كان خطاب الرئيس التونسي الباجي قياد السبسي بمثابة الوقود الذي أشعل فتيل النقاش مجددا بعد إعلانه عن الشروع في مراجعة القوانين لإقرار المساواة في الميراث.
وأعلن السبسي عن تشكيل لجنة الحقوق الفردية والمساواة التي ستقوم بمراجعة القوانين قبل صياغة مشروع قانون يساوي في الميراث سيعرض عقب ذلك على البرلمان.
ويستمد القانون المحدد للميراث في تونس أحكامه من الفقه الإسلامي، لكن منظمات نسائية ونواب بالبرلمان طرحوا سابقا مبادرات لتنقيح القوانين وإقرار المساواة التامة.
وكان مهدي بن غربية الوزير المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني أول من طرح مبادرة تشريعية تقوم على المساواة في الميراث بين الجنسين.
مخالفة الشرع
لكن تلك المبادرة عارضها مفتي الجمهورية التونسية عثمان بطيخ بدعوى أن القرآن هو المحدد في قسمة الميراث قبل أن يغير موقفه بطريقة مفاجئة ويتبنى مبادرة الرئيس الباجي قايد السبسي التي قد أثارت انقساما واسعا داخل البلاد وخارجها.
ولئن تقف منظمات في المجتمع المدني وأحزاب سياسية صفا واحدا مع مبادرة السبسي، فإن أئمة ومشايخ في تونس قد عبروا عن رفضهم القاطع لهذه المبادرة.
المفتي السابق حمدة سعيد هو أحد المعارضين لهذه المبادرة التي يقول إنها تتعارض مع النص القرآني المتعلق بالميراث “الذي فيه إجماع واسع من العلماء المسلمين”.
ويقول سعيد لمراسلون إن أحكام القرآن فيما يتعلق بالميراث لا تحتمل التأويل أو التنظير، مبينا أن “القرآن حاسم في تقسيم الميراث وأن الإنسان لن يكون أعدل من الله”.
ويوضح بأن تأويل القرآن ينطبق على النصوص الظنية وليس على الألفاظ الدالة مثلما جاء في الآية 11 من سورة النساء: “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين”.
ويقول لمراسلون إن تونس عرفت “انحرافا في سير الحياة الاجتماعية نتيجة قوانين وضعية كلفت المرأة بمهام تفوق طاقتها باعتبارها كائن لطيف عكس الرجل قوي البنية”.
ويرى حمدة سعيد أن المساواة التامة بين الجنسين سحبت البساط من الرجل بأن يكون مسؤولا على العمل والإنفاق على بيته مثلما تقره ذلك أحكام الشريعة الإسلامية.
ومن هذه الزاوية يقول إنه يمكن فهم سبب إعطاء الرجل نصيبا من الميراث يفوق نصيب المرأة في بعض الحالات المحددة تقديرا للمسؤوليات الملقاة على عاتق الرجل.
ويرى أن الرجل لا يمكنه أن يتقاسم مع المرأة المهام التي تعودت بها، “لذلك من الأسلم عودة المرأة لدورها الطبيعي وهو رعاية الأسرة وترك مهمة الإنفاق على الرجل”.
من جهته وصف عبد الله وصّف رئيس المجلس الإسلامي الأعلى السابق مبادرة السبسي بأنها “مبادرة خطيرة تمس من أحكام القرآن الذي حدد جميع حالات تقاسم الميراث”.
ويقول إن القرآن كرم المرأة وأسقط عنها مسؤولية الإنفاق لذلك لابد من الحفاظ على دور المرأة المحدد بالفطرة وحمايتها من مبادرات تضر بها أكثر من أن تفعها، وفق رأيه.
ويشدد على أنه لا يمكن لغير المختصين في شرح القرآن وتأويله الخوض بمسائل فقهية على اعتبار أن ذلك من شأنه أن “يفسد العلاقات في المجتمع بين الرجل والمرأة”.
من جانبها تعارض فاطمة شقوت أستاذة في كلية الشريعة بتونس مبادرة السبسي لأن “القرآن لم يهضم حقوق المرأة وإنما ضمن لها حقوقها كاملة في قسمة الميراث”.
وتوضح لمراسلون بأن أحكام الميراث في القرآن تحقق العدالة الاجتماعية، مبينة أن المرأة ترث أقل من الرجل بأربع حالات فقط في حين ترث المرأة بالتساوي مع الرجل في 15 حالة وترث أكثر من الرجل في 25 حالة وترث المرأة ولا يرث الرجل شيئا في 40 حالة.
وبينت أن الميراث لا يقوم على أساس الجنس بل على معايير أخرى جمعها الفقهاء وهي درجة القرابة بين الوارث والموروث وموقع الجيل حيث يرث الأصغر سنا نصيبا أكبر.
مسألة دستورية
في المقابل تقول يسرى فراوس ممثلة الفدرالية الدولية لحقوق الانسان في تونس لمراسلون إن تنقيح القانون المنظم للميراث يستند لمبادئ نصص عليها دستور البلاد.
وتوضح بأن الفضل الثاني من الدستور ينص على أن تونس دولة مدنية تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون وأن الفصل 21 ينصص على المساواة بين الجنسين.
وتعتبر فراوس أن هذه الفصول تعطي “الضوء الأخضر” لتطوير مكتسبات المرأة وتعزيز حقوقها من أجل إزالة الفوارق الاجتماعية التي ما تزال قائمة وتهدد حقوقها وكرامتها.
من جهتها تحترز الأستاذة الجامعية آمال قرامي على مواقف “بعض المشائخ”، مشيرة إلى أن هؤلاء يرفضون النقاش والتحاور في مسائل جدلية بذريعة الأحكام القرآنية.
وتقول لمراسلون “العالم الحقيقي لا يتخفى وراء حجة الغلق ويحاجج بالنص القطعي ولا يبقى متمسكا بالنقل بدل إعمال العقل والالتزام بالاجتهاد والتجديد”.
وتضيف “لا يمكن أن نتجاهل حقيقة مفادها أن آيات القرآن نزلت في تفاعل مع السياق التاريخي ومعبرة عن بنية اجتماعية خاصة تكون صالحة لزمان ما دون زمان آخر”.
لزوم الاجتهاد
وتقول قرامي لمرسلون “علينا أن نعيد النظر في منظومة الأحكام بهدف إرساء علاقة سوية مع النصوص من جهة، وعلاقة منسجمة مع مقتضيات العصر الذي نعيشه”.
وفي ردها على رأي المدافعين عن قانون الميراث في شكله الحالي بحجة أنه يظلم المرأة باعتبار أن لها نصيب من الميراث متساو أو أكثر من الرجل في أكثر من ثلاثين حالة، تقول قرامي إنه “آن الأوان للاستماع إلى آراء النساء وحكاياتهن وشهاداتهن”.
وتوضح “الإنصات إلى أصوات نسائية ستثبت أن النصيب المحدد شرعا لا تتمتع به شرائح عديدة من النساء قسرا أو استسلاما للأعراف أو خوفا من تفكك النسيج العائلي”.
وتضيف أن التذرع بأن النساء يرثن في عديد الحالات أكثر من الرجال يستند إلى نصوص شرعية تبقى في عدة حالات نظرية وغير مطبقة على أرض الواقع، وفق قولها.