سعاد، اذهبي إلى محكمة سعيد حمدين وستندهشين من عدد أحكام الطلاق في اليوم الواحد، والتي تتعلق بأزواج من كل الأجيال. دعيني أقول لك بأن نظريتك خاطئة. ليس لأن الزوجين من جنسيتين مختلفتين  فمحتوم على زواجهم بالفشل. هذا غير صحيح. نحن الجزائريون نتزوج فيما بيننا في الصيف ونطلق في الشتاء“. هذه الأقوال لشابة جزائرية من رائدات منتديات النقاش على الانترنت، ردا على سعاد التي ترى بأن الزواج المختلط مآله الفشل.

في تعليقات الشابتين نوع من المبالغة لكن هذا لا ينفي الحواجز الذهنية والثقافية فيما يتعلق بالاختلاط بالأجناس الأخرى. تقول أخرى: “نحن دوما نخاف من حوادث الطائرة أكثر من حوادث السير، رغم أن الإحصائيات تثبت بأن احتمال الوقوع في حادث طائرة أقل بكثير من احتمال الوقوع في حادث سيارة. هكذا هو الزواج المختلط، مثل الطائرة، نعتقد أن فيه مخاطرة أكبر مما في الزواج أحادي الجنسية“.

فعلا، و بغض النظر عن جنسية الزوج أو الزوجة، يرتبط نجاح الزواج بعوامل كثيرة. كما يظهر من خلال قصة الشابة الجزائرية نسرين وزوجها كريم مزدوج الجنسية المقيمين بالجزائر العاصمة.

كريم هو من أب جزائري و أم بولندية يقدم نفسه كنتاج قصة حب بين أبويه. تجدر الإشارة هنا إلى أن القانون الجزائري لا يعتبر زواج الجزائريين من الجزائريين المتمتعين بجنسيات أخرى مختلطا ولا يوضعون في خانة الزواج المختلط بالجزائر. لكن استوقفتنا قصة هذا الثنائي الرائع لنسرين وكريم لما في زواجهما من ألفة تتحدى كل القيود الثقافية. فبرأي نسرين “سواء كان الزواج بين ابناء نفس البلد أو من جنسيات مختلفة، يتعلق الأمر بالتفاهم بينهما وقدرتهما على التوافق“. وتضيف شارحة: “أيا كانت طبيعة الزواج، فلن ينجح دون تنازلات من كلا الطرفين“.

يتجاوز الحب كل الحدود

تقول نسرين وهي مكونة في معهد للتكوين المهني في الثلاثينيات من العمر، أن ما يزيد التوافق بينها وبين زوجها  الذي يدير شركة عائلية تسوق موادا غذائية هو كونهما من نفس البيئة الاجتماعية. إذ ترى أن التكافؤ الاجتماعي من اهم عوامل نجاح الزواج.

هل تكون المصالحة مع الذات ممكنة عندما يخضع مزدوج الجنسية لتأثيرات نفسية وثقافية مختلفة؟ أيكون هذا التوافق موجودا بداخله أولا لكونه مزدوج الجنسية والثقافة أم لأسباب أخرى؟ هل الاختلاط نوع من الازدواج في الشخصية أم هو إضافة وغنى؟ من دون أي تفكير وبكل تلقائية يجيب كريم الذي استقر به الحال في الجزائر بعد طلاق والديه وهو لا يزال طفلا: “أعتبره غنى، أنا سعيد بالاستمتاع بهذه التأثيرات المختلفة أجد نفسي محظوظا بالتمتع بأكثر من ثقافة. آخذ الجيد والأحسن من كلتيهما. وجدت في الجانب البولندي طريقة حياة وتقاليد أفضلها ووجدت في عالم أبي روح العائلة والحميمية واللقاءات العائلية  وروابط إنسانية جميلة وحب كبير من جدي وجدتي“.

