الفكرة بالأساس كانت البحث عن أحد الشباب الذين أمضوا فترة عقوبة في المؤسسة العقابية للأحداث الشهيرة باسم “الأصلاحية”. كنا نريد ببساطة إن نرى كيف أثرت تلك الفترة/ العقوبة في الشاب، وكيف تمت إعادة تأهيله للخروج للمجتمع مرة أخرى كفرد صالح كما هو الهدف من وجود تلك المؤسسات العقابية.

لكن بدأ الأمر مستحيلا، وزارة التضامن الاجتماعي –التي تشرف مع وزارة الداخلية على هذه المؤسسات- رفضت اعطاءنا أي بيانات يمكن أن تساعدنا في البحث، وأيضا أي معلومات يمكنها أن تظهر كيفية عمل تلك المؤسسات.

فلجأنا إلى الجمعيات الأهلية التي تتعاون مع تلك المؤسسات العقابية في تدريب الأطفال/ المراهقين الذين يقضون فترة العقوبة في الداخل، ولكن يأتي الرد متكرراً في كل مرة من العاملين في تلك الجمعيات المساعدة لتلك المؤسسات “لم ينجح أحد”،  فأغلبهم بعد الخروج إما في دور إيواء أو في الشارع، أو عادوا مجدداً للجريمة.

***

يوجد نوعان من المؤسسات العقابية “الأحداث أو الإصلاحية” في مصر، المؤسسة العقابية المغلقة في حي المرج-شرق القاهرة- وتقع تحت إشراف وزارتي الداخلية والتضامن الاجتماعي، ويدخلها الأطفال من سن 15 إلى 18 عام، وهي نوع من السجون شديد الحراسة، والمؤسسات العقابية شبه المغلقة وتكون أقل في الحراسة وتابعة لوزارة التضامن الاجتماعي ، ويدخلها الأطفال تحت سن 15 عام، ويندرج الأطفال في كلا النوعين حسب العقوبة الجنائية.

ويبلغ عدد المؤسسات العقابية في مصر 24 منها 18 مؤسسة مختصة بالأطفال الذكور و6 مؤسسات للإناث، ويوجد حوالي 32231 حالة مستفيدة، حسب دراسة ميدانية أجراها باحثو جمعية حياة للدمج المجتمعي في يناير عام 2016.

وتعتمد المؤسسة العقابية على قضاء الأطفال لمدة العقوبة مع تدريبهم في ورش مثل الحياكة والحدادة، عادة ما تكون مدتها 6 أشهر.

***

تذكر المحامية دعاء عباس رئيس الجمعية القانونية لحقوق الطفل المصري “هناك مشكلة في إيجاد فرصة طيبة من الشباب، لأن دور وزارة التضامن الاجتماعي غائب، فأغلب هؤلاء الشباب، دخلوا في قضايا بسبب مستواهم الاجتماعي والمادي مثل السرقة والقتل، وأغلبهم إما عاد إلى الجريمة أو في دار إيواء”.

هدف الجمعية القانونية –أنشئت 2005-  يتمثل في مساعدة الطفل على تلقي الدعم النفسي، فالأخصائي النفسي في المؤسسة العقابية من وجهة نظر دعاءغير مؤهل للتعامل مع احتياجات المراهقين، وأيضا تعمل الجمعية على دمج خريجين المؤسسة في المجتمع عبر تعليمهم الكتابة واستخدام الكمبيوتر، إلى جانب بحثها عن حقوق المراهقين في المؤسسة ورصد وتوثيق الانتهاكات في معاملة الأطفال.

أشارت عباس إلى أن: “ما يحدث في المؤسسة العقابية العكس تماماً فالورش التدريبية لا تتعدى دائرة الحدادة والتطريز، ولسيت كافية لإيصال الطفل أو المراهق لمستوى محترف في المجالين، مما يجعله غير مؤهل للعمل، هذا مع كون التدريبات غير منتظمة أصلا”

***

تشكو دعاء من عدم تمكنها من القيام بعملها بالشكل الذي ترجوه، فهي تلتقي بموكليها على هامش الجلسات في النيابة، لكن غير مسموح لها بزيارتهم في المؤسسة ، رغم أن جمعيتها حاصلة على ترخيص بالعمل من وزارة التضامن الاجتماعي.

وتتمنى تفعيل دور الجمعيات الحقوقية طبقاً لقانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل برقم 126 لسنة 2008 والذي ينص على ضرورة التعاون بين المؤسسات الحكومية المعنية بالأطفال مع الجمعيات الأهلية العاملة في نفس المجال.

***

من ناحية أخرى يوضح أشرف عبد المنعم مدير مشروع حماية الأطفال المعرضين للخطر الذي تقوم به جمعية “مصر المحروسة بلدي” عمل الجمعية قائلا: “الجمعية تساعد الأطفال تحت سن 15 عام الذين قاموا بعمل مخالفات تستدعي عقوبة بسيطة، ويتم إيداعهم في دور الرعايا الاجتماعية”.

وتابع” وتقوم الجمعية بمشروع بالتعاون مع دور رعاية تعليمية، ومن خلاله نساعد الأطفال الذين فقدوا فرصة الالتحاق بالمدرسة ونعلمهم حرف من خلال الورش، ونقدم مدرب لكل هواية تتعلق بالمهارات الفنية والموسيقية”.

يذكر عبدالمنعم أن المشروع الذي تقوم به الجمعية مدته 3 سنوات فقط وهي مدة قليلة على تخريج دفعة جديدة مؤهلة ..”نعمل على مدار 3 سنوات وهدفنا هو دمج الطفل مع المجتمع، وحتى الأن لم نواجه أطفال تم تأهيلهم بالكيفية المأمولة”.

ويضيف” عدد الأطفال الذين دخلوا المؤسسات مقارنة بالعاملين في إدارة المؤسسات لا تجعلهم قادرين على المتابعة اللاحقة للأطفال”.

وختمت دعاء عباس حديثها قائلة: “وزارة التضامن لا تقوم بدورها في متابعة الشباب الخريجين من المؤسسة العقابية، وأغلبهم يعودون للجريمة”.

 

 

تصوير: خالد سلامة