أوقفت وزارة التعليم التابعة لحكومة الوفاق الوطني جميع مؤسسات التعليم الخاص بالداخل والخارج عن مزاولة نشاطها حتى تتم تسوية أوضاعها، وذلك بموجب قرار رقم 1147 الصادر في 6 أغسطس 2017 وتنتهي وفقاً له مهلة تسوية الأوضاع قبل 31 أغسطس من نفس العام، وقد تضمن القرار بياناً بكافة الشروط الواجب توفرها في المؤسسة التعليمية حتى يتم منحها إذن مزاولة العمل.

وحسب ما ورد في القرار لا بد أن يكون المبنى ملائماً لمزاولة النشاط التعليمي وتتوفر فيه شروط ومعايير المؤسسة التعليمية المعتمدة من الجهات المختصة، وأن تُراعى القدرة الاستيعابية للفصول من حيث أعداد الطلاب وتوفر المرافق الصحية والخدمية لهم، وعدم ممارسة أي نشاط لم يرد ذكره في إذن المزاولة.

وبخصوص المناهج اشترط القرار تدريس المقررات المعتمدة من الوزارة دون أية إضافات، والالتزام بتنفيذ الخطة الدراسية المعتمدة بمؤسسات التعليم العام بما فيها توزيع الدروس وعدد الحصص المقررة لكل مادة، وكذلك تعيين مدرسين مؤهلين تربوياً وحاصلين على موافقة إدارة التفتيش التربوي قبل مباشرة أعمالهم.

أما فيما يتعلق بالامتحانات فقد وضعت الوزارة ضوابط تتلخص في ضرورة اعتماد نتائج الامتحانات لسنوات النقل من الجهات المختصة بمكاتب التعليم بالبلديات لمدارس الداخل وبالوزارة لمدارس الخارج، مع ضرورة إحالة كشوفات الإدخال بأسماء المتقدمين لامتحانات شهادتي إتمام مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي إلى إدارة التعليم الخاص بالوزارة.

ولتنفيذ قرارها شكلت الوزارة لجنة في كل بلدية تتولى تقييم جميع المدارس الخاصة بالبلدية وتقديم تقرير تفصيلي حولها تمهيداً لاعتمادها من قبل وزارة التعليم.

تلاعب بالنتائج

بعد هذا القرار بأسبوع واحد أصدر الوزير قراراً آخر يقضي بسحب أذونات مزاولة النشاط التعليمي من 107 مدارس تعليم خاص تقع كلها في شمال غرب ليبيا وإحالة المسؤولين عنها للتحقيق، وذلك بسبب ما وصفه القرار “تلاعبها بنتائج أعمال السنة لطلبة الشهادة الإعداداية وتقديمها بيانات غير صحيحة للإدارة العامة للامتحانات”.

مستشار التعليم الخاص بوزارة التعليم محمود أبوعزي قال لـ”مراسلون” إن المدارس التي جرى إيقافها “منحت طلابها نتائج بلغت نسبتها 100%، وهو أمرٌ نادراً ما يحدث في قطاع التعليم”، ووصف الإجراءات التي اتخذتها الوزارة حيال المدارس المخالفة بـ”الصارمة”، مُؤكداً عزم الوزارة على سحب أذونات الترخيص إذ لم تقم المدارس الموقوفة بتسوية أوضاعها.

وحسب مدير إدارة التعليم الحر بوزارة التعليم في طرابلس عبد العاطي المجبري، فقد ساهم تردي الأوضاع الأمنية بليبيا في فتح مدارس خاصة دون حصولها على إذن مزاولة من وزارة التعليم، “وهو ما أثر سلباً على مستوى العملية التعليمية في قطاع التعليم الخاص”.

“مراسلون” حاول الاتصال عدة مرات بمدير الإدارة العامة للامتحانات التابعة لوزارة التعليم محمد العروسي لمعرفة خلفيات أكثر حول تلاعب بعض المدارس الخاصة بنتائج أعمال السنة، ولكن دون جدوى.

إلا أن أبو عزي أقر في حديثه بأن “العملية التعليمية بأغلب مدارس التعليم الحر غير جيدة والهدف الرئيسي منها هو كسب المال، باستثناء البعض القليل من المدارس النموذجية”.

تكاليف مرتفعة

الرسوم الدراسية التي يدفعها التلاميذ في تلك المدارس تختلف من مدرسة لأخرى، فهناك بعض المدارس تتقاضى رسوماً باهضةً من أولياء الأمور، وهو أمر تحكمه عدة عوامل من بينها المنطقة الموجودة بها المدرسة والتي تؤثر من حيث سعر إيجار المبنى حيث أغلب المدارس الخاصة هي فلل ومنازل، فضلاً عن الخدمات الأخرى المقدمة والتي تتباين تكاليفها بحسب الجودة.

تقول السيدة فتحية محمد وهي والدة طفلة تدرس بمدرسة “اقرأ” للتعليم الحر بطرابلس، إن الأسعار مرتفعة في المدرسة، حيث تدفع مبلغاً يصل إلى 1890 دينار (1379.56 دولار) سنوياً مقابل تعليم ابنتها التلميذة بالصف الأول الابتدائي.

