كرهت سارة الشعار الذي كانت تسمعه كل يوم في السجن والذي يقول: ” زى الحمام طايرين سور القفص غيه.. أصل البراح زنازين والسجن حرية”. رفضت ذلك وهي تفكر: “كيف يصدق ذلك وأنا هنا؟ لا شيء في يديَّ. أين هي هذه الحرية؟”

اعتقلت سارة خالد طالبة طب الأسنان في جامعة الأزهر يوم 5 يناير/كانون الثاني 2014 مدة 10 أشهر في سجن القناطر، لأنها لم تكن تعلم أن استعمالها دبوساً يحمل شعار رابعة الأصفر اللون في حجابها سيكون سبباً لسجنها.

كان ما يساعدها على الاستمرار وعدم التخلي عن الحياة، هي الرسائل التي وصلتها في سجنها من أشخاص سمعوا قصتها. لأنها جعلتها تتخيل نفسها تعيش خارج جدران السجن.

تمسك سارة بيدها مرآة صغيرة من حين لآخر لتنظر إلى نفسها وتتذكر كيف أمضت 10 أشهر دون أن ترى وجهها ولو مرة. وعلى الرغم من إطلاق سراح سارة من السجن قبل أكثر من سنتين فهي ما تزال تتذكر جيداً التحرش والإهانات التي واجهتها داخل السجن. وتبدو على وجهها ملامح الصدمة والحيرة عندما تتذكر تجربتها داخل السجن، لاسيما الاعتداءات الجسدية من السجانات.

فلم تكن سارة تتخيل معنى التفتيش إلى أن جربته بنفسها لأول مرة. وتتذكر كيف يبدأ التفتيش بتجريدها من ملابسها تماماً والتحرش الذي تتعرض له مرات ومرات على أيدي السجانات. وقد زارت سارة بعد إطلاق سراحها طبيبة نفسية لكنها لم تقدم لها مساعدة نفسية. “لم تكن الطبيبة النفسية التي زرتها قادرة على تصديق مقدار العنف الذي كنت أحدثها عنه. “وجدت نفسي غير قادرة على التواصل معها مطلقاً فحاولت أن أداوي جراحي بمعالجة من كانت لهن نفس جراحي.” تقول سارة.

***

كانت  صفاء حسين في الثامنة عشرة من عمرها، في المرحلة الثانوية، عندما اعتقلت خلال إحدى المظاهرات. لم يسمح لها السجن إتمام امتحاناتها على الرغم من أنها كانت الأولى على زميلاتها في الفصل. وسرعان ما فصلت من المعهد الأزهري الذي كانت تدرس فيه. وتقول صديقتها: “تقبع صفاء في زنزانة لا تزيد مساحتها على 3  4 xأمتار تشاركها فيها 20 امرأة أخرى.” تمارس صفاء والسجينات الأخريات حياتهن داخل هذه الزنزانة الضيقة، يأكلن ويشربن ويغسلن ملابسهن وبعضهن يقرأن.

وفي 29 مايو/أيار 2014 حكمت المحكمة عليها بالسجن 5 سنوات مع غرامة 50,000 جنيه مصري. ثم قبلت المحكمة في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 استئناف الحكم وخفضت الحكم إلى 3 سنوات.

وتتذكر صديقتها وتقول: “لهذه الدمية حكاية. ذهبنا في أحد الأعياد نزور صفاء وقدمنا لها الدمية التي بدت كالعروس والتي اشترتها أمها. وعندما عدنا لزيارتها مرة أخرى رأينا في اللعبة تغيراً كبيراً. فقد غيرت صفاء الدمية وجعلتها ترتدي زي السجينات الأبيض وأعادتها لنا وقالت إنها سمتها “حرية” وتريدها أن تغادر السجن لتكون حرة وليست أسيرة مثلها.”

***

تحتفظ سلوى محرز بالبرطمان الزجاجي الذي اعتادت أن تشرب فيه داخل السجن. وتقول: “لم يعطونا فناجين أو سكاكين، لم يسمح لنا داخل الجناح إلا بالأدوات البلاستيكية. يوضع الطعام أحياناً داخل وعاء زجاجي وتأخذ بعض السجينات الجنائيات بعض الأوعية وتشرب مما تبقى فيها. فصرت أفعل مثلهن. وعندما غادرت السجن أخذت معي كوبي وأنا أشرب فيه كل شيء حتى اليوم.”

كانت سلوى ساعة اعتقالها تعد أطروحة الماجستير التي ستقدمها لكلية هندسة جامعة الأزهر، وتتذكر ماقاله لها الشرطي وهو يلقى القبض عليها..”لن يكون هناك 25 يناير بعد الآن، انتهى الأمر.” سعل وقال لها: “لقد توقف الزمن هنا.”

حاولت سلوى التكيف مع بقائها في السجن. كان المحقق يتفحص كل الرسائل التي ترسلها السجينات إلى خارج السجن. وقد كتبت في إحدى رسائلها إلى صديقة لها تقول: “أولاد الكلب هؤلاء يسرون بإيذائك إلا أن ذلك يمكن أن ينقذك!” وقد اشتد غضب الضابط لدى قراءته ذلك فقال: “لن أقبل الجلوس هنا لأتلقى الشتائم”. ورفض أن يرسل رسالتها إلى خارج السجن.

