طرحت مسألة إصلاح المنظومة التربوية في تونس بقوة بعد ثورة جانفي/يناير 2011 استنادا إلى إحصاءات كشفت عن تراجع تصنيف الجامعات والمدارس على المستوى الدولي إضافة إلى تراجع المستوى المعرفي والعلمي للتلاميذ والطلبة وارتفاع البطالة في صفوف المتخرجين.

فتونس التي كانت تتصدر البلدان العربية طيلة عقود في قطاع التعليم أصبحت تحتل المرتبة 84 عالميا والسابعة عربيا من حيث جودة التعليم وفقا لمؤشرات البرنامج الدولي لتقييم التعليم لعام 2016.

ورغم توافق الحكومات المتعاقبة بعد الثورة (سبعة حكومات) مع نقابات التعليم ومنظمات المجتمع المدني الناشطة بالحقل التربوي على أهمية الشروع في الإصلاح التربوي استئناسا بآراء الخبراء والنقابيين والأولياء وكل المتدخلين في القطاع، فإن عملية الإصلاح ما تزال متعثرة.

ويعود هذا التعطل بالأساس إلى الخلافات الحاصلة بين وزارة التربية ونقابات التعليم حول رؤية الإصلاح ومجالاته ما أدى إلى تأزم العلاقة بين الطرفين ودفع بنقابات التعليم إلى شن إضرابات متكررة في المدارس والمعاهد كادت ببعض الأحيان أن تتسبب في سنة دراسية بيضاء.

تعثر الحوار

وبلغت هذه الأزمة ذروتها مع تعيين ناجي جلول القيادي في حزب نداء تونس الذي يقود الائتلاف الحكومي وزيرا للتربية حيث انتهى به المطاف مقالا من حكومة يوسف الشاهد بسبب ضغط نقابات التعليم ومن ورائها الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر منظمة نقابية في البلاد.

ويعود ذلك إلى معركة كسر العظام التي شنها الوزير المقال لفرض إصلاحات جوهرية في قطاع التعليم رأت نقابة التعليم أنها أحادية ولا تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الأساتذة والتلاميذ، ما جعلها تصعد من إضراباتها في قطاع التربية الذي شهد أعلى نسبة من الإضرابات على الإطلاق.

لكن بعيدا عن هذه التجاذبات يرى خبراء مختصون في الشأن التربوي أن تعطل عملية الإصلاح يعود إلى غياب تشخيص دقيق للواقع التعليمي بالبلاد وغياب التنسيق والتشارك بين جميع الفاعلين المتدخلين بالشأن التربوي للخروج بحلول توافقية تنقذ مستقبل التلاميذ والطلبة.

ويؤكد الكاتب العام لنقابة التعليم الثانوي لسعد اليعقوبي لـ”مراسلون” أن أزمة التعليم في تونس “هي أزمة هيكلية وأزمة مناهج إلى جانب غياب الإمكانيات المادية وعدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بعد الثورة بملف التربية والتعليم في ظل الصراع السياسي على السلطة”.

ورغم أنه يقر بأن الحكومات قامت بعقد اجتماعات مع الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر منظمة نقابية بالبلاد ونقابات التعليم وبعض المنظمات على غرار المعهد العربي لحقوق الانسان من أجل الانطلاق في حوار وطني حول إصلاح التعليم إلا أن الحوار “لم يثمر أية نتائج”.

ويقول اليعقوبي إن اختلاف الرؤى بين الحكومات واتحاد الشغل ومن ورائه نقابات التعليم كان سببا رئيسيا في تعطل الحوار حول إصلاح التعليم، متهما الحكومات بالسعي لفرض نزعة ليبيرالية مرتبطة بتصورات البنك الدولي والجهات المانحة لخصخصة التعليم العمومي.

وهذا التناقض في الرؤى “أعاق أي إصلاحات جدية لمنظومة التعليم” بحسب تعبير اليعقوبي الذي شدد على أنه “من الضروري مراجعة المناهج والبرامج والتخصصات للتلاؤم مع متطلبات سوق الشغل، إلى جانب الاهتمام بالبنية التحتية ببعث مدارس متطورة وتكوين المدرسين”.

لجان معطلة

من جهته يقول عبد الباسط بن حسن رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان إن هناك إجماع من الحكومات ونقابات التعليم ومنظمات المجتمع المدني حول تراجع جودة التعليم وتدهور البنية الأساسية للمدارس وذلك وفق دراسة أنجزت على ضوء الحوار الوطني لإصلاح التعليم.

ويضيف لـ”مراسلون” بأن هناك عدة مكاسب تراجعت بعد الثورة مثل جودة التعليم إلى درجة أن المدرسة أصبحت مكانا لتخريج المعطلين عن العمل، معتبرا أن المدرسة أصبحت بعد الثورة تعيش أسوأ فتراتها لاسيما مع ارتفاع عدد التلاميذ المنقطعين عن التعليم مبكرا.

وبحسب بعض التقارير يصل معدل المنقطعين سنويا عن التعليم إلى مائة ألف تلميذ.

وعلى الرغم من تأزم الوضع في قطاع التعليم يقر رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان بوجود تعثر حقيقي في عملية إصلاح التعليم رغم انطلاق مسار إصلاح المنظومة التربوية سنة 2015. ويقول “مسار الإصلاح انطلق لكن الإصلاح الفعلي لقطاع التعليم لم ينطلق بعد”.

ويضيف بأن هناك 15 لجنة انبثقت عن الحوار الوطني حول التعليم من أجل العمل على بلورة رؤى الإصلاح، لكن هذه اللجان لم تنه أشغالها بعد باستثناء لجنة التشريع العام التي صاغت القانون الأساسي للتعليم والذي مازال لم يعرض على مجلس النواب إلى حدود اليوم.

مع الإشارة إلى أن عمل تلك اللجان انقطع عدة فترات نظرا للتحويرات الوزارية التي طرأت على الحكومة منها وزارة التربية بعد إقالة الوزير السابق ناجي جلول. لكن رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان أكد بأن هناك بوادر إيجابية لاستئناف عمل تلك اللجان قريبا بعد تعيين وزير تربية جديد.

وفي التحوير الوزاري الأخير تم تعيين وزير التربية السابق حاتم بن سالم على رأس وزارة التربية.

وكان حاتم بن سالم وزير التربية الجديد أكد في تصريحات إعلامية عقب تعيينه على المضي قدما في مشار إصلاح منظومة التعليم في نطاق شراكة مع نقابات التعليم وبقية مكونات المجتمع المدني المعنية بقطاع التعليم.

كما شدد على تحسين ظروف التدريس وترميم المدارس التي تشهد وضعا مزريا. علما أن سير الدروس تعطل في عديد المدارس بالمناطق الفقيرة نتيجة تدهور البنية التحتية للمدارس وتراجع عدد المدرسين وغيرها.