رغم الجهود الحثيثة للدولة الجزائرية من أجل ضمان التعليم لكل الأطفال، فقد استثمرت كثيرا في تعميميه ليطال كل شرائح المجتمع، يبقى عدد ممن لم ينعموا بالفرص المتاحة. و إذ بلغت نسبة المتمدرسين 98 بالمئة من عدد الأطفال البالغين سن الدراسة، و تحولت أهداف المنظومة التربوية من الكمية إلى تحسين المناهج و مستوى التعليم، تبقى الأمية منتشرة بين أبناء البدو الرحل الذين يعيشون في عديد مناطق البلد، في الهضاب العليا و في صحراء الجنوب الكبير.
فعلا، ففي تمنراست مثلا، بسبب التنقل الدائم لعائلات البدو الرحل في بحثها عن العشب لمواشيها لا يتمكن أبناؤها من الالتحاق بالمدارس المنتشرة عبر إقليم الولاية الذي تبلغ مساحته 558 000 كلم مربع و عددها 149 ابتدائية، 38 متوسطة و 18 ثانوية. وضع من عدم الاستقرار يضع هذه العائلات التي يقتصر دخلها على الماشية التي ترعاها أمام اختيار مُحيّر: تعليم أبنائها أو البحث عن الكلأ للماشية.
” منذ عامين أغلقت الداخلية الوحيدة الموجودة بابتدائية موسى أق أماستان في وسط مدينة عين قزام والتي يقيم بها أبناء الرحل من المتمدرسين. لا نعرف سبب ذلك الغلق، لكن المؤكد أنه من غير الممكن أن نتخلى عن ماشيتنا التي هي مصدر قوتنا الوحيد أو الاستقرار في عين قزام و تعريضها للضياع فلا دخل لنا من دونها. و في غياب الداخلية أصبحت تكاليف الدراسة في غير متناولنا“، يقول السيد أ. أولاد ميني و هو أب لسبع أولاد أربعة منهم من المفروض أنهم يتمدرسون لكنه لم يرسل أيا منهم إلى عين قزام بسبب غلاء التكاليف على حد قوله.
هم 6700 طفل في عين قزام، الواقعة في أقصى جنوب تمنراست على الحدود مع النيجر (2300 كلم جنوب العاصمة الجزائر)، لوحدها. إذ تبعد أقرب مناطق الرعي التي تقصدها عائلاتهم بمئة كلم عن مركز البلدية أين تتواجد بها ثلاثة مدارس ابتدائية، متوسطة (الشيخ بوعمامة) و ملحقة ثانوية افتتحت هذا العام. ما يجبر جلهم عن ترك الدراسة في سن مبكرة.
كذلك الحال إن لم تكن أقسى في تين زاواتين جنوب غرب تمنراست (2470 كلم جنوب العاصمة الجزائر عل الحدود مع مالي). إذ يعيش في محيط توندرت التي تبعد ب 80 كلم عن تين زاواتين مئات العائلات من البدو يقطعون مسافات تصل إلى 200 كلم من أجل إطعام مواشيهم. و لا تتوفر توندرت إلا على ابتدائية وحيدة (أول نوفمبر) تعاني من اكتظاظ شديد لدرجة تناوب قسمين من مستويين مختلفين على حجرة واحدة. و على حد قول ل.بن خية الذي يتمدرس اولاده بها، “يلتحق الاداريون و المعلمون بهذه المدرسة في وقت جد متأخر من بداية السنة الدراسية و يغادرون قبل العطل الرسمية بأسابيع و لا ينتفع الأطفال من تمدرسهم بها إلا القدر القليل“. و يضيف متحسرا: ” لعل أفضل دليل على هذه المعاناة هو نتائج الامتحانات الرسمية إذ تحصل أربع تلاميذ فقط من المنطقة على شهادة التعليم المتوسط في نهاية السنة الدراسية الماضية“. كما ندد بواقع داخلية هذه المدرسة التي من المفروض أن تتسع ل 200 سرير إلا أنها تتوفر فقط على 10 أسرّة: “فإما الإقامة عند الأهل و المعارف و إما عدم الالتحاق بالدراسة“.
و الأمرّ من ذلك، كما وقفنا عليه، هو جمود الذهنيات لدى البعض من ساكنة الصحراء مما يحرم الإناث من التمدرس. و إن كان أبناء البدو الرحل من الذكور يعانون من الأمية بسب ظروف التعليم الصعبة – إذ لم تكف التحفيزات المادية التي أقرّتها الدولة من أجل إقناع الموظفين بالذهاب إلى الصحراء لضمان الحد الأدنى من تأطير المدارس في هذه المنطقة، و كذلك بسبب نقص الداخليات التي لا تتعدى العشرة –، لا يبعث البدو ببناتهم إلى الداخليات إلا نادرا و تتوقف مسيرة التعليم للمحظوظات منهن في المرحلة الابتدائية و لا تتجاوزن هذه المرحلة إلا باستقرار عائلاتهن في المناطق الحضرية.