أدخلت المنظومة التربوية تعديلات جذرية على الاصلاحات المعتمدة سنة 2003 في إطار ما يعرف بالجيل الثاني للمناهج بناء على القانون التوجيهي للتربية 2008-04 تحت عنوان مهام المدرسة و القيم الروحية و ذلك لإعادة هيكلة السلوك البيداغوجي من الممارسات الصفية و ضبط العلاقة أستاذ/متمدرس. ركزت هذه التعديلات على القيم الاجتماعية  وحافظت على الوظائف التقليدية للمدرسة باعتبارها كيانا شاملا من حيث المعارف والمهارات التي تعمل على توظيف الجانب المعرفي للمتعلم. و من ثمة وُضع برنامج وطني لإعداد المناهج الجديدة حيز التنفيذ و شمل كمرحلة أولى الطور الأول للتعليم (السنة الأولى و الثانية ابتدائي) و السنة أولى من التعليم المتوسط و كمرحلة ثانية استهدفت السنة الثالثة والرابعة ابتدائي و السنة الثانية و الثالثة متوسط.

يجدر التنويه هنا إلى أن هذه التعديلات ليست الأولى من نوعها. فقد مرّ التعليم بمرحلتين أساسيتين بعد الاستقلال أولاها الفترة الممتدة من 1962 إلى 1976 و تعتبر مرحلة انتقالية  اقتصرت على إدخال تغييرات تدريجية استعدادا للتأسيس لنظام تربوي يواكب التوجهات التنموية الكبرى و من أولوياته تعميم التعليم بتوسيع دائرته. و تميزت هذه المرحلة بالعمل على الكمية حيث كانت سياسة الدولة منصبّة على تعليم أكبر فئة ممكنة، بتكييف مضامين التعليم الموروثة عن النظام الفرنسي إضافة إلى التعريب التدريجي للتعليم. انجرّ عن ذلك  ارتفاع نسب المتمدرسين من 20 بالمئة إلى 70 بالمئة في نهاية هذه المرحلة.

تأتي المرحلة التالية التي بدأت من سنة 1976 بصدور الأمرية  رقم 76-35 المتضمنة لتنظيم التربية و التكوين في الجزائر و برمجت إصلاحات عميقة على نظام التعليم في الاتجاه الذي يكون أكثر تماشيا مع التحولات الاقتصادية و الاجتماعية و مواصلة العمل على الكمية بتعليم أكبر عدد من السكان. فعملت الدولة على إلزامية التعليم و مجانيته و ضمانه لمدة تسع سنوات. حيث أسست الأمرية لمنظومة وطنية ببرامجها و ديمقراطية في اتاحة فرص لجميع الأطفال و متفتحة على العلوم و التكنولوجيا و شرع في تعميم أحكامها ابتداء من الموسم الدراسي 1980-1981. و تعتبر هذه الأمرية  مرجعية عامة لأي مشروع يسعى إلى إصلاح النظام التعليمي.

أما المرحلة الثالثة اعتبارا من 1999 فانطلقت من المبادئ السابقة الذّكر و أعادت النظر في المنشآت و الهياكل و الوسائل وعملت على تكييفها مع مخططات تعليمية جديدة و مناهج تخرج بالمدرسة من النمط الروتيني وتعتمد على التعليم بالأساليب الميكروتقنية  حيث ظهر هذا جليا عن طريق التدريس بالمقاربة بالكفاءات و التقييم الدائم للكتب و البرامج و تحسينها باستمرار لجعلها مناسبة لتطورات المجتمع. كما كثفت من الدورات التكوينية للمعلمين أثناء الخدمة و تبنت التقويم المستمر في النظام التربوي. و طبّق الجزء الأول من الاصلاحات بدءا من سنة 2003 و أعيد النظر في مضامينه من خلال نتائج الاستشارة الميدانية التي أجريت سنة 2007 من أجل معرفة مدى ملاءمة المناهج وأعيد بناؤها في صيغة ما يصطلح عليه اليوم بالجيل الثاني للإصلاحات.

