يبدأ العام الدراسي 2017 – 2018 حسب إعلان وزارة التعليم في منتصف شهر أكتوبر الجاري، ولكن هذا الخبر الذي قد يكون جيداً في مدن ليبية مختلفة ليس كذلك في سرت، التي تركت فيها الحرب أضراراً لم تُفرق بين منزلٍ أو مستشفى أو مدرسة.

وحسب إحصائيات مصلحة المرافق التعليمية بسرت هناك 65 مدرسة متضررة هي حصيلة الحرب التي دارت هناك، فقد دمرت بالكامل عام 2011 مدرستا “ابن خلدون” و “عمر المختار”، وعام 2016 أثناء الحرب على داعش دمرت مدرسة “17 فبراير” ومدرسة “الهداية” بمنطقة الجيزة البحرية، وبحسب تقديرات المصلحة هناك 25 مدرسة تحتاج إلى صيانة كاملة من إجمالي عدد المدارس المتضررة.

مضطرون للتحمل

تقول آية محمود وهي طالبة في المرحلة الثانوية لـ”مراسلون” إنها اضطرت لارتياد مدرسة جديدة بعد أن دمرت تماماً مدرستها في الحرب “سجلت في مدرسة قريبة من بيت جدي لأننا تركنا بيتنا أيضاً” تقول آية، وتضيف “كنا نجلس على الأرض أحياناً بسبب الازدحام داخل الفصل، وفي الشتاء كان الفصل يغرق بالماء، نتمنى أن نعود هذا العام وتكون المدارس بحال أفضل”.

أما عبير التلميذة في الصف الثاني الابتدائي بمدرسة الهداية التي دمرت هي الأخرى، فوالدتها حزينة جداً على وضعها، حيث اضطرت لارتياد مدرسة جديدة تقول عنها إنها “لا توجد بها أساسيات المرفق التعليمي، وفصولها مزدحمة حيث تجد أكثر من 40 تلميذ في الفصل الواحد، ولكننا مضطرون حتي لا يضيع العام الدراسي عليها”.

بناءً على كلام مسؤول التربية والتعليم في سرت مفتاح عبد الكافي فإنه مع بداية العام الدراسي سيتوجه إلى المدارس حوالي 18.982 طالب و طالبة لمرحلة التعليم الأساسي (ابتدائي وإعدادي)، “والوقت بدأ يداهمنا” يقول عبد الكافي، حيث عدد المدارس بمدينة سرت 102 مدرسة تم استهداف 39 مدرسة بالصيانة السريعة ووردت موافقة بشأنها من وزارة التعليم وهي إلى الآن قيذ التنفيذ، مشيراً إلى أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وعد بالمساهمة في دعم القطاع وصيانة 12 مدرسة كدفعة أولى، “إلا أن هذه الوعود لم تبصر النور حتى الآن”.

الدعم الأممي

وكان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد خصص لمدينة سرت 7.64 مليون دولار كمساعدات، “وحُددت خلال المشاورات أولويات توزيع المبلغ التي تضمنت صيانة عدد من المرافق، من بين تلك المرافق 14 مدرسة” بحسب تقرير البرنامج حول خطة إعمار المدن الليبية المتضررة من الحرب، والذي تحصل مراسلون على نسخة منه.

وفي مارس 2017 اتفق مجلس إدارة صندوق تحقيق الاستقرار في ليبيا (SFL)، الذي ترأسه حكومة الوفاق الوطني خلال اجتماعه مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على صيانة 8 مدارس.

يقول عبد البارى الزني المستشار لدى وزارة التخطيط إن مقترح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تمت مناقشته في اجتماع عقد في يونيو الماضي بمدينة طرابلس، وكان مخصصاً للدعم في إعمار المدن المتضررة حيث تم تخصيص مبلغ 10 مليون دينار منها 4 مليون تقريباً لمدينة ككلة (غرب طرابلس) والباقي لسرت.