و إذ لم تخلو قصة والدي كريم من الاحكام المسبقة، فهو يعيش اليوم هذا الاختلاف بكل إيجابية، مفضلا الإقامة في الجزائر بالرغم من استحسانه لعديد مناحي حياة البولنديين. “لقد راودتني فكرة الذهاب الى بولندا من قبل، لكن القدر اختار لي أن أبقى وأعيش في الجزائر. ولدت في بولندا، تم تعميدي هناك ثم في سن العامين تمّ توريدي إلى الجزائر“، يقول كريم مبتسما. ويضيف بنفس النبرة المتهكمة: “يوم ولادتي كان الأهل ببولندا ينتظرون مولودا زنجيا، هكذا كانوا يرون الاختلاط مع إفريقيا“. فهو ليس أسود البشرة كما كان ينتظره الأهل ببولندا وليس أشقرا مثل والدته، طويل القامة لا تختلف ملامح وجهه الأبيض وشعره الأسود عن سكان حوض البحر الأبيض المتوسط. و أسلوب حياته بالجزائر و تفتّحه على الآخر لا يختلف كثيرا عن أسلوب حياة قاطنيها.

استطعت  أن أتأقلم مع المجتمع الجزائري بفضل جدي وجدتي، وأن أحقق رغبتي في اختيار أسلوب الحياة الذي أريده فحياتي هنا بولندية إلى حدّ بعيد ولا أرى في البيئة الجزائرية عائقا للعيش كما أريد. أحب حسن الضيافة الذي يتميز به الجزائريون وحبهم واحترامهم لكل ما هو أوروبي. نفس الشيء بالنسبة لعائلتي في بولندا التي بها الكثير من الحب والتماسك العائلي. أحب قرية جدي وجدتي البولنديين، كنت اقضي العطلة هناك، وهي من أسعد أيام طفولتي، حيث يوجد كل ما يحبه الطفل الذي كنته: الألعاب والمساحات الخضراء“، يحكي كريم، مستحضرا ذكريات طفولته.

وفي الاختلاط كثير من الرقي…

يجد كريم في الاختلاط جانبا من الرقي، رغم قسوته في بعض الأحيان:” أفضل أن آخذ من الثقافة الجزائرية ما هو جميل. لا أحب بعض المعتقدات التي فيها الكثير من التطير كالعين والحسد على سبيل المثال. و حتى وان كانا فعلا موجودين أفضل أن لا أعيرهما الاهتمام. الثقافة الجزائرية جميلة وغنية وأصيلة تحمل قيما كبيرة أتأسف انها بدأت تختفي”.  و يرى في اختلافه عن زوجته ما يبعد الملل عن الحياة الزوجية، و هذا بالرغم من ميوله أكثر الى ما هو بولندي في الكثير من مناحي الحياة : “أنا لا أحب الشقراوات فهن كثيرات في بولندا. كنت احلم بامرأة تحمل في ملامحها مزيج من الأشقر والأسمر، الإفريقي والأوربي معا، هي نسرين بالذات“. كذلك تجده زوجته نسرين. ليست الأكلات البولندية فقط ما يستهويها في الثقافة البولندية. بكل عفوية تجيب:” الحياة مع كريم خالية من التعقيدات. هو ذو عقلية متفتحة، يحب العائلة و أب ممتاز لطفلينا. كريم رجل حر وسهل المعاشرة في ذات الوقت. لديه جانب جزائري يتمثل في نخوته. ببساطة، أنا لا أشعر بالغربة معه“.

هي إذا العواطف الصادقة ما ينجح العلاقات الإنسانية على اختلاف الأعراق و الثقافات. و إذا كانت هناك ظواهر اجتماعية تؤدي بالناس الى رفض الاختلاط  مثل ما اشارت إليه مؤخرا جريدة “سلايت” الالكترونية الفرنسية في مقال تحت عنوان: “الحب و سمّ الشك في الزواج المختلط بين دول الشمال ودول الجنوب“، إذ نبهت من تفاقم حالات الاحتيال في الزواج المختلط بسبب لجوء الحالمين بحياة أفضل من سكان البلدان الفقيرة إلى اختيار أزواج من البلدان الغنية فقط ليتسنى لهم الحصول على وثائق إقامة في هذه البلدان. “تتقاسم الشعوب عديد القيم على الرغم من اختلافاتها، و أظن أن الكل سيكون على ما يرام عندما لا تكون هناك مصلحية في علاقاتهم“، يختم كريم.