لم تنسى الشابة الثلاثينية يسرى بلحاج بعد أربع سنوات عن مغادرتها السجن بتهمة استهلاك الحشيش، الذكريات الأليمة التي عاشتها في سجن النساء بمحافظة منوبة المتاخمة للعاصمة تونس.

تسعة أشهر بتمامها وكمالها مرت قاسية وموحشة على الفتاة وهي تقبع في زنزانة سجن النساء في محافظة منوبة (بالشمال)، وذلك لمجرد تدخين سيجارة حشيش أو كما يعرف في تونس باسم “الزطلة”.

ولم تكن يسرى مغنية الراب بمفردها في محنتها، فقد تعرض خالد خطيبها كذلك إلى لنفس المصير وبسبب نفس التهمة، وهو ما جعلهما يعيشان وضعا اجتماعيا صعبا بعد انقضاء فترة محكوميتهما.

ابتزاز أمني

كانت يسرى تتقدم بخطى ثابتة بعد الثورة بفضل إقبالها على الحياة واهتمامها بالموسيقى، لكن حياتها انقلبت رأسا على عقب بعد أن قبض عليها في العاصمة تونس رفقة خطيبها في سنة 2013.

في ذلك الوقت كانت يسرى مع خطيبها يشاركان في وقفة احتجاجية تطالب بالكشف عن قتلة السياسي اليساري المعارض شكري بلعيد الذي وقع اغتياله آنذاك، لكن حصل ما لم يكن في الحسبان.

بسبب تدخين الحشيش مع خطيبها تم إلقاء القبض على مغنية الراب وخطيبها وسيقا إلى مركز للأمن حيث تعرضا للشتم والضرب ثم الابتزاز والمطالبة بدفع رشوة مقابل الإفراج عنهما، كما تقول.

رفضت يسرى وخالد الاستجابة لمحاولات إقناعهما بدفع رشوة لإطلاق سراحهما، فتم عرضهما لاحقا على المحكمة التي تحكم في مثل هذه القضية بسنة سجن وغرامة مالية قردها ألف دينار (450 دولار).

تجربة قاسية

مرت على يسرى تسعة أشهر في السجن تنقلت فيها الفتاة بين زنزانة وأخرى في غرف صغيرة في سجن النساء بمنوبة وهو السجن الوحيد بالعاصمة ويجمع سجينات حق عام مع سجينات “الإرهاب”.

أما خالد خطيبها فقد زج به بسجن المرناقية بالعاصمة الذي يعاني من الاكتظاظ الشديد على الرغم من أن له أعلى طاقة استيعاب وذلك مقارنة ببقية السجون التونسية التي يتجاوز عددها العشرين.

وتعتبر قضايا استهلاك مخدر “الزطلة” أو القنب الهندي من أكثر القضايا الطاغية التي تعج بها السجون التونسية، وهو ما جعل عديد النشطاء يطالبون بإلغاء قانون 52 المتعلق باستهلاك هذا المخدر.

تقول يسرى لمراسلون إنها عاشت تجربة مريرة في سجن النساء بمنوبة بسبب قضية “تافهة” لكنها حطمت مستقبل الآلاف من الشباب الذين كانوا يدسرون أو يعملون يحلمون بمستقبل أفضل.

بعدما انقضت فترة سجنهما تزوجت يسرى أخيرا بخالد لكن فرحتهما لم تدم طويلا فقد خسرا الاثنان مسيرتهما الفنية وتراجعت إمكانيتهما المادية لإنتاج أغاني “راب” قادرة على استقطاب محبيهم.

مستقبل غامض

اضطر خالد بعد إنجابه طفلا لبيع معدات محله الصغير للإعلامية كان قد جهزه ليؤمن نفقاته اليومية مع عائلته وقد زادت عقوبته السجنية بسبب استهلاك المخدر في صعوبة حصوله على عمل.

تشعر زوجته يسرى بالقهر بسبب تردي ظروفهما المادية وتقول متحدثة لمراسلون عن تجربتها “إنهم يستعملون عقوبة تدخين الزطلة للزج بالنشطاء في السجن وتحميلهم ثمنا باهظا يكلف حياتهم”.

ويشعر خالد هو الآخر بالنقمة، قائلا “يستعمل ببعض الأحيان الأمن عقوبة استهلاك الزطلة لردع النشطاء، بينما رأيت بأم عيني كيف تباع الزطلة وتشترى بسجن المرناقبية حيث قضيت عقوبتي”.

ويضيف لمراسلون “الزطلة كانت تباع داخل السجن بأسعار خيالية. لقد كنت أرى بالسجن شبكة لمروجي مخدر الزطلة يتداخل فيها أمنيون وبعض أعوان السجون وسجناء يعملون لصالحهم”.

ويواصل خالد حديثه متحسرا أن “المشكل الذي أواجهه منذ أربع سنوات ويواجهه كثير من أصدقائي ممن سجنوا بسبب الزطلة أننا لا نستطيع العمل في الكثير من الأماكن جراء عقوبة السجن”.

قصة يسرى وخالد مغنيا الراب لا تختلف عن آلاف القصص الأخرى لشباب تونسي يشعر بكثير من المرارة والانكسار. إنهم يرون أن عقوبة السجن بسنة ودفع خطية مالية حكم “قاس” عليهم.

وتؤكد جمعيات تطالب بإلغاء عقوبة السجن عن مدخني “الزطلة” بأن هناك دراسات أثبتت أن السجن فشل في منع المدخنين عن العود، معتبرة أنه أشد خطورة من مخدر “الزطلة”.