ولكن حسب الزني اشترطت الأمم المتحدة أن تشرف هي على تنفيذ المشروع وأنه لن يتم التنفيذ إلا عندما تقوم الحكومة الليبية بالمساهمة بنفس المبلغ، وهنا بقيت مشكلة “لمن يسلم هذا المبلغ” يقول الزني، مضيفاً “وضعنا تقديرات مالية أولية ولكن هذه الأرقام قد لا تكفي للصيانة والمسألة الآن لدى المجلس الرئاسي، لأن المقترح قدم عندما كانت الأضرار بسيطة أما الآن فالوضع تفاقم”.

لم ينفذ شيء

مدرسة “الجيل الجديد” للتعليم الأساسي بسرت هي إحدى المدارس المستهدفة بمشروع الصيانة هذا، ويؤكد أحمد غزال مدير المدرسة أن فريقاً مكلفاً من البرنامج زار المدرسة منذ أكثر من 3 أشهر، وأجروا مقايسات للمدرسة وإلى حد الآن لم ينفذوا أي شيء”.

غير أن مدرسته شملتها عقود الصيانة العاجلة التي تمت بإشراف وزارة التعليم بحكومة الوفاق الوطني التي خصصت مبلغ 60 ألف دينار ليبي لكل مدرسة وهو يتوقع أن تستقبل مدرسته هذا العام حوالي 500 طالب.

وأكد أبو بكر الجلاب مدير فرع مصلحة المرافق التعليمية فرع سرت لـ”مراسلون” على كلام الزني، حيث قال إن الصيانة الشاملة لم تبدأ لأنها تحتاج إلى رصد مبالغ من الدولة، “حكومة الوفاق منحت الفرصة للصيانة البسيطة حتى تتمكن المدراس من استقبال طلابها في أفضل الظروف نسبياً، وقد وضعت الحكومة قيماً تقديرية تتفاوت بحسب الأضرار و بحسب حجم المدرسة”.

تقديرات غير دقيقة

مشكلة تقدير القيم اللازمة لصيانة المدارس على ما يبدو عطلت تنفيذ مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث يقول الأستاذ إسلام جبريل مدير مدرسة الاتحاد الثانوية للبنات بسرت إن لجنة مكلفة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سرت زارت المدرسة منذ أشهر، وقام أعضاؤها بجولة داخل المدرسة وأجروا مقايسات للمشروع، ثم غابت اللجنة لثلاثة أسابيع تقريباً لتعود مع مقاولين من شركات من طرابلس ومصراتة وسرت عاينوا المدرسة مجدداً، واكتشفوا بأن القيمة المالية المقدرة لصيانة المدرسة وهي 100 ألف دينار لن تكفي، لأن الشقوق في البناء تحتاج لمعالجة كبيرة.

منذ ذلك الحين لم يعد أحد من اللجنة لزيارة المدرسة حسب كلام جبريل الذي أوضح أن “المدرسة قديمة يرجع بناؤها لعام 1968، وقد كانت في خط النار في منطقة الكامبو التي تمركز فيها عناصر داعش وبلغت نسبة الأضرار فيها حوالي 40%، حيث تعرض معملها للحرق وتهدم سقف الفصول والأسوارالمحيطة بالمدرسة، حوالي 400 طالبة سيلتحقون بالدراسة هذا العام والمدرسة بدون صيانة”.

يقول الدكتور القذافي البطي منسق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سرت إن البرنامج خصص قيمة محددة يجب التصرف فيها بطريقة تضمن صيانة سريعة لأكبر عدد من المدارس المتضررة، أما المدارس التي تعرضت لدمار كبير فلا يمكن أن يغطيها هذا المبلغ.

وحسب البطي “رست المناقصة على إحدى الشركات وبدأنا العمل في شهر سبتمبر 2017، وقد تم تسليم أول مدرسة  للمقاول الذي تم تعاقد معه وهي مدرسة الفتح، أما باقي المدارس فسيتم تسليم كل مشروع بمجرد انتهاء الإجراءات الإدارية من إدارة المشتريات بالبرنامج ولا يوجد زمن معين لذلك”.