تذمر من كثافة البرامج

تضاربت أراء ذوي الاختصاص من المطبقين للمناهج من الأساتذة فيما يخص محتوى هذه المناهج. و إذ يركز مفتشو المواد على ضرورة توظيف الأساتذة لهذه المصطلحات أكثر من تركيزهم على طرائق التدريس النشطة الفعالة، فالمناهج الحالية لا تعني حدوث قطيعة مع المناهج السابقة بل هي استمرارية لها إذ انها تستند إلى نفس المرجعيات و تحمل نفس الغايات إلا أن هذه المناهج  جاءت لتقويم الاعوجاج في سابقتها. بحيث تخدم الكفاءات الختامية بشكل أفضل و تحقق الانسجام بين المواد المدروسة من خلال الكفاءات العرضية. تقول  فطيمة جعفري، أستاذة اللغة العربية في التعليم المتوسط:” مناهج الجيل الثاني يفترض أن تكون إصلاحا للإصلاح  غير أن الميدان كشف عن اختلالها هي الأخرى و بدل تغيير المضامين بما يتماشى وواقع المتعلمين تم تغيير الشكليات و المصطلحات فمن الكفاءة الختامية غلى الكفاءة الشاملة و من الوحدة إلى المقطع التعلّمي و من البناء الفني إلى تذوق النص“. و تشاطرها الرأي أستاذة العلوم الفيزيائية غنية ثابت:” لم يراع المنهاج الجديد الجانب التطبيقي حيث أننا نسابق الزمن لإنهاء البرنامج المقرر مع نهاية السنة الدراسية و نظرا لكثافته فإننا لا نعطي الفرصة للتلاميذ لحل التطبيقات و توظيف النظريات“. وإضافة إلى كثافة البرامج يشكو الأساتذة غياب التأطير و التكوين و نقص الوسائل التربوية كالأجهزة السمعية البصرية لتحقيق الكفاءات المرجوة. بعض المفاهيم والوضعيات تبقى غير ملموسة و هذا يشكل عائقا أمام تحقيق الأهداف المرجوة من هذه الاصلاحات التي من المفروض أنها تنطلق من واقع التلميذ. تبقى غامضة لديه مادام لم يلمس ذلك بأبسط الوسائل. فهذه المناهج تفرض وجود وسائل إيضاح أكثر عصرنة، تدعيم ذلك بزيارات ميدانية بالخروج من جدران المدرسة إلى الواقع و التدريس عن طريق جعل التلميذ يقف على الحقائق و تغيير نظرة المعلم و المتعلم الروتينية للمتعلم على اأنه وعاء تُصب فيه المعلومات عن طريق التلقين و الارتقاء بالمعلمين لإبراز الجانب الابداعي و الخلاق. فعلى الرغم من تغير المناهج و من ثم الطرائق إلا أن ما يلاحظ هو بقاء الطريقة التلقينية القديمة التي يكرسها أغلب المعلمين. وهذا من بين العوائق الحائلة دون إنجاح العملية التعليمية التعلمية.

يجدر التوقف هنا عند الإصلاحات التي مست مناهج اللغة العربية و كذلك التربية الاسلامية، فهي محل اهتمام كل المناوئين لبرنامج الاصلاح و السبب الرئيسي للصخب الاعلامي الذي يرافق العملية منذ بدايتها (أنظر مقال: تشويش مستمر على برنامج اصلاح المنظومة التربوية). و إذ حققت المنظومة التربوية أهداف تعميم التعليم إلى كامل شرائح المجتمع دون استثناء، يبقى الهدف الرئيسي للإصلاحات الجارية هو كسب رهان النوعية و تحسين مستوى التعليم و المتعلمين.

