اختلفت القراءات في تونس بشأن دعوة الرئيس الباجي قائد السبسي للمساواة في الإرث بين من اعتبرها بادرة حقوقية لتعزيز مكتسبات المرأة وبين من رأى بأنها دعاية انتخابية مبكرة، بينما ذهب آخرون لحد القول بأنها إذعان لإملاءات الاتحاد الأوروبي.
وكان الرئيس التونسي الباجي قياد السبسي قد دعا بمناسبة الذكرة 61 لصدور مجلة الأحوال الشخصية (وهي مجموعة قوانين تحوي ضمانات عديدة لحقوق المرأة) لصياغة قانون جديد يتيح المساواة في الإرث ويسمح للمرأة بالزواج من غير المسلم.
وقد شكل السبسي لجنة أطلق عليها لجنة الحقوق الفردية والمساواة ترأسها النائبة بشرى بالحاج حميدة وتضم شخصيات قانونية وحقوقية وإعلامية من أجل دراسة القوانين المتعلقة بالميراث قبل الشروع بإعداد مشروع قانون سيعرض لاحقا على لبرلمان.
وسرعان ما أخذت ردود الأفعال تجاه هذه المبادرة شكل كرة الثلج، إذ تباينت الآراء بين مؤيدين لها من منطلق حقوقي يدعو إلى إزالة الفوارق الاجتماعية فورا بين الجنسين وبين معارضين لها من منظور ديني يرى بأن الدعوة تتعارض مع الفقه الإسلامي.
دعاية انتخابية
وقد تباينت القراءات حول تفسير دوافع السبسي للإعلان عن هذه المبادرة في هذا التوقيت بالذات لاسيما وأن البلاد مقبلة بعد حوالي أربعة أشهر على إجراء أول انتخابات بلدية بعد الثورة، مما جعل البعض يعتقد أن دعوته ليست سوى “دعاية انتخابية”.
ولم يستبعد سياسيون رغبة السبسي من خلال طرحه لقضية المساواة في الإرث في مغازلة قطاع واسع من الناخبات التونسيات اللاتي طالما حلمن بتحقيق هذا المطلب لاسيما وأن تعزيز مكتسبات المرأة كانت على رأس وعوده الانتخابية السابقة.
ويذهب سياسيون لاسيما من حركة النهضة وبعض أحزاب المعارضة لتأكيد هذا الطرح، معتبرين أن الدافع الخفي وراء مبادرة السبسي هو مزيد كسب ثقة المرأة لاسيما وأن أصوات النساء في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 قد حسمت فوزه وأوصلته إلى كرسي قصر قرطاج على حساب خصمه الرئيس السابق المنصف المرزوقي.
ويرى هؤلاء بأن دعوة السبسي كانت مدروسة لكسب تأييد الأوساط النسائية من أجل دعم حزبه نداء تونس الذي يقوده نجله حافظ قايد السبسي في الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول المقبل، ناهيك عن وجود احتمال لرغبته في جذب أصوات النساء خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2019 في حال قرر الترشح.
إملاءات أوروبية
ولم تتوقف القراءات عند هذا الحد فقد ذهبت مواقف أخرى إلى حد القول بأن دعوة السبسي تعكس “إذعانا” لسياسات الاتحاد الأوروبي الذي دعا برلمانه لإقرار المساواة في الميراث بين المرأة والرجل وهو ما أكده أمين عام حركة وفاء عبد الرؤوف العيادي.
ويقول العيادي إن برلمان الاتحاد الأوروبي طالب من تونس العمل على مراجعة مجلة الأحوال الشخصية وتنقيحها بما يضمن المساواة في الميراث بين الجنسين “بهدف تنميط المجتمع التونسي وترسيخ القيم الكونية فيه على حساب القيم الإسلامية”.
ولا يختلف مع هذا الرأي النائب عن حركة تونس الإرادة عماد الدائمي الذي رجح بأن تكون هناك “ضغوطات أوروبية” على تونس قصد تحقيق المساواة التامة في الإرث. ويقول “لقد تعودنا على أن تستجيب منظومة الحكم الحالي لضغوطات خارجية”.
تضليل مقصود
لكن بالنسبة إليه يكمن الدافع الأبرز وراء مبادرة السبسي في “محاولته تقسيم الرأي العام التونسي وإبعاده عن قضاياه الحقيقية الراهنة في ظل استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وذلك من خلال خلق مشاكل مصطنعة لا تخدم مصلحة الشعب”.
بدوره لا يجد النائب عن حركة النهضة الحبيب خضر في دعوة السبسي سوى “محاولة لتحويل وجهة الرأي العام”. ويقول إن “الزج بالبلاد في مواضيع خلافية كالمساواة في الارث وزواج المسلمة بغير المسلم لا ينسجم مع التحديات الكبرى في هذه المرحلة”.
مشروع إصلاحي
لكن على عكس ما ذهبت إليه القراءات السابقة فإن المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي يرى بأن مبادرة السبسي تأتي في سياق التحولات التي عرفتها البلاد بعد الثورة والتغييرات الحاصلة في المجتمع الذي ما انفك يراكم مكاسب عديدة للمرأة وآخرها التصديق على قانون مناهضة العنف ضد المرأة نهاية شهر جويلية/يوليو الماضي.
ويقول لمراسلون “اعتبر أن ما طرحه الرئيس يندرج في إطار قناعاته الشخصية بضرورة تعزيز مكاسب المرأة لاسيما وأنه متأثر بالمشروع الإصلاحي للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة”.
واستبعد الجورشي (وهو أحد أعضاء لجنة الحقوق الفردية والمساواة التي كلفت بمراجعة القوانين المتعلقة بالميراث) أن يكون الجانب الانتخابي هو الطاغي على المبادرة، قائلا “يريد السبسي أن يدفع باتجاه تعزيز المنظومة الحقوقية للمرأة قبل نهاية ولايته”.
ويقول “أرى أن ما أعلن عنه الرئيس يندرج في إطار مزيد تطوير التشريعات التي تضمن حقوق المرأة”، مشيرا إلى أن مبادرته ستصطدم بعقبات حادة إذا كانت مبنية على نظرة انتخابية بحتة باعتبار أن هناك جزء من المجتمع معارض لهذا التوجه.
بدورها تقول النائبة بشرى بلحاج حميدة ورئيسة لجنة الحقوق الفردية والمساواة إن مبادرة السبسي تأتي في سياق تعزيز حقوق المرأة بناء على التغييرات الحاصلة في المجتمع.
من جهتها تقول ممثلة الفدرالية الدولية لحقوق الانسان في تونس يسرى فراوس إن مبادرة الرئيس التونسي بإقرار المساواة في الإرث “تحفظ كرامة النساء التونسيات” في ظل تعرض بعض النساء إلى انتهاكات حرمتهن من حقوقهن في الإرث.