجغرافي الذي يقع على مسافة 28 كم من مدينة أسيوط جنوبًا، ويحده من الشرق نهر النيل، ومن الغرب الصحراء الغربية، ومن الشمال مركز أسيوط، ومن الجنوب مركز صدفا.

وفي السطور التالية نروي رحلتنا داخل المصنع، وبعض من قابلناهم، وحكوا لنا عن مراحل تصنيعه..

هنا “مصنع السكري” لصناعة “المعسل”، أُنشئ المصنع عام 1953، ولايزال يتوسط سوق “أبو تيج”، سنوات كثيرة عبر فيها الكثيرين من المصنع، طالت إقامة البعض وقصرت إقامة الباقيين، وبقيت الصنعة.

من الصحراء الغربية تبدأ رحلة الخامات التي يُصنع منها المعسل حتى تصل آمنة إلى محافظة أسيوط –تهرب الجميع من الافصاح عن كيفية وصول الخامات- وفور أن تدخل المصنع يبدأ العمل بمرحلة الفرم، أو هكذا يُطلق عليها العمال، حيث يتم فرم الأخشاب – هكذا يطلق العمال على التبغ المستعمل في المعسل حال وصوله- إلى قطع صغيرة.

منذ 30 عامًا تقف تلك الماكينة في ذات المكان، وتستعد كل صباح لفرم أطنان من التبغ. مر عليها من مر، وبقى من بقى وهي كما هي تدورتروسها يوميًا لتنجز عملها. رفيقها الحالي هو عم جمال البالغ من العمر 45 سنة، الذي يضغط بيديه على الألواح لتمر بين المفرمة.

كوم من الخشب/التبغ المطحون بعد خروجه من الماكينة، والذي يُطلق عليه عمال المصنع “اللوح المفروم”.

ثم تبدأ مرحلة تقليب الخشب المفروم، التي تتم داخل صناديق خشبية وليست معدنية حتى لا تتخمر النشارة المفرومة، وفقًا لقول عمال المصنع، كما يتم تغيير الصناديق التي تتم داخلها عملية التقليب من وقت لآخر حتى لا تفسد.

” أنا دايمًا بدور على لقمة العيش، وبالذات في الحاجة اللي من صغري بعرف أعملها وهي المعسل”.. قالها أحمد أحد عمال المصنع، وهو يقوم بتقليب النشارة الخشبية بيديه دون أي عازل، وكأنه غير باقيًا على شئ سوى قوت يومه الذي يُبقيه حيًا.

العسل .. في انتظار أكوام من التبغ المفروم.

بعد مرحلة التقليب يبدأ أحمد في المرحلة التالية: “التعسيل”، التي يُلقي خلالها بالنشارة المفرومة، في صندوق كبير مليئ بالعسل، ليمتزج التبغ بالعسل، ويأخذ من اسمه وطعمه الكثير، ليخرج المنتج النهائي مذاقه يليق بمن يحبون هذا المنتج، وينفخون من خلاله همومهم وأحلامهم دخان كثيف في الهواء.

داخل هذا الحوض تستغرق مرحلة التخمير، التي يُترك خلالها العسل مع التبغ، وهما شديدا الحرارة، مدة ما بين 45 إلى 60 دقيقة.

لا يتوقف المصنع عن العمل طوال الـ24 ساعة، حيث يعمل بالوردية ما يقرب من 4 عمال، لذا يشارك العامل الواحد في أكثر من مرحلة خلال عملية تصنيع المعسل.. يقوم عم جمال بقليب التبغ الممزوج بالعسل.

ثم يقوم بالمساعدة في مرحلة التعسيل مع زميله أحمد، حاملًا فوق كتفه كومة من “الخشب” بعد أن صارت والعسل شيئًا واحدا.

ساعات طويلة من العمل أمام المواقد، وماكينات الفرم، يجلس بعدها جمال وأحمد، ليحصلا على قليل من الراحة، على مقاعد خشبية، قبل أن يقوما بتعبئة “المعسل”، قبل تجهيزه للبيع.

ثم تأتي مرحلة “الوزن”، التي يتم خلالها تعبئة المعسل بجرامات محددة وفقًا لسعر كل علبة يتم بيعها، حيث يقوم مالك المصنع بتحديد عدد الجرامات وكذلك سعر كلًا منها.

جاهز للاستعمال..