تطلب ” ندا – 26 عام – عابرة جنسياً ” مني أن أجيبها على تساؤلها قبل بداية دردشتي معها بخصوص الهوية الجنسية ، ” لماذا تحرص مجتمعاتنا ، أو على الأقل تدّعي الحرص على شعور المعاق؟ حتى في التسمية، تطلب تسميتهم بذوي الاحتياجات الخاصة، وتخصص لهم نسبة من التوظيف الحكومي -5% من نسبة العاملين بأي منشأة حكومية أو خاصة يجب أن تخصص لذوي الاحتياجات الخاصة حسب قانون العمل- كما يُدان كل من يهينهم أو ينتقص من قدرهم، كما أن الحيوانات، قطط وكلاب الشوارع، لها نصيب من دعوات الرفق ومحاولات الإنقاذ ما ليس لنا نحن البشر اللذين ولدنا بحال ليس لنا ذنب فيه!
ما تفعله الهورمونات
“إن اعتمدنا مصطلح “اضطراب الهوية الجنسية” كمظلة شاملة لكل أنواع الحيود عن التقسيم الجنسي المتعارف عليه كذكر وإنثى، نجد أفرع عديدة وتقسيمات تندرج تحت هذا المصطلح”.. هكذا بدأ أحمد على الشريف استشاري الصحة النفسية حديثه محاولاً تلخيص معاناة هؤلاء المحبوسين في أجساد ليست لهم، أو هكذا يشعرون على الأقل.
يستكمل الشريف: “يجب أن نفرق بين المثلية الجنسية والعبور الجنسي، فمثلي الجنس تعتبره منظمات الصحة العالمية إنسان مكتمل لا يعاني سوى الرفض المجتمعي، محدد الجنس والهوية الجنسية، الذكر يعلم أنه ذكر وينجذب للذكور، والأنثى تعلم أنها أنثى تنجذب للإناث، أما في حالة ” ندا ” فنحن أمام حالة “ترانسجندر”، حيث يشعر الفرد منذ طفولته بعدم انتمائه لجسده، وكأن للمخ هوية جنسية مغايرة للجسد الموجود، وفي هذه الحالة يصنف كحالة مرضية تحتاج للتدخل العلاجي، والذي يكون على شكل دعم نفسي أولاً، ثم تدخل جراحي يسبقه ويليه دعم هورموني حسب قياس الهورمونات الخاص بالحالة.
عابر أم متحول أم مضطرب ؟
وعن السبب في حدوث مثل تلك حالات يجيبنا الدكتور علاء عبد الحميد أخصائي الطب النفسي أن الأمراض أو الاضطرابات الجندرية أو المتعلقة بتحديد جنس الفرد كانت تعتبر أمراض نفسية، قبل أن تظهر العديد من الدراسات التي أعزت الأمر للغدد الصماء، أشهرها ما قام به العالم والطبيب المتخصص في أمراض الغدد الألماني هاري بنجامين (1885-1986) ، والذي يعتبر من رواد عمليات تغيير الجنس في العالم، تطور الأمر بعد بنجامين لاكتشاف المناطق المسؤولة عن تحديد الجنس بالمخ، واعتبر اضطرابا عقليا، وبين كونه اضطرابا نفسيا أو غددياً أو عقليا ً، أو مزيجا بين الثلاثة أو حتى خللاً جينياً، فإن الحالة تأتي لتشكو من عدم الارتياح، عدم الاحساس بالنفس، بالذات، بالجنس، بالجسد، وكأنه جسد آخر، أو جسد لآخر.
وعن دقة المصطلح ، يضيف عبد الحميد ، أن مصطلح العبور الجنسي أو ال”ترانسجندر” هو الأدق لوصف حالات اضطراب الهوية الجنسية ، لأن ذلك الشخص غالبا ما يظل في حالة عبور من الجنس الذي يرفضه، للجنس الذي يريده، وإن كان لن يصله بشكل كامل، لكن الهدف أن يصله بشكل يرضيه قدر المستطاع .
الرفض سيد الموقف
ترفض ندا الاستسلام للحظات الضعف بحياتها على كثرتها ، وتقول أن المعاناة التي لازمتها من لحظة الميلاد جعلتها أكثر قوة ومرونة، وأن الله الذي خلقها هكذا هو الوحيد الذي يقف بجانبها، سنوات الدراسة الطويلة التي كانت فيها ولداً ناعماً يتعرض للإيذاء البدني والجنسي من زملائه ومن أطفال الشارع ولا يجد سوى حضن أمه يبكي بداخله، تنصحه أمه بالصبر وتطوف به على الشيوخ ليتحرش به أحدهم، تنضج ندا وتبدأ في التواصل عن طريق الانترنت بأفراد وصفحات ومواقع تخبرها أن ما بها له حل، ترفض الأسرة وتحبس الولد المارق الذي يهرب من نار إلى نار، حتى يصل به الحال للعمل بإحدى مؤسسات المجتمع المدنى التي تتبنى الحالة، لتنهى ندا مرحلة الدعم النفسي وتقوم ببعض الجراحات التجميلية ببيروت، انتظاراً للسفر لأوروبا لإتمام العبور من واقع جحيمي يرفضها فيه الجميع، لحلم تقبل فيه هي – على الأقل – جسدها.
