“جئت من إندونيسيا للدراسة في الأزهر وعملت مدربًا لرياضة فن الدفاع عن النفس -المعروفة  لدينا ب”السيلات” في المركز الثقافي الإندونيسي بالقاهرة وبعد سنوات خالفت عاداتنا هناك وتزوجت مصرية” هكذا لخص روني إيراوان- 30 عامًا- من إندونيسيا قصة مجيئه إلى مصر والاستقرار فيها.

لكن الحكاية كانت أكثر تعقيدا، ومليئة بتفاصيل كثيرة. في عام 2005 جاء إيراوان إلى مصر للدراسة بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر.. “أمام الإندونيسيين ثلاثة بلاد لاستكمال التعليم الديني إما كردستان أو السودان أو مصر” قال إيراوان، لكن نصحية من  صديق له يدرس بالأزهر، جعلته يحسم اختياره بالمجيء إلى مصر، خاصةً وقد تعلم اللغة العربية خلال دراسته في المدرسة الدينية في إندونيسيا.

***

يذكر مدير المركز الثقافي الإندونيسي والملحق الثقافي بالسفارة في القاهرة “وحيودي عبدالرحيم” خلال مكالمة هاتفية لـ “مراسلون” أن عدد الإندونيسيين بمصر يبلغ 3500 شخص،  بعضهم جاء للدراسة في الأزهر وآخرون جاءوا  للدراسة في الجامعات المصرية الأخرى.

يذكر أن المركز الثقافي الإندونيسي في القاهرة أنشيء عام 1987، ويقدم المركز دورات في اللغة الاندونيسية، الرقص والعزف على الآلات الموسيقية المحلية والطبخ، ويقدم 13 منحة للدراسة في إندونيسيا. ويقدرعبدالرحيم عدد المتدربين المصريين المسجلين في الدورات الحالية إلى  حوالي 733 متدربًا، أغلبهم في لعبة السيلات التي استحوزت على  اهتمام أغلب المصريين، حيث انضم 350 متدرب في الوقت الحالي.

***

كانت ندى حسين ساعتها في الصف الثاني الثانوي الأزهري، وتعمل محفظة للقرآن الكريم بأحد المساجد بمنطقة الهرم بمحافظة الجيزة، وكانت تبحث عن رياضة تعلمها الدفاع عن النفس، فدلتها إحدى صديقاتها على رياضة “السيلات” والمركز الثقافي الاندونيسي. تتذكر ندى :” كانت المدربة بنت ووقتها كان في فريق بنات لوحده،  وده نادرًا، وكانت تُدربنا على تمارين اللياقة البدنية وده شجعني على اللعب والذهاب إلى المركز”.

بعدها تغيرت المدربة، وجاء مدرب آخر، وقف في منتصف قاعة التدريب وتلاميذه أمامه، يؤدي التحية لهم ثم يردونها له، يبدأ أولى حركات تعليم السيلات، مرتديًا حِلة حمراء فضفاضة من بعض الجوانب وقماشة زرقاء يلفها حول وسطه ، أما ندى فتقف في أحد الصفوف تتعلم منه، مرتدية حلتها بالإضافة إلى تنورة دائرية حوافها مزركشة بشريط ذهبي.. كان المدرب الجديد إيراوان.

“منذ النظرة الأولى التي رأيت فيها ندى شعرت بشيء مختلف” يقول إيراوان “شيئا جذبني، لم اكتشفه في أول مرة، ولكني فسرته وقتها على أنها لديها خلفية في اللعبة، فيما تلا ذلك من تدريبات شعرت أني أعرفها منذ زمن بعيدًا، وبدأت التفكير في الزواج بها”.

***

لم تكن حياة إيراوان العاطفية فارغة تمامًا قبل ندى ” سبق لي الخطبة من إندونيسية لمدة 6 أشهر ولكننا لم نكن متفقان في الأراء مما دفعنا لأخذ قرار بعدم الاستكمال”.

