يتنوع الزواج المختلط في المجتمعات بحسب تركيباتها الاجتماعية والسكانية، وهذا ما ذهب ببعض المختصين في علم الاجتماع وعلم النفس، إلى أن إطلاق تسمية الزواج المختلط والتي يتم استخدامها كمصطلح قانوني للتعبير عن الزواج بين رجل وامرأة من جنسيتين مختلفتين، هو تعبير يشوبه القصور في التطرق لحالات أخرى تمثل زواجاً مختلطاً، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الديانة والأصل “القبيلة” والعرق والمستوى الطبقي أو الاجتماعي، فكل هذه الزيجات من شأنها أن تتسبب بذات القلق النفسي والضغط الاجتماعي وتعرض الزواج لنفس المختنقات، ما دام الصراع بسبب الاختلاف هو التحدي القائم لاستمرار الزواج أو انتهائه.

هنا نجد أن الزواج المختلط في مفهومه القانوني ركز على الصراع الناتج بين الحضارات والثقافة الخاصة بكل جنسية، في حين يشمل هذا الطرح الواسع الصدام الحاصل بين الاختلافات التي على أساسها يتم التصنيف والتفريق، والتي في أغلبها تبنى على التمييز العنصري بين أبناء جنسية واحدة، وما يجعل الأمر مؤثراً في مجتمعاتنا هو تأخر المجتمعات العربية في تقبل اختلاف الآخر.

وإذا ما فصلنا التركيبة السكانية لليبيا فسنجد أن القبلية والمناطقية (شرق – غرب – جنوب) وتنوع العرق بين عرب وأمازيغ وتبو، بالإضافة لوجود أقليات ضئيلة جداً من أصول أوروبية كالقريت وأصلهم من جزيرة “كريت”، والكراغلة من أصول “تركية”، ومختلفي لون البشرة (أبيض وأسمر)، وهذه الاختلافات هي ما يفرق بينهم ويصنفهم إلى درجات وطبقات، في حين أن جميع الليبيين مسلمون بديانة واحدة، وأغلب هذه التركيبات اندمجت بشكل كامل لم يعد معه الزواج يشكل اختلاطاً يؤثر على استقرار وثبات الزواج أو يمنعه من الأساس، باستثناء بعض الحالات التي استمرت حتى وقتنا هذا.

تعتبر القبيلة مكوناً أساسياً للمجتمع الليبي، فقديماً كانت القبائل تفضل أن تزوج أبناءها من نفس القبيلة، بل كان من حق ابن عم الفتاة أن يقف حاجزاً لمنع زواج الفتاة من رجل ولو من نفس القبيلة بدرجة قرابة أقل، وكان يعرف هذا التقليد بـ”التحجير” لأحقية ابن العم بالزواج من الفتاة عن غيره، غير أن هذا الأمر تغير بعد أن تطورت حياة القبائل، ونشأت القرى الحديثة والمدن الكبرى، ولم يعد غريباً أن يتم الزواج خارج إطار القبيلة.

غير أن كبر مساحة ليبيا وتباعد مدنها كان يشكل حاجزاً آخر في المصاهرة بين الليبيين على أساس التقسيم المناطقي في الشرق والغرب والجنوب في فترات أقدم، حيث أن اللهجات المحلية والعادات تختلف من منطقة لأخرى، ولكن السنوات العشرة الماضية شهدت تطوراً تقنياً أسهمت فيه وسائل الاتصال من هواتف وإنترنت ومواقع تواصل اجتماعي وتطبيقات اتصال في التقريب بين المناطق المتباعدة في ليبيا، وكسر حاجز المسافة، وفرض فرص التعارف والمصاهرة، ومنحت فرصاً للشباب لأخذ قرار بالارتباط والزواج في تحدٍ لما خاف المجتمع منه.

وبالعودة للاختلاف العرقي، نجد أن منطق المصاهرة بين الأمازيغ والعرب مثلاً ما يزال مرفوضاً، كما أن تبعاته اجتماعياً قاسية جداً، تصل إلى حد قطع العلاقة مع من يكسر القانون، وإن حدث الزواج خارج رضى العائلة فلن يكون استمراره سهلاً بسبب القطيعة، والتي إن تم تجاوزها سيتسبب الاختلاف الثقافي في إرباك العلاقة التي يتأثر بها بشكل مباشر الأبناء.

من أبرز الاختلافات المؤثرة اللغة على سبيل المثال، فاللغة الأمازيغية منعدمة التداول بين غير الأمازيغيين، وهي وسيلة للتواصل الخاص بينهم، كما يوجد تمييز واضح في العادات والمعاملات بين العرب والأمازيغ أو بين العرب والتبو لذات الأسباب.

ولا يمكن تجاهل تأثير الفرق في لون البشرة، ففي حالات الزواج بين مختلفي اللون يكون التأثير مُلاحظاً حتى لدى العامة، وكثيراً ما يلاقي مشروع الزواج هذا رفضاً من أهالي مختلفي اللون.

رأى بعض الخبراء الذين تطرفوا في تصنيف الزواج المختلط، أن الزواج من طبقتين مختلفتين أو من مستويين ثقافيين متباينين أو حتى انتمائين إيديولوجيين مختلفين يعد زواجاً مختلطاً، ويحدث الصدام فيها عادة بسبب النظرة الفوقية وما يترتب عن الاختلاف بين الشريكين من صدام في وجهات النظر والقناعات، ويتحدد الفشل والنجاح فيها بقدرة الطرفين على التفاهم والتنازل للوصول لنقطة التقاء.

زيجات مختلطة كثيرة تحدث كل يوم ورغم أنها تعاني في الغالب من صعوبات في بداياتها لكن استمرارها يمنح فرصة لإقناع المجتمع أن الأمر ناجح، وقد تمكنت بالفعل المدن الكبرى من إدماج الأقليات وصهر أصولها، وإلغاء معنى العنصرية، حيث أن الجذب الذي مارسته المدن الكبرى في الغالب من أجل الحصول على حياة أفضل مزج الأعراق والألوان والمناطق التي اندمجت بعد مئات السنين وذابت في زحمة المدينة.