دعا رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي (في الصورة) مؤخرا خلال إشرافه على تكريم ثلة من أوائل الطلبة المتميزين في الجامعات إلى ضرورة اعتماد نظام الأوقاف عن طريق جمع التبرعات والهبات لمعاضدة جهود الدولة في حل مشاكل التعليم لاسيما البنية التحتية المتردية للمدارس.
ويرى الغنوشي أن هذا النظام يمكن أن يكون مصدرا ملهما لتمويل التعليم وتجاوز ضعف الإمكانيات التي أدت إلى تردي مستوى الخدمات والتجهيزات في التعليم الحكومي الذي يؤمه نحو مليوني تلميذ جزء منهم يعاني من مشاكل التنقل ومن تردي وضع المدارس والتجهيزات.
ويعرف الغنوشي هذا النظام بأنه ينتمي إلى ما يسمى بالاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي تعتمده دول متقدمة على غرار بريطانيا وأمريكا وغيرها، مذكرا بأن جماع الزيتونة المعمور بالمدينة العتيقة بالعاصمة تونس كان يعتمد على الأوقاف لتمويل تعليمه وتملكه لمدارس.
نظام ناجع
وبعد تصريحات الغنوشي جاء رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري ليشن حملة دعائية بوسائل الإعلام مدافعا على نظام الأوقاف للنهوض بالتعليم فهو يعتبره نظاما ناجعا مبنيا على تبرعات وهبات المواطنين من أجل رصد موارد إضافية لمعاضدة جهود الدولة في التعليم.
وتعيش البلاد التونسية وضعا اقتصاديا وماليا صعبا بسبب اختلال التوازنات المالية مما جعلها تلجأ باستمرار إلى التداين الخارجي الذي ارتفعت نسبة إلى 60 بالمائة، وقد انعكس هذا الوضع على موارد وزارة التربية التي تشكو من نقص كبير في الموارد لتهيئة المدارس والتجهيزات.
ورغم أن فكرة اعتماد نظام الأوقاف تمثل مخرجا بحسب تصريحات قيادات حركة النهضة للخروج من المأزق، فإن خصوم حركة النهضة العلمانيين انتقدوا بشدة نظام الأوقاف بدعوى أنه يقوض مدنية المنظومة التعليمية ويفتح الباب لوضع اليد على التعليم من قبل الإسلاميين.
وتعتبر الأوقاف أو الأحباس بمثابة التبرعات والهبات والصدقات الجارية إلى أجل غير محدود والتي لا تباع ولا تشترى. والأحباس نوعان أحباس خاصة وتخص من يحبس أملاكه ومشاريعه لأبنائه وأحفاده، وأحباس عامة أو مشتركة تعود منفعتها على البلاد والمواطنين عامة.
وقبل الاستقلال الوطني عام 1956 تم اعتمد نظام الأوقاف في تونس لكن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة قام بإلغائه في سنة 1957 عند بداية تركيزه للمنظومة التربوية الحديثة التي كانت حكومية ومجانية تتكفل الدولة بمصاريفها وتجهيزاتها بالرغم من ضعف مواردها المالية.
جدل محتدم
ويرى القيادي النقابي بالتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي بأن الدولة التونسية قادرة على الاحتفاظ بنظامها التعليمي الحكومي نتيجة تمسك المجتمع بهذا الخيار المدني الذي ذهبت فيه الدولة بعد استقلال، رافضا فكرة اعتماد التعليم على نظام الأوقاف والتبرعات والهبات.
لكنه يقول لمراسلون إن منظومة التعليم تحتاج إلى إصلاحات عميقة وموارد مالية من أجل تحسين جودة التعليم وتطوير الزاد المعرفي والعلمي للطلبة من أجل اقتحام سوق الشغل بشكل أفضل، محذرا من “محاولة المساس بنمط المجتمع من خلال تفريط الدولة بقطاع التعليم”.
ويقول “أي محاولة من أي حزب لدفع التعليم خارج إطار الدولة هي محاولة للمساس بقطاع له علاقة لصيقة بنمط المجتمع ومستقبل أجيال قادمة”، مضيفا “أريد أن أذكر النهضة أن دولا عريقة مثل فرنسا وألمانيا لم تتحدث لا عن الخصخصة ولا عن الاقتصاد التضامني في التعليم”.
لكن النطاق باسم حركة النهضة شريك حزب نداء تونس في الائتلاف الحكومي عماد الخميري يقول لمراسلون إن حزبه لا يخطط لوضع يده على التعليم وإنما طرح فكرة اعتماد نظام يفتح الباب أمام المتبرعين لمعاضدة جهود الدولة في ترميم المدارس وشراء التجهيزات وغيرها.
ويوضح عماد الخميري بأن ما كان يسمى سابقا بنظام الأوقاف أو الأحباس أصبح حديثا يطلق عليه في الدولة المتقدمة بالنظام التكافلي أو التضامني الذي تعتمده عديد الدول المتقدمة كبريطانيا وأمريكا لتمويل مشاريع تنموية وتربوية من شأنها أن تخفف نفقات الدولة.
وأكد بأن المقصود من دعوة حزبه هو البحث عن تشريعات تعطي الإمكانيات المادية اللازمة للتعليم الحكومي التونسي مثل الجامعات الأجنبية بالإضافة إلى قوانين مفيدة للعمل الأكاديمي، داعيا إلى ضرورة البحث عن الأفكار الجديدة لتمويل التعليم دون حسابات سياسة.
ويرى المؤرخ التونسي عبد اللطيف الحناشي بأن طرح مسألة الأوقاف في هذا الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد بعد الثورة سيكون مفيدا للنهوض بقطاع التعليم “شريطة ألا تكون هناك خلفيات إيديولوجية أو سياسية تهدد استقلالية المؤسسات التربوية أو مدنيتها”.
ويقول لمراسلون إن نظام الأوقاف لعب دورا هاما زمن الاستعمار الفرنسي لتونس في نشر التعليم وتأسيس المدارس وإدارتها وتقديم المنح للطلبة والسكن، مؤكدا بأنه نظام اقتصادي متكامل تنتهجه بعض البلدان المتقدمة لتمويل بعض المشاريع في عدة قطاعات مثل التعليم.
يذكر أن لجنة المالية بالمجلس التأسيسي (أول برلمان بعد الثورة) كانت قد شرعت بمناقشة مشروع قانون الأوقاف باقتراح من حركة النهضة سنة 2013، لكن مشروع القانون بقي منسيا منذ ذلك اليوم بسبب تجميد مناقشته عقب اندلاع أزمة سياسية طاحنة بالبلاد آنذاك.