ورغم أن الطفلة – حسب كلام والدتها – استفادت الكثير من المهارات في النوادي الصيفية التي تنظمها المدرسة، إلا أنها اشتكت في ذات الوقت من عطاء المُعلمات في شرح المنهج الدراسي ووصفته بـ”غير الجيد”، موضحةً أنها تقوم يومياً بمراجعة الدروس مع ابنتها في البيت.

أما عبد الحكيم أحمد وهو والد لثلاثة أبناء يدرسون بالصف الثالث والرابع والسادس فيقول “ألغيت اشتراك أبنائي في مدرسة الإبداع النموذجية بسبب غلاء الأسعار”، فحسب كلامه كان يدفع سنوياً أكثر من 2000 دينار مقابل تدريس أبنائه في المدرسة الواقعة في منطقة انجيلة غرب العاصمة طرابلس، غير مصاريف الكتب والزي المدرسي والقرطاسية التي أثقلت كاهله.

الخاص أفضل

غير أنه غير راضٍ عن هذا الوضع فعلى عكس فتحية يرى الوالد أن التعليم الخاص أفضل بكثير من العام، من حيث مستوى العملية التعليمية وتدريس اللغة الإنجليزية من الصف الأول وكذلك الدورات الصيفية التي توفرها المدارس الخاصة، وتحدث لـ”مراسلون” أيضاً عن الانضباط والالتزام بالمناهج الذي يؤكد بأنه في المدرسة الخاصة أفضل من العامة، “لكن قلة السيولة النقدية في البلاد وارتفاع تكاليف الدراسة اضطرني لنقلهم” يقول عبد الحكيم.

لكن ارتفاع الأسعار في قطاع التعليم الخاص قد تكون له مُبرراته، تقول مديرة مدرسة في منطقة تاجوراء شرق العاصمة طرابلس، إن أسعار الرسوم الدراسية ارتفعت “نتيجة غلاء إيجار العقارات مؤخراً إلى نحو 5 ألاف دينار شهرياً”.

وأضافت المديرة التي لم ترغب بذكر اسمها أو اسم مدرستها، أنها تمنح المُعلمين مرتبات تصل إلى 800 دينار شهرياً، قائلة “جهود كبيرة يبذلها مُعلمو المدرسة في تدريس نحو 400 طالب، ونعمل على تسوية مرتباتهم بالقطاع العام”.

رواتب المعلمين

تتحدث مديرة المدرسة عن مطلب قديم جديد للمعلمين في المدارس الخاصة بأن تسوى أوضاعهم بمعلمي القطاع العام، وهو ما أكد أبو عزي أن وزارة التعليم تحاول فعله من خلال إلزام المدارس الخاصة بتطبيق اللائحة رقم (211) من قرار اللجنة الشعبية العامة سابقاً (رئاسة الوزراء) والتي تنص على تسوية الوضع المالي لمعلمي التعليم الخاص بنظرائهم في التعليم العام، غير أن الواقع على الأرض لا يعكس أي التزام بتطبيق اللائحة.

مدير إدارة التعليم الحر، قال إن هناك “استغلالاً من بعض مديري المدارس للمعلمين من حيث مرتباتهم”، حيث حددت إدارته الحد الأدنى لمرتب المعلم بـ450 دينار شهرياً، “لكن ذلك لا يتطابق مع الواقع فالمرتبات لا تتجاوز 200 دينار ليبي” بحسب المجبري.

كلام المجبري تدلل عليه حالة فاطمة محمد (40 عاماً) وهي معلمة رياضيات تعمل بمدرسة خاصة، حيث قالت لـ”مراسلون” إن راتبها الشهري لا يتجاوز 160 دينار، ممتنعة عن ذكر اسم المدرسة التي تعمل فيها أكدت أنها تعاني وزملاؤها من “استغلال مُفرط من قبل إدارة المدرسة، فالجهد المبذول لا يتناسب مع المقابل المادي الذي نتقاضاه، وراتبي أقل من مرتب معلم التعليم العام بـ 3 أضعاف”، بحسب وصفها.

وقد لجأت فاطمة للعمل بمدرسة خاصة بعد أن فشلت في الحصول على تعيين في القطاع العام، تماماً مثل معلمة اللغة الإنجليزية أسماء أحمد التي تعمل بمدرسة خاصة أخرى في طرابلس.

أسماء (38عاماً) روت لـ”مراسلون” تجربتها مع المدارس الخاصة، فهي مارست هذه المهنة في أكثر من مؤسسة تعليمية، قائلة “أعداد كبيرة من طلبة التعليم الحر مستوياتهم متدنية جداً باستثناء”، وأضافت “لولا شغفي بالتدريس لما واصلت العمل رغم ضعف راتبي الذي لا يتجاوز 200 دينار ولا يكفي لأيام معدودة”.

تصف أسماء التعليم الخاص في ليبيا بأنه “استثمار مادي صِرف وليس استثماراً بشرياً”، ورغم تعدد المدارس الخاصة إلا أنه لا توجد إلى حد الآن إحصائية دقيقة لعددها أو عدد الطلبة الدراسين فيها، بحسب مدير إدارة التعليم الحر، وهو ما يعكس بحسب المُهتمين بالشأن التعليمي حجم التخبط الذي يشهده هذا القطاع مُنذ سنوات.