قرر الفتى الاندونيسي التقدم لخطبة ندى، لكن قبلها.. “أخبرت أمي أن هناك فتاة من مصر أريد الزواج بها.. لم تعطيني رد غير البكاء لأنني سأبتعد عنها”.

فمن من عادات الجزيرة عندما يتزوج الرجل يعيش في بيت زوجته لمدة عام، كما أخبرنا إيراوان.. ولما كنت في سن الزواج – سن الزواج في سومطرة الغربية عادة مابين 22 إلى 25 عامًا- كان لأمي شرط هو أن تكون الزوجة من جزيرة سومطرة الغربية- فالمسافة مثلا بين جزيرة سومطرة الواقعة  في أقصى غرب إندونيسيا وبين العاصمة جاكرتا حوالي 1.280 كيلو متر- وأبي كان قد توفي وأنا بعامي الدراسي الأخير فكانت أمي تنتظر أن أتزوج لأستقر بجوارها، لهذا عندما اخبرتها بنيتي في الزواج من مصرية كانت تبكي ولا تجيب، واتصلت بأخي في إندونيسيا وتدخل حتى يقنع أمي، بعدها وافقت على زواجي من مصرية”.

***

فوجئت ندى أن مدربها يطلب رقم هاتف والدها، رغم أنه لم يحدث بينهما شيء في تلك الفترة، تتذكر ندى: “عاد أبي إلى المنزل وفهموا ما يطلبه، في البداية والدتي رفضت وقالت “كده كده هو مرفوض يجي ليه؟” حاولت إقناعها بأنه مدربي.. “الفكرة إني عايزاه يجي لأنه طلب الزيارة ..قلت هاتوه وبعدين ارفضوه”، لكن أمي كانت أشد رفضًا من أبي”.

اصطحب إيروان معه صديقه المصري إلى بيت ندى في المرة الأولى “كان يوم ثلاثاء في شهر ديسمبر، اصطحبت معي أحد أصدقائي المصريين المقربين، كنت أريد شخص فاهم العادات والتقاليد، وعندما قررت الزواج سألت المصريين بيتزوجوا ازاي وتعرفت على العادات والتقاليد المصرية “.

وتابع ” أخذ صديقي طوال الطريق يردد هنترفض، وعندما جلسنا تحدث صديقي عن كل شيء أما أنا فكنت صامتًا طوال الزيارة” وجاء رد فعل والدها طبيعيًا” لازم نتكلم مع العائلة”.

ساعتها كانت ندى تتابع الأحداث وتسترق السمع من وراء ستار البيت.. “جاء رد فعل والدي طبيعي لثقافة المصريين أما والدتي فقالت ” يعني هتاخد بنتي وتمشي!”.

على الرغم من الديانة المشتركة بينهما إلا أن هذا لم يشفع لإيراوان وجاء الرد بعد أسبوع، وأبلغ والد ندى صديق إيراوان سبب الرفض “قيل لي مافيش نصيب، كنت عايز أعرف ليه، فقيل لي علشان إندونيسي،  في الأول كنت زعلان وشعرت بلحظة ندم أننا لسنا من نفس الجنسية وكنت أشعر بالرفض، وعندما رفضني والدها كنت أقول بس أنا مسلم!”.

ترى ندى أن لأسرتها أسباب وجيهة من وجهة نظرهم “أنا أكبر أخوتي وعصب البيت.. فإزاي هسيبهم وأمشي، هو بعيد واحنا مش عاوزين بنتنا تبعد عننا، فكان التصور الأول لأهلي أنه سيأخذني ونسافر”

وتابعت” بابا قال إن كان مصري كنت وافقت عليه من أول مرة، احنا منعرفش فين أهله، واحنا معاشرنهمش، ممكن هو شخص كويس لكن عائلته منعرفش”. اتصل إيروان بندى “قولتلها إنتِ لو موافقة أنا هعمل كل حاجة، لو رافضة أنا مش هقدر أعمل حاجة”.