من الكم إلى النوع

فعلا، فمن من مهام المدرسة ضمان التّحكم في اللّغة العربية باعتبارها اللغة الوطنية و الرسمية و أداة اكتساب المعارف في مختلف المستويات التّعليمية. هذه الإصلاحات جعلت من التلميذ  محور العملية التعليمية التعلّمية حيث تبنت العمل بالمقاربة بالكفاءات بعدما لوحظ جمود الطرائق التدريسية السابقة و المثل المكتسبة  حيث كان المتعلم يقف عاجزا إذا ما قابل أحوال تبليغية تختلف عما تناوله في القسم إضافة إلى عاملي الرتّابة و الملل لدى المتمدرسين. و الكفاءة التواصلية التي اعتمدتها المناهج الحالية في اللغة العربية تعنى بقدرة الفرد على استعمال اللغة في سياق تواصلي لأداء أغراضه و تهدف إلى استيعاب نظام اللغة و إيجاد ومواقف تواصلية تفاعلية. وهذا للوصول بالمتعلم إلى أعلى المستويات من حيث الأداء و الإتقان و قد شملت الكفاءة النحوية من خلال صحة الأداء اللغوي و سلامته نحويا و الاجتماعية (ملاءمة السياق الاجتماعي لعملية التواصل) و توظيف استراتيجيات الخطاب و التواصل. و وضعت مجموعة من الأهداف المميزة تتحقق في كل فترة تعليمية. و أهم ما طرأ على مناهج اللغة العربية  أنها عُنيت بالتلميذ على أنه محور العملية التعلّمية و يُلحظ ذلك جليا من خلال بناء التعلُّمات حيث أنها تبنى بلسان حال التلميذ (أتعلم، أصغي، اتحدث، أنتج، أحضر…) و يكون فيها المعلم موجها يدير دفة المتعلم فتغيرت المفاهيم عن سابقتها في المناهج القديمة تغييرا ليس الهدف منه تغيير المحتوى و إنما تغيير أسلوب و طرائق التدريس و الممارسة الصفية الرشيدة، أي تطبيق المناهج بحذافيرها في الصف بما يجعل من المتعلم حريصا على البحث و الاستكشاف.

في هذا السياق ظهر مصطلح المقطع التعلمي كبديل عن الوحدة التعلمية سابقا و هو مجموعة مرتبة ومترابطة من الأنشطة والمهمات يتميز بوجود علاقات تربط بين مختلف أجزائه المتناسقة تضمن الوصول إلى التعلمات القبلية للتلميذ لتشخيصها .كل مقطع يرتبط بمحور ثقافي يحوز اهتمام المتعلم و يصنع جوا نفسيا و اجتماعيا في القسم خلال تنفيذ تعلماته. لكل مقطع وضعية انطلاقية مستوحاة من بيئة التلميذ و واقعه لتجعله أكثر انجذابا لما يدرسه. هذه الوضعية وظيفتها ضبط ما يتعلمه و من ثمة يظهر نمو الكفاءة في الإدماج بين ميادين المقطع (الأنشطة سابقا) و الميدان هو المجال التعلمي الذي تندرج ضمنه غاية ختامية سواء مشافهة أو كتابة في حالتي التلقي أو الإنتاج و من خلاله يصبح المتعلم قادرا على الإبداع في العمل .

و هكذا تسعى المناهج المستحدثة في اللغة العربية إلى تحقيق الكفاءة العرضية مع بقية المواد بالخروج باللغة إلى أفق أوسع و تحقيق ملمح تخرج شامل تسهم من خلاله في إكساب التلميذ معارف أخرى. على سبيل المثال، دراسة أنماط النصوص يُمكّن التلميذ من إدراك المفاهيم التي تهيكل بقية المواد. فالسرد يجعله قادرا على إدراك أحداث التاريخ و النمط التفسيري يعينه على استيعاب دروس العلوم و التكنولوجيا و الوصف يساعده على إدراك خصائص مناطق العالم أما النمط الحجاجي فيكسبه المنطق و يسهل عليه فهم الرياضيات. فهيكلة الفكر مرتبطة باللغة باعتبارها وسيلة التعبير عن الأفكار و الوجدان.

أما عن التربية الاسلامية، و من خلال ما سبق، فقد عمد القائمون على المناهج الجديدة إلى إحداث  قطيعة مع ما كان يُدرّس في المادة سابقا لأنه يتنافى مع حاجات الطفل و نموه النفسي و قدرات استيعابه و أن يركز على القيم الانسانية التي يحث عليها الاسلام (التسامح، الكرم، العمل والجهد الفكري، روح الأمانة وإتقان العمل و التضامن). فركزت المناهج الجديدة على الجانب السلوكي جاعلة من المتعلم فاعلا حقيقيا في العملية التعليمية يربط الأنشطة التعليمية بالواقع الحياتي.  و لم تعد تقتصر على حفظ القران و الحديث، بل تعمل على إكسابه مجموعة من قيم الهوية ذات المرجعية الدينية و العروبة و الأمازيغية التي يُكوّن اندماجها الانتماء الجزائري وينمي لدى التلميذ ارتباطه بأرضه و إرثه المتوغل في القدم.