يروي الجبرتي – المؤرخ المصري الكبير – في حوادث سنة 1816: “أن الباشا لما رأى هذه النكتة من حسين شلبي هذا قال إن في أولاد مصر نجابة وقابلية للمعرفة، فأمر ببناء مكتب (مدرسة) بحوش السراية (بالقلعة) ورتب فيه جملة من أولاد البلد، ومماليك الباشا، وجعل معلمهم حسن أفندي المعروف بالدرويش الموصلي، يقرر لهم قواعد الحساب والهندسة وعلم المقادير والقياسات، والارتفاعات. واستخرج المجهولات مع مشاركة شخص رومي (تركي) يقال له روح الدين افندي، بل وأشخاصا من الإفرنج، وأحضر لهم آلات هندسية متنوعة من أشغال الانجليز يأخذون بها الأبعاد والارتفاعات والمساحة، ورتب لهم شهريات وكساوي في السنة، واستمروا على الاجتماع بهذا المكتب، وسموه “مهندسخانة”، في كل يوم من الصباح إلى بعد الظهيرة، ثم ينزلون إلى بيوتهم ويخرجون في بعض الأيام إلى الخلاء لتعلم مساحات الاراضي وقياساتها بالاقصاب وهو الغرض المقصود للباشا”..
كانت المدرسة المذكورة أول مدرسة عليا أنشائها محمدعلي –حكم مصر في الفترة بين 1805 حتى 1848- تم اغلاقها بعد ذلك وافتتاح مدرسة المهندسخانة ببولاق في 1838، وتبع مدرسة القلعة إنشاء عدد من المدارس الفنية المتخصصة الأخرى كان منها مدرسة الزراعة بنبروه بمحافظة الدقهلية في 1836، ومدرسة الفنون والصنائع وسميت بمدرسة العمليات في 1839.
كانت تلك النهضة الأولى للتعليم الفني في مصر، وجاءت الموجة الثانية للاهتمام بالمدارس الفنية في الستينات وقت حكم جمال عبد الناصر (1952 – 1970) حيث كان الاهتمام بزيادة عدد المدراس الفنية لتغذية المشاريع الكبيرة التي كانت تقوم بها الدولة في حينها.
الأن تضم مصر 2994 مدرسة ثانوية على مستوى الجمهورية منها 1090 مدرسة صناعية و 232 مدرسة ثانوى زراعى و 1672 مدرسة ثانوى تجارى وفقا للتقرير الأخير للجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء. بينما تضم محافظة الدقهلية من ذلك العدد 166 مدرسة تعليم فنى منهم 55 مدرسة صناعية.
مدة الدراسة في التعليم الفني تتراوح ما بين ثلاثة سنوات يحصل بعدها الطالب على شهادة “مؤهل متوسط” ويحتاج الطالب إذا أراد استكمال دراسته الجامعية الى دراسة عامين آخرين، أو خمسة سنوات يحصل بعدها المتخرج على مؤهل فوق المتوسط، ويمكنه من الالتحاق بالجامعة مباشرة.
وقد ارتبط التعليم الفني في مصر منذ نشأته برغبة الدولة في التصنيع، فانتعش في الستينات، وراح هذا الانتعاش في الجمود مع توقف الإنشاءات الصناعية في السبيعينات، وتدهورت أحواله في الثمانينات والتسعينات.
ولكن في عام 1996 زار المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول مصر، وكان من نتائج الزيارة توقيع اتفاقية “مبارك – كول” التي نصت على إنشاء مدارس صناعية حديثة حملت أسم الاتفاقية، وتم تغير الاسم بعد ثورة يناير 2011 إلى التعليم المزدوج.
الفكرة الأساسية في المدراس الجديدة وقتها كانت الدراسة فى بيئة العمل حيث يدرس الطالب فى المصنع يومين دراسة نظرية، وأربعة أيام دارسة عملية داخل المصنع، وهو عكس التعليم الفنى العادى الذى يتعلم فيه الطالب 4 أيام نظري و يومين فقط للدراسة العملية.
وتضم المدارس المزدوجة الأن 40 ألف طالب من أصل مليون و 800 ألف طالب في المرحلة الثانوية.
وفى مدينة طلخا كانت لمراسلون جولة فى مدرسة “إينديجو” للملابس الجاهزة إحدى مدارس التعليم المزدوج والتقت مراسلون بوليد غيث صاحب المصنع الذي تتبع له المدرسة الذى قال مدرسة “إينديجو” واحدة من ثلاث مدارس فى محافظة الدقهلية، حيث توجد مدرسة “صيانة السيارات” بميت الكرما، و مدرسة للنسيج بأجا.
أوضح غيث أن هناك نموذجين للتعليم المزدوج، الأول هو أن تكون المدرسة داخل مصنع –مثل مدرسة طلخا- والنموذج الآخر فصل ملحق بمصنع ويدرس الطالب من خلاله فى مدرسته الفنية ويخرج 4 أيام لأقرب مصنع لدراسة التدريب العملى وتكون بالتنسيق مع جمعية المستثمرين واتحاد الصناعات ويشترك فيها حوالى 20 مدرسة فنية فى الدقهلية ويشترط أن يكون المصنع فى نفس منطقة المدرسة.
ويواصل غيث ان الفكرة عندما بدأت لم يتجاوز عدد المدارس 10 مدارس على مستوى الجمهورية ووصلت الان الى 40 مدرسة ملحقة بمصنع وانه من المستهدف فى عام 2018 وفقا لاستراتيجية وزارة التربية والتعليم ان يصل العدد الى 200 وفى 2021 مستهدف الوصول الى 500 مدرسة .
وعن تجربة اينديجو يقول غيث ان المدرسة بدأت عام 2015 وكانت الدفعة الأولى 10 فتيات، ولكنهن تزوجن عقب تخرجهن، ولم يعملن بالمصنع، بعدها كانت الدفعة الثانية 25 فتاة وشاب وبدأت العمالة
ويؤكد غيث ان الطالب يدرس يومين نظرى و 4 أيام عملى لمدة 11 شهر فى السنة يحصل خلالها فى العام الأول على 300 جنيه شهريا و العام الثانى على 400 جنيه شهريا والعام الثالث على 500 جنيه شهريا وبعد التخرج يحصل على راتب 1200 شهريا فى حين عمله بالمصنع.
ويؤكد غيث ان الطالب يحصل على ثلاث شهادات احدهم شهادة التعليم الفنى المعتمدة من وزارة التربية والتعليم واخرى شهادة خبرة من المصنع والشهادة الثالثة من الغرفة الألمانية للصناعة المعتمدة فى 27 دولة اوروبية.
ومن جانبها تقول رحمة طارق الدسوقى طالبة بالمدرسة “بعد حصولي على الشهادة الإعدادية، أصر أهلى على عدم دخولى التعليم الثانوى العام، وإلحاقى بالتعليم الفني، وكنت اتابع التلفزيون، الذى عرض تقرير عن التعليم المزدوج، فقررت اﻻلتحاق به، ﻻنه سيوفر لي فرصة عمل بعد التخرج، وأستطيع اﻻنفاق على تعليمي الجامعي في حال حصولي على درجات تؤهلنى لذلك. الأن أنا فى الصف الثالث وأحصل على المركز الأول كل عام
وتضيف رحمة أكثر شئ يربطنى بالمدرسة هو مشاركتنا في اتخاذ القرار، فمثلا رفضنا شكل الزى المدرسي، وقمنا بادخال التعديلات عليه، وتمت الموافقة عليه، كما اننا نطلب القيام برحلات كنشاط مدرسى ويتم الموافقة عليها.