قالت ندى: “عندما رفض والدي آخر مرة قلت لإيراوان أنا عارفة بابا مش هيوافق ووقتها قالي  لو هو مش موافق أنا هنتظر 6 شهور وأقنعه بنفسي”

بعد الذهاب إلى والد ندى ثلاث مرات اقتنع الأهل به وأصبحت والدة ندى أكبر داعمًا له، ووافق والدها على الجلوس معه لتحديد موعد الخطبة بعد وضع شروط،  تخبرنا ندى” كان من ضمن شروط أهلى شراء شقة لضمان استقراري في مصر”.

ظل إيراوان بين المحاولة والرفض منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015 حتى شهر فبراير/شباط عام 2016.

***

حين تمت خطبة ندى وإيراوان كانت ممزوجًة بتفاصيل مصرية تمثلت في فستان العروس وزينة المكان  التي حولت المركز الثقافي الإندونيسي بالقاهرة في فبراير(شباط )عام 2016 إلى قاعة احتفال بخطبة ندى وإيراوان ” أقمنا الخطبة في المركز بعد موافقة من السفارة وارتديت فستان، أما إيراوان فارتدى حلة عصرية وفي الساعة الأخيرة ارتدينا زي إندونيسي وقمنا بأداء حركات إرتجالية من السيلات، أما العروض فكانت إندونيسية خالصة” وتتابع ندى بابتسامة مروسمة على وجهها.

جلس المدعوون من المصريين والإندونيسيين  لمدة ساعتين، يشاهدون عروضًا إندونيسية خالصة، ارتدى فيها إيراوان حِلة السيلات وقماش معروف بالسارونج حول وسطه، وتاج فوق رأسه  اسمه “كوداك”.

***

لا يعيش المصري المتزوج من أجنبية أو العكس لحظات عقد القران، وسماع صوت الزغاريد التي تعلو في الأرجاء من أقارب العروسين، ولكن عقد قرانهما يتم في وزارة العدل في مكتب زواج الأجانب.

لذا أجلا ندى وإيراوان احتفالهما بعقد القران حتى ليلة الزفاف في تموز عام 2016، والتي أقيمت بالقرب من بيت أهل ندى بحي الهرم، وأشهر فيها عقد الزواج وشهد على العقد والد ندى وأحد أقارب إيراوان،  تذكر ندى بحماس”كانت القاعة منقسمة إلى اثنين واحدة للفتيات فقط، والرجال في حديقة القاعة،  وارتديت فستان مصري فقط والنظام كان مصري خالص، ولكن في الحديقة قام المدربون المصريون والإندونيسيون بعمل عروض منها لعبة السيلات، وارتدى العريس حلة عادية”.

***

إيراوان أيضا كان لديه شروط ..”طلبي أن أخذ ندى وأقعد مع أمي 4 سنين في إندونيسيا” والدة ندى كانت قلقة من مسألة ابتعاد ابنتها، واقتنعت بعدها بفكرة الزيارات إلى مصر بعد السفر. وينتظر إيراوان وندى للعيش في إندونيسيا لمدة 4 سنوات بعدما تنتهي ندى من الدراسة – الأن في السنة الثانية بكلية أصول الدين- وسيعيشان في بيت مع والدته.

***

يتحدث إيراوان بعامية مصرية تختلط أحيانا ببعض الفصحى، وبدأت ندى في دراسة اللغة الاندونيسية، ويعيش الزوجان الأن بشقة في منطقة زهراء مدينة نصر بالإيجار، ولم ينسى الزوج وعده بشراء شقة، ويستعد لذلك خلال سنتين. أيضا ينتظر الزوجان طفلهما الأول، هو يفضل إن يسمي مولوده الأول أحمد إن كان ذكرا، ويناديه أصدقائه بأبو أحمد، وعائشة إن كانت بنتا، بينما تفضل ندى معتصم، وبشكل عام يريد الزوج الاندونيسي إن يمنح أول ابناءه اسما عربيا، إذ عادة ما تنقسم الأسماء في اندونيسيا بين أسماء عربية وأسماء اندونيسية أسيوية الطابع.