عمل عم رفعت -61 سنة- طوال حياته على البواخر النيلية السياحية التي تقطع النيل من القاهرة إلى أسوان، ولكن كانت تأثيرات الأعوام بعد 2011 على السياحة ضخمة -بحسب وزارة السياحة تجاوز عدد السائحين الذين زاروا مصر في 2010 الأربعة عشر مليونا، ليصلوا إلى تسعة ملايين في 2015، بينما انخفض الرقم أكثر في 2016 ليصبح خمسة مليون سائح تقريبا-  فتوقفت الرحلات النيلية، بسبب قلة السياح.

 

 

ولكن ورغم هذا الانخفاض، قرر عم رفعت إن يفتتح فندقا صغيرا في قريته “غرب سهيل” وأطلق عليه “أشري ناتري ” وهي كلمة نوبية تعني الجزيرة الجميلة.

 

قبل 15 كم من الوصول لمدينة أسوان، ستصل إلى قرية “غرب سهيل” الصغيرة التي يعيش فيها النوبيين منذ أكثر من مائة عام، لم يطل التهجير غرب سهيل، ولكن أصابها النسيان.

 

كانت النوبة القديمة تقع جنوب مدينة أسوان لمسافة 200 كيلو متر داخل مصر، و300 كيلومتر في شمال السودان، وبدأت المأساة النوبية مع اتجاه الدولة المصرية في بداية القرن العشرين لبناء مشاريع ضخمة لتخزين المياه جنوب البلاد، فكان المشروع الأول هو بناء خزان أسوان 1902، ومعه كان الغرق الأول لجزء من أراضي النوبة، وأيضا التهجير الأول، البعض رحل إلى الشمال، ولكن في ذلك الوقت، اتجه البعض أيضا إلى المناطق المرتفعة على جانبي النيل، فسكن النوبيون غرب سهيل.

 

لم يبق الخزان على حاله، ولكن تم تعليته مرتين الأولى 1912، والثانية 1932 ومع كل تعلية، يغرق جزء جديد من النوبة، وبالتالي يتم تهجير جزء من النوبيين، حتى جاء التهجير الأخير، والغرق الكامل لبلاد النوبة القديمة مع مشروع السد العالي 1964.

 

هناك في الممر الضيق الذي يطل علي نهر النيل بغرب سهيل ستجد العديد من المنازل على الطراز النوبي القديم، و البعض منها خصص غرفة أو غرفتين وتم تحويلها لمتاجر لعرض المشغولات اليدوية، والصناعات التراثية و التوابل وغيرها من الأشياء التي أشتهرت بها النوبة

 

تجلس السيدات بجانب المتاجر و البيوت الأثرية يجدلن خيوط الصوف وجريد النخل لصناعة «طبق الشاور» النوبى المعروف ، وتحرص الأمهات على توريث بناتهن تلك المهنة حفاظا على تراثها .

 

كل صباح يصطحب عم رفعت زوار القرية إلى الرمال الناعمة، حيث مواقع السياحة العلاجية والتي أشتهرت بها غرب سهيل، حيث تدفن الأجسام في الرمال الدافئة لتخليصها من أمراض معينة، حيث يطل الراقدين في الرمال على الربوة المرتفعة التي تضم أعلاها قبر الأغاخان، الذي عاش ودفن بالقرب من منطقة غرب سهيل.

 

لا يفكر عم رفعت في الفندق باعتباره مشروعا تجاريا وحسب، ولكن يحاول إن يجعله بيت للنوبيين، فتعقد هناك فيه ورش فنية وتعليمية للأطفال ، كما يستقبل فيه الحملات الطبية لعلاج أهل القرية مجانا، و تقديم الأدوية العلاجية لهم.

 

يقول “عم رفعت ” إن جزء كبير من أهداف الفندق هو إحياء التراث النوبي وجذب السياحة مرة أخري للنوبة، ولم نتوقف عند هذة النقطة فقط بل جزء كبير من أرباح الفندق يذهب إلي أهل القرية من خلال خدمات تعليمية وصحية . حيث تمتلك القرية عيادة صحية واحدة بها طبيب واحد.

 

بين ركن وآخر في القرية تجد الرسومات تنير الطريق، وتحكي عن قصص و حكايات أحتفظت بها جدرانها الملونة المبهجة. وأيضا احتفظ النوبيين داخل منازلهم التماسيح لجذب السياح ، فتجد أكثر من بيت وضع لافتة تحمل اسم “بيت التمساح”عنوانا لها.

 

يتمنى “عم رفعت” بأن توجد العديد من الفنادق التي تحافظ على تراث النوبة و تعيد لها زوارها، خاصة وسط حالة الركود التي تسيطر على السياحة بها. يبرر رفعت أمنيته قائلا: “مقدرش أبعد عن النيل.. دي سمة في النوبيين، و هنا علي أرضنا “أشري ناتري” أتبني من جذورنا، و حلمنا إنه يكون أكبر فندق تراثي في عالم ، ويرجع السائح من كل بلاد العالم لبلادنا الحبيبة كما كانت معروفه بأهلها الطيبة.