يمكن إحصاء بضع عشرات من رجال الأعمال بتصفح قائمة 462 نائبا المكونين للمجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان). فأسماء الكثيرين منهم متداولة في السّاحة الاقتصادية و ليست هناك حاجة لفرز عميق من أجل معرفتهم. و يحمل أغلب هؤلاء النواب ألوان أحزاب الأغلبية، حزب جبهة التحرير الوطني و التجمّع الوطني الديمقراطي.
نذكر عن جبهة التحرير الوطني، على سبيل المثال، عبد المجيد دنوني من تلمسان، صاحب مجمع دنوني و الرئيس السابق للكونفدرالية العامة لأرباب العمل” بي تي بي اش”، عبد المالك صحراوي من معسكر، رئيس “برومو انفست” و “بتروزر” وهو من أكبر مالكي محطات البنزين في الجزائر وأهم المستثمرين في مجال الفلاحة، جمال معاتسكي من البليدة، صاحب شركة “سوزمي” الذي ترأّس فيما مضى نادي كرة القدم لمدينة البليدة، بهاء الدين طليبة من عنابة الذي انتخب لعهدة ثانية، محمد جميعي من تبسة الذي تمتلك عائلته أحد أهم المجمعات الاقتصادية بالبلد أهم فروعه شركة “ستارلايت” للأدوات الكهرو منزلية و الالكترونية كما تنشط في عدّة قطاعات كتعبئة المياه المعدنية و صناعة العجائن الغذائية، البسكويت وكذلك إنتاج أعلاف الحيوانات، علي الهامل من أدرار، ابن مقدّم زاوية سيدي أحمد بالكبير والذي ينشط في مجالات عديدة تمتد من الفلاحة إلى السياحة مرورا بأشغال البنى التحتية البترولية.
و نذكر عن التجمع الوطني الديمقراطي معمر بن زامية من الشلف، صاحب شركة “او جي تي ار” لأشغال الطرقات، عبد الكريم شنيني من قسنطينة صاحب شركة “شنيني” لأشغال الطّرقات كذلك، عبد القادر طيب زرايمي من البليدة، رئيس مجمّع “سيم” لصنع العجائن الغذائية و اسماعيل بن حمادي من برج بو عريريج، رئيس مجمع “كوندور” للإلكترونيات. القائمة طويلة وفيها من أحزاب المعارضة و من الأحرار.
و إذ زاد عدد النّواب من المتعاملين الاقتصاديين بهذا الشكل اللافت خلال العهدة التشريعية المنبثقة عن انتخابات ماي الماضي، كما أن هؤلاء النواب يحملون ألوان أحزاب تتعارض عقائدها الاقتصادية في أغلب الأحيان مع تصورهم الذي من المفروض أن يكون ليبراليا، تطرح اليوم عديد الأسئلة عن اختلاط المال بالسياسة. فانضواء رجال الأعمال تحت راية حزب مثل جبهة التحرير الوطني عضو الأممية الاشتراكية شيء غريب. ماهي دوافعهم وما الذي أدى بهم لاقتحام عالم السياسة؟ حاولنا التواصل مع بعض من ذكرناهم لكن دون جدوى (أنجز التحقيق في شهر أوت، قبل افتتاح الدورة البرلمانية). لمسنا الكثير من الإحراج في تهربهم من الإجابة عن أسئلتنا. هناك من طلب إرسالها كتابيا عبر البريد الإلكتروني ثم لم يرد و هناك من عمل على تفادينا منذ أن علم بسبب اتصالنا به. سيجلسون في البرلمان للخمس سنوات القادمة. “يعلم هؤلاء الرجال جيدا أنه بدخولهم المجال السياسي سيتمكنون من نسج شبكات علائقية تسمح لهم بالحصول على تسهيلات في مجال المال و الأعمال بالتحديد. و أعتقد أن هذا هو غرضهم الرئيسي . مما يعني أن دوافعهم مصلحية، ملموسة جدا و مدروسة جدا“، يقول الباحث في علم الاجتماع كمال بوقصة.
فعلا، ففي بلد كالجزائر، أين لا يمكنك أن تخطو بعيدا في مجال المال و الأعمال إن لم تكن تحظى بدعم سياسي يمكّنك من تجاوز العراقيل البيروقراطية و التّصرّف بحرّية مع القواعد القانونية المثبّطة للنّشاط الاقتصادي دون خوف من العقاب، يشكّل دخول البرلمان ضمانا للاستمرارية. و يعقّب رمضان تاعزيبت، النائب عن حزب العمال (حزب تروتسكي) بقوله: ” بعضهم، حتى لا أعمّم، جاء إلى البرلمان من أجل الحصول على الحصانة البرلمانية حماية لنفسه. و من جهة أخرى، سيسعون للضغط على المجلس من أجل المصادقة على القوانين التي تخدم أعمالهم ونشاطاتهم“.
الثّراء في كنف السلطة و تضارب المصالح
في كل الأحوال، لا ينحصر وجود رجال الأعمال في المجالس المنتخبة في البرلمان فقط، فهم يعدّون بالمئات إذا أخذنا بعين الاعتبار المنتخبين المحليين في المجالس الشعبية البلدية و الولائية. و إن كان ذلك لا يمكنهم من صناعة القوانين ولا من التّحصّن ضدّ المتابعات الجزائية، فبإمكانهم التأّثير في المداولات المتعلّقة بالصّفقات العمومية. “يشكّل الخلط بين المال والسياسة خطرا على مؤسّسات الدولة باعتبار أن أصحاب المصالح الشخصية لن يتوانوا عن الضّغط من أجل الاستحواذ على ما هو عمومي من أملاك، خاصة وأن الكثير من رجال الأعمال لا يجدون ضالتهم إلا في الدعم الذي تقدّمه الدولة و كذلك في الصفقات العمومية“، يضيف رمضان تاعزيبت. ولأجل هذه الامتيازات ، يؤكد كمال بوقصة، هم مستعدون لدفع أموال طائلة لأصحاب القرار في الأحزاب من أجل التّرشّح للانتخابات. “ إن كثرة استعمال مصطلح الشكارة الذي نجده على كل لسان في وصف الفساد الذي استشرى في المجتمع و طال إعداد القوائم الانتخابية ليس محض الصدفة “، يقول محدثنا.
لكن الأجدر، حسب كمال بوقصة، هو البحث في أصول هذه الفئة الاجتماعية الجديدة. “من هم ؟ كيف نشأوا ؟ هل لهم من الكفاءة ما يؤهّلهم للعمل السياسي أو ليكونوا نوّابا مثلا ؟” يتساءل الباحث في علم الاجتماع. فإذ تنامت هذه الفئة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، و بالرغم من حضورها الإعلامي، لا يُعرف عنها الكثير. “هي، وإن أمكن حصر مصلحتها، سديم لا نعرف كيف تكونت أو كيف توصلت إلى فرض نفسها في الساحة السياسية وما هي أهدافهاا”، يضيف كمال بوقصة متسائلا: “هناك من ليس له أي مستوى تعليمي أو ثقافي و السؤال هو كيف يمكن لإنسان أمّي تماما أن يبني ثروة تقدّر بالمليارات في ظرف قياسي يتسلّق من خلالها السّلّم الاجتماعي ويمارس السياسة؟ هذه الفئة لا تشبه البرجوازية التقليدية في المجتمعات الرأسمالية والتي تتكوّن من صناعيين و مقاولين حقيقيين يستثمرون في الابتكارات و يخلقون الثروة. هل نشاط هؤلاء المليارديرات في الجزائر مفيد للاقتصاد الوطني؟ هنا تكمن الإشكالية. هي فئة من المضاربين تنمو في كنف رجال السّلطة و تتمتع بشبكات دعم متغلغلة في مؤسّسات الدولة تمكّنها من تحقيق مكاسب سهلة ومراكمة الأموال. هنا يطرح سؤال آخر: أين تذهب هذه الأموال؟“. و يختم قائلا: “تتمحور مشكلة العلاقة بين السياسي و رجل الأعمال في تضارب المصالح و ليس في التّوجّه الاقتصادي اللّيبيرالي“. مشكلة يقول بشأنها رمضان تاعزيبت أنّها أصبحت تهدّد كيان الدّولة. ويعطي مثالا بقوانين المالية الّتي أصبحت هذه الفئة تؤثّر كثيرا في إعدادها، فنفوذ هذه الفئة الاجتماعية تجاوز الهيئات المنتخبة وصارت تؤثّر حتى في قرارات الحكومة. علما أنّه في الجزائر، السّلطة التّنفيذيّة كان لها دائما سطوة على البرلمان الذي يقتصر الفعل فيه على التصفيق لما تقوم به الحكومة.