هل يقف القانون عاجزاً ؟
بالرغم من إقرار محكمة الاستئناف اللبنانية حكماً يقضي بحق متحولة جنسياً من تغيير قيدها في الأوراق الثبوتية الرسمية من ذكر إلى أنثى ، إلا أن المحامي المصري ” نبيه الوحش ” أقام دعوى أمام المحاكم المصرية ضد الفنانة اللبنانية “رغد سلامة” يطلب فيها من المحكمة الحكم بطردها من مصر بدعوى نشر الفاحشة لأنها متحولة جنسية، وقد حكمت المحكمة لصالحها وأثبتت أنها أنثى.
وعن التعقيدات والاجراءات القانونية المتعلقة باضطراب الهوية الجنسية يخبرنا المستشار القانوني محمود طلال أن هناك دولاً عديدة بمنطقة الشرق الأوسط قد اتخذت خطوات جادة ومهمة في هذا المجال مثل لبنان وإيران والتي تتكفل حكومتها بنصف تكاليف عمليات تحويل الجنس.
لكن في مصر فالجهتين الوحيدتين الرسميتين المنوط بهما التصريح بعمليات تحويل الجنس وما يتبعها من اجراءات قانونية وتعديل في الأوراق الرسمية هما الأزهر ونقابة الأطباء، ولما يعانيه الراغبون في إجراء مثل تلك عمليات مع تلك الجهات، على حد قول طلال، يتم اللجوء للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والتي استحدثت برنامجاُ لدعم المتحولين جنسياً، ونقل تجاربهم للمنظمات الدولية المتخصصة في قضايا ال LGBT ، اختصاراُ للأحرف الأولى: L” LESBIAN ” ، G”” GAY ، B” ” BISEXUAL ، T”” TRANSGENDER ، خطوة من خطوات مهمة تقوم بها عدة منظمات حقوقية ، في طريق طويل لا يبدأ بتعديل القوانين ولا ينتهى بالقبول المجتمعي لهؤلاء الأفراد .
قشة قد تنجد الغريق
وعن المنظمات الداعمة يخبرنا عادل شعبان الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن المبادرة لا يقتصر دورها على توثيق الانتهاكات والتواصل مع الأطباء النفسيين ، لكنها تتواصل مع المنظمات العالمية المتخصصة وتهتم برفع وعي المجتمع، علي سبيل المثال لا الحصر بيانها الصحفي الذي تطلقه في الواحد والثلاثين من مارس لكل عام بمناسبة اليوم العالمي للإحتفال بالترانسجندر تصحح فيه أخطاء شائعة عنهم ، مثل كونهم ليسوا مثليين جنسياً، وليسوا مرضى بمرض لا علاج له ، كما أطلقت المبادرة هاش تاج #” شوفني زي مانا” ، كدعوة مجتمعية لقبول راغبي التحول الجنسي ودمجهم فيه بلا خوف.
وعن الاحصائيات يجيب شعبان أنه من الصعب الحصول على احصائيات في دولة مثل مصر بسبب التضييق الأمني ، العادات والتقاليد ، والتزمت الديني ، لكنه يضيف أن منظمة الصحة العالمية في أحدث احصائياتها قد قدرت العابرين جنسيا حول العالم بحوالي 25 مليون فرد، ويؤكد على أهمية عدم إغفال دور المجتمع المدني بأشكالة المختلفة وروافده المتعددة في دعم مثل تلك القضايا ، مثل الرابطة التي أنشأها طلاب الجامعة الأمريكية عام 2013 ، والتي تنظم ورش عمل بشكل دوري تتيح للعابرين جنسياً حرية الكشف عن هويتهم وطرح أفكارهم.
ماذا بعد؟
في وسط مجتمعات لا تمنح حق الحياة الآدمية لمن لا يعانون أى اضطرابات تتعلق بالهوية الجنسية ، في وسط مجتمعات يقودها الفهم الخاطيء للأديان إلى اضطهاد الآخر وإيذاءه،
تعلم ندا أن الطريق طويل وصعب ، ولن ينتهي بتمام تحولها إلى أنثى، وحتى لو انتقلت لمجتمع يتقبلها، هل سيذلل لها الطب والعلم مرحلة أكثر تقدماً في حلمها بأن تكون أما لأطفال على سبيل المثال؟ أم ستكتفي بتبني طفلة تربيها على الحب وتقبّل الآخر؟ هذا ما سوف يكشفه القادم من الأيام.
الصورة من عرض مسرحي سويسري
تصوير: سيد داود واراب