***

ظلت سامية شنن لأكثر من ثلاث سنوات من حبسها في سجن القناطر تعرف ببائعة الفاكهة، إذ كانت واحدة من بين عشرات المتهمات بالمشاركة بما اشتهرت بأنها قضية ” أحداث كرداسة” حيث اتهمت باقتحام مركز الشرطة في كرداسة وقتل أكثر من 10 من رجال الشرطة والتمثيل بجثثهم وسرقة أسلحة نارية ومحاولة قتل كثيرين غيرهم في أغسطس/آب 2013.

تم اعتقال سامية مع ابنها من بيتهما في 19 سبتمبر/أيلول 2013. وفي 2 فبراير/شباط 2015 حكمت عليها محكمة الجنايات بإعدامها مع 187 متهماً آخرين معها في القضية. وقد وافقت محكمة النقض على النظر في استئناف سامية مع كثيرين غيرها في القضية ذاتها. وفي 3 فبراير/شباط 2016 أمرت المحكمة بإعادة محاكمة 149 محكوماً بالإعدام ليتم تخفيف الحكم إلي السجن المؤبد عليها . وذكرت المحامية المصرية ماهينور المصري أنه: “ليس هناك شهود إثبات ضد سامية شانون في أكثر جلسات تقديم الأدلة ضدها ما عدا شرطياً واحداً قال إنه “سمع” فقط أنها شاركت في قتل رجال شرطة ومثلت بجثثهم في كرداسة.”

***

عندما حكم على ماهينور المصري بالسجن للمرة الأولى فتح لها الباب على عالم لم تكن تعرف عنه شيئاً، عالم النساء الفقيرات المدينات من ضحايا هذا النظام الوحشي. كانت زنزانتها قريبة من زنزانات المحكوم عليهن بالإعدام فعقدت معهن علاقة قوية. وفي عيد ميلادها الثلاثين تلقت هدية من إحدى السجينات اللواتي سيتم إعدامهن. كانت الهدية لعبة دب أحمر اللون واختارت المرأة هذا اللون كي تذكرها باللون الأحمر للباس المحكومات بالموت وأرادت من ماهينور أن تتذكرها إن تم إعدامها.

وقد أمضت مدة حكمها في سجن القناطر حيث تعرفت على مجموعة من الإسلاميات، وخلق السجن بينهم علاقات جديدة على الرغم من أن كلا من الطرفين من خلفية مغايرة للآخر. تلقت أيضاً من سامية شنن –بائعة الفاكهة- سبحة صنعت من بذور الزيتون.

يذكر أن المرة الأولى التي تعرضت فيها ماهينور المصري للسجن في العشرين من مايو/أيار 2014 وحكم عليها بالسجن 6 أشهر بعد استئناف الحكم بسبب مشاركتها في تظاهرة أمام محكمة الإسكندرية في أثناء جلسة محاكمة قاتل خالد سعيد.

والمرة الثانية أمضت فيها سنة و 3 أشهر في سجن البادية من 11 مايو/أيار 2015 إلى 13 أغسطس/آب 2016 على خلفية اعتصام للمحامين جرى داخل مركز للشرطة للمطالبة باعتذار ضابط شرطة لنقابة المحامين بعد أن صفع محامياً على وجهه ومنعه من دخول مركز الشرطة. كان ذلك في عهد الإخوان المسلمين وأعيد فتح القضية بعد الثلاثين من يونيو 2013.

***

تقول رانية الشيخ: “أحب ذكرياتي وأحب التحدث عنها”. ما زالت ترتدي خمارها الأبيض التي ارتدته في سجن القناطر، وما زالت تؤمن بالثورة كما تقول، ولم تكسر مدة سجنها إرادتها. تقول: “لم أشعر بالانكسار ولم يستول السجن على حياتي. بالعكس، أنا أحس بحاجتي الآن إلى فعل الكثير لمساعدة أصدقائي على الخروج.”

لم تسمح رانية للاكتئاب بأن يستولي على حياتها في السجن، فبدأت بصنع الأساور في زنزانتها ونقش عبارات “صنع في السجن” و “اليأس خيانة” و “نحن أحرار وسنبقى أحراراً” عليها.

كذلك أقتربت رانية من السجينات الجنائيات، وتعلمت أن لا تحكم عليهن من زاوية الجرم الذي اقترفنه. فقد تعرفت على امرأة تقول إن والديها أجبراها على تعاطي المخدرات فكانت تعاني من آثار الانقطاع عنه بعد إدمانه. حاولت رانية مساعدتها بقدر ما تستطيع، حيث رأت فيها ما هو أعمق من مجرد “مدمنة مخدرات”.

لم يمنع رانية صدور عفو رئاسي عنها من بذل مزيد من الجهد من أجل السجينات. فرانية خارج السجن الآن لكنها تنتظر صديقتها التي تعتبرها أحد أفراد أسرتها.

***

بعد اعتقالها في ديسمبر 2013، ظل إبراهيم رجب خطيب أسماء حمدي الطالبة مواظبا على كتابة خطابات لها، وطلبت منه أيضا إرسال صور له وهو يقوم بكتابة الرسائل، إبراهيم لم يتوقف عن إثارة قضية أسماء على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى المستوى القضائي، إلى إن تم الافراج عن أسماء، وبعدها اختفى ابراهيم قسريا لمدة شهر، ثم خرج مرة أخرى، وتم عقد زفافهما منذ شهر تقريبا.