قد لا يتخيل المار بمدينة نصر –شرق القاهرة- بعد منطقة سوق السيارات بالحي العاشر، أنه سيشعر كأنما انتقل خارج حدود مصر، إلى مدينة إفريقية بسيداتها الآتي يحملن أولادهن خلف ظهورهم، وملابسهن المميزة بألوانها المبهجة تحت الشمس، بشعورهن المجدولة والأطفال الذين يلعبون في الشارع، وثمة ابتسامة بشوشة تعتلي الوجوه.
كنت اسأل عن عبد اللطيف، الذي دفعني الفضول للبحث عنه، بعد أن أخبرني أحد الأصدقاء عن محله الذي بدأ في اكتساب شهرة واسعة في المنطقة، وعندما سألت عن محل عبد اللطيف، وجدت أكثر من معين لإيصالي به، وعرفت أنه يتمتع بسمعة جيدة في المنطقة.
في مدخل بيت متواضع، بجانب محل بقالة ومطعم عليه ألوان العلم النيجيري المميز باللون الأخضر، كانت هناك فاترينة ملونة بألوان الأقمشة الإفريقية المميزة ، وبأشكال الفساتين المختلفة عن ما تعودت عليه عيني، ويقف بجانب الباب عبد اللطيف في استقبالي.
حدثني عبد اللطيف عبد العزيز عن بدايته في مصر ” أنا جيت مصر من ١٥ سنة ودرست في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، وكانت وقتها زوجتي شاكرة في لاجوس العاصمة النيجيرية، تعمل مع والدتها في تصميم الأزياء وحياكتها، وعملت أنا بمجال السوشيال ميديا في شركات مختلفة بعد تخرجي”
“بعد ٥ سنوات من وجودي في القاهرة، أرسلت لزوجتي شاكرة للمجيء، ولفت انتباهي موهبتها في تصميم الأزياء الإفريقية، خاصة بعد أن زاد عليها الطلب من الجيران والأصدقاء، وبدأت في اكتساب شهرة في وسط الجالية النيجيرية في مصر، فتركت عملي التسويقي وقررنا الأعتماد علي موهبتها وتحويل سير الزبائن من القدوم للمنزل، الي القدوم لمحل يتوفر فيه ما يحتاجونه، فهناك كتالوج يختار منه الزبون ما يحبه، وماكينة الخياطة التي تعمل عليها شاكرة”.
وقت حديثي مع عبد اللطيف كانت شاكرة تعمل في صمت، وتتابعنا بعينيها منعكسة علي المرآة المعلقة أمامها في محلهم الذي يبدو ضيقا، لكن ترحاب عبد اللطيف وهدوء شاكرة يجعلك تشعر باتساع المكان.
تنبه عبد اللطيف وأخبرني أنها لا تتحدث اللغة العربية بطلاقة، وانها تتعامل بالإنجليزية. كانت شاكرة تعمل علي ماكينة الخياطة في حياكة أحد الفساتين الافريقية الصفراء اللون المميز لأغلب السيدات الإفريقيات.
سألت عبد اللطيف عن أنواع الأقمشة وكيف يحصلون عليها، وعن أسعار التصميمات.
فأخبرني عبد اللطيف “نلجأ لأصدقائنا القادمين من نيجيريا لجلب الأقمشة التي نحتاج إليها، خاصة أنها في أغلب الأوقات لا تتوفر في السوق المصري، من حيث الألوان وطبيعة الأقمشة، وأحيانا يجيء لنا الزبون بقماشه الخاص ويطلب التصميم المفضل له”
أما عن الأسعار يقول عبد اللطيف: “تبدأ أسعارنا من ٥٠ جنيها مصريا، وأتولي التعامل مع الزبائن وتحديد السعر وفقا لنوع التصميم والعمل المكلف به، بجانب عملي التسويقي لمحلنا على وسائل التواصل الاجتماعي”
قاطعنا صوت شاكرة وهي تحمد الله وتثني عليه، وهي تترك الماكينة للحظات وتمسك بدفتر بجانبها تطالع منه مقاسات الزبونة التي تعمل علي فستانها.
أخبرني عبد اللطيف بفخر عن مشروعهم، وكيف بدأ يكتسب شهرة بين المصريين في مدينة نصر، ويأتي أهم زبائنهم من مناطق بعيدة ومختلفة.
سألته عن مكان سكنهم، ومتي يُنهون العمل، فأخبرني مبتسم انهم يسكنون بجوار محل رزقهم علي بعد دقائق مشياً.
تركت الرجل المبتسم وزوجته التي لم أسمعها تتحدث سوى بحمد الله، وخرجت من شارع السوق بجوار مسجد الرحمة خلف سوق السيارات، تاركا خلفي القرية الإفريقية الحميمة، وعلي كوبري اكتوبر عائدا شعرت وكأنني صعدت إلى طائرة وعدت بها لمصر.
لمشاهدة جميع الصور: