تتحدث الباحثة في علم الاجتماع السياسي ريم نجيب عن تحوّلات جرت خلال المائة عام الماضية، تغيرت فيها علاقة المصريين بوطنهم كثيرًا. بين وطنية تشكلت في ظروف الاحتلال البريطاني –بدأ 1882- حيث بدأت القومية بشكلها الحديث تنتشر مع ثورة 1919، وتبلورت أكثر في الثلاثينات مع زيادة أعداد المتعلمين “الأفندية”. بعدها دخلت الوطنية المصرية مراحل مختلفة تميزت بالاستمرارية في بعض الخصائص و لكنها أيضا تفاوتت حسب طبيعة الأنظمة الحاكمة و سياساتها الاقتصادية و الاجتماعية، حسبما ترى ريم نجيب الحاصلة على دكتوراه من جامعة نورث وسترون بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد قارنت في أطروحتها بين أيديولوجيا الانتلجينسيا في كلٍ من مصر وإيران خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، وإلى نص الحوار الذي شارك في إعداد اسئلته الزميل عبد الله غنيم:
لنتحدث في البداية عن مفهوم الوطنية المصرية، هل تعتبرين أنه نشأ مع ثورة 1919؟ وما الفارق بين مفهوم الوطنية حينها وما قبلها حسبما طرحه مثلا الزعيم مصطفى كامل (1874 – 1908) أبرز وجوه مناهضة الاحتلال قبل 1919؟
– صحيح أن مصطفى كامل كان يروج لوطنية مصرية أساسها الولاء لكيان يُفترَض أنه يجمع بين الوحدة السياسية والثقافية، وتحث على الاستعداد للتضحية من أجل ذلك الكيان أو الجماعة المتخيَّلة – باسم مصر- و كان من أوائل من روجوا لهذا المفهوم الحديث.، لكنه كان يرى مصر كيانا تابعا للدولة العثمانية آنذاك، ويرى أن الرابط الإسلامي بين مصر كولاية عثمانية والباب العالي هي الأساس لهذه الوحدة السياسية-الثقافية، بينما أدت الظروف في مصر في أعقاب الحرب العالمية الأولى إلى حراك جماهيري واسع بين قطاعات مختلفة من المجتمع نتج عنها صعود الخطاب القومي المصري الذي طرح بشكل متزايد مسألة مصر ككيان مستقل و شعب ذو خصائص تميزه عن جيرانه. و بالرغم من اختلاف الحافز لكل قطاع منهم، فمثلا كان الفلاحون يتعرضون لمجاعات نتجت عن استيلاء القوات البريطانية والحكومة على محاصيلهم وماشيتهم وجمع الأنفار منهم للتجنيد في الحرب الدائرة، فكان غرضهم قطع وسائل الاتصال بالحكومة المركزية عن طريق قطع طرق السكك الحديد المؤدية إلى قراهم، بل وتمت مهاجمة بعض أقسام الشرطة والاستيلاء على الأسلحة بها، و وحدثت محاولات للتعدي على أملاك كبار ملاك الأراضي، ومن ناحية أخرى كان العمال أيضا ينظمون إضرابات وتظاهرات بسبب الاستغناء عن كثيرين منهم، وتدني أجور من احتفظوا بوظائفهم، وبسبب أيضا سوء المعاملة، وظروف العمل، وكان معظمهم يعملون بمصانع يملكها أو يديرها أجانب، فرأوا أن عملية استغلالهم كانت على أساس عرقي وديني، وفي المدينة أدى سخط “الأفندية” من الاستعمار، وسيطرة الأجانب على المناصب العليا في جهاز الدولة إلى تنظيم الطلبة لمظاهرات وإضرابات واسعة، وفي نفس الوقت ظهر تيار قوي بين كبار ملاك الأراضي يميل للاستقلال بسبب القيود التي فرضتها بريطانيا على زراعة و تجارة القطن أثناء الحرب… تصادف سخط كل تلك القطاعات من المجتمع من الاستعمار فصاغت النخبة السياسية “قومية” تسعى للاستقلال السياسي والاقتصادي مع التمسك بالبنية الطبقية القائمة، واستمرار سيطرة ملاك الأراضي على الحيز السياسي، وبالتالي روجت لخطاب وطني سلطوي ونخبوي في الأساس، هدفه الوحيد هو الاستقلال السياسي، وتمصير الاقتصاد بإلغاء الامتيازات الأجنبية وتشجيع الاستثمار المحلي في التصنيع، وإلغاء ديون كبار الملاك للبنوك الأجنبية إلخ. فجمع مطلب “الاستقلال” لأول مرة قطاعات واسعة من المجتمع، وبالتالي نشأ مفهوم “القومية” الحديث الذي يفترض أن مصر كيانا سرمديا يجسد روح جماعة متجانسة أثنيا وثقافيا، وتجمعها مصلحة واحدة، وهدف واحد، في مقابل العدو الخارجي المستعمر. بالطبع كانت هناك عوامل خارجية دولية ساهمت في صعود ذلك المفهوم الحديث، خاصة إعلان وودرو ويلسون حق الشعوب في تقرير مصيرها و هزيمة الإمبراطورية العثمانية و تفككها.
وبعد تلك الفترة العنيفة كيف صار الخطاب الوطني المصري في العشرينيات والثلاثينيات؟
– اتفق الأفندية والبرجوازية الصغيرة على ضرورة تمصير الاقتصاد، فنرى في العشرينات والثلاثينات حملات مقاطعة للمنتجات والمتاجر الأجنبية، والترويج للصناعات المحلية و محاولة إنشاء مصانع برأسمال مصري خالص إما عن طريق الاكتتاب أو التبرع أو عن طريق بنك مصر الذي أُنشأ في بداية العشرينات لذلك الغرض. لكن محاولة توجيه تراكم رأس المال الناتج عن تخصص الاقتصاد المصري في زراعة و تصدير القطن إلى الصناعة لم ينجح عمليا فحتى بنك مصر كان قد غير سياسته في الثلاثينات و لجأ بالأساس للشراكة مع رأس المال الأجنبي، ولكن الأفندية استمروا في يقينهم و ترويجهم لفكرة الاستقلال والجهاد الاقتصادي ضد الاستعمار. و كثيرا ما أخذ حراكهم منحي عنصريا، فمثلا اتجهت جمعية “المصري للمصري” الذي أنشأها سلامة موسى (1887 -1954) إلى المناداة بمقاطعة الصحافة المملوكة للشوام والتشكيك في ولائهم و تصويرهم على أنهم في مجملهم أعوان للاستعمار ومتآمرين ضد المصلحة الوطنية. كما كان الأفندية يروجوا لمقاطعة متاجر اليهود والأقليات المتمصرة، ويدعون لتصفية مصر من الشوائب الدخيلة حتى أن أحمد حسن الزيات كتب في مجلته “الرسالة: “أن اليوم الذي ستكون كل المتاجر لها أسماء عربية وملاكها مصريون هو اليوم الذي سيكون ماء النيل فيه قد صفى”.
ومن أهم خصائص تلك الوطنية هي أنها تفترض أن الاستغلال لا يحدث بين أبناء الوطن الواحد بل هو يُمارَس من جانب الأجنبي (عرقيا) على المصريين ككيان واحد لا يتميز فيه مالك الأرض عن الفلاح أو العامل. وكان ذلك الافتراض يغفل أشكال التفاوت الفجة التي كانت تميز المجتمع المصري آنذاك، واستئثار كبار ملاك الأراضي بالحكم الذي رسخ له دستور 1923.
ظل الوضع الاقتصادي على هذه الحال، حتى يوليو 1952 فما الذي تغيّر في الأربعينيات؟
– كانت امتدادًا للثلاثينيات، إلا أن الكفاح المسلح كان الإمكانية الوحيدة المتبقية للأفندية في ظل سيطرة كبار ملاك الأراضي المحافظين على المجالس النيابية وجهاز الدولة. فاتجهت التنظيمات السياسية في تلك الفترة، مثل حزب مصر الفتاة- الذي كان قد غير اسمه للحزب الإسلامي الاشتراكي- وجماعة الإخوان المسلمون إلى رفض المؤسسات النيابية والحزبية، وتصوير تلك المؤسسات على أنها غطاء للأهواء والمصالح الشخصية التي تحكم السياسة في مصر فلجأت تلك المنظمات إلى دعم فكرة الكفاح المسلح، ورفض الديموقراطية التمثيلية والحزبية، وكانت تلك بداية التعظيم من شخصية “الفدائي” كتجسيد للوطني المترفع عن الأهداف والمصالح الشخصية لصالح الوطن. وقد مهدت هذه المرحلة لتصوير الجيش كالكيان الوحيد والأمثل المترفع عن المصلحة الشخصية، والمنقذ الذي بسلاحه يأتي من خارج النظام الاقتصادي و السياسي ليضع الأمور على مسارها الصحيح الذي هو “مصلحة الوطن”. . وتبدو تلك الصورة واضحة في أغنية أُنتجت عن حركة الضباط الأحرار في نهاية 1952، هي أغنية “ع الدوار” حيث اعتبر صنّاعها أن الخلاص أتى على هيئة خبر وصل المصريين عبر الراديو مفاده أن الجيش نقل المصريين من النار إلى الجنة دون أن يكون لهم أي دور أو حتى علم بخطة الخلاص، كانت تلك بداية في سلسلة سردية تربط الذكورة و المبادرة والأخلاق بالفدائي أو ترى الجيش كالمخلص، وتؤنث الشعب المتلقي الذي دوره أن يحب و يؤيد قائده و منقذه.
من 1952 حتى 1954كانت فترة احتواء للتعددية والاختلافات ومن بعدها كانت مرحلة السيطرة والتوجيه، ما المفهوم الرسمي للوطنية في الفترة الناصرية؟
– صعود عبد الناصر والضباط الأحرار كان التطبيق الحقيقي لأيديولوجيات البرجوازية الصغيرة في الثلاثينات والأربعينات؛ تمصير الاقتصاد وطرد الأقليات وتحقيق فكرة الاقتصاد الوطني الكامل، إلا أنه بعد 1954كانت بداية مرحلة الدعاية السياسية المكثفة، وترسيخ شرعية حكم الضباط الأحرار السلطوي، تأكيدًا لتأنيث الشعب و طرحه ككتلة منسجمة لا تعبر عن إرادتها إلا من خلال القائد أو الجيش، بل وتحويل المجتمع بأكمله لكتل متراصة تسير في زحف مقدس بقيادة الجيش لمواجهة الاستعمار والإقطاع والرجعية.
كان الخطاب المهيمن هو أن مصر وطن يحرسه ويقوده الجيش ومن بعده الشعب، الذي ينبغي أن يكون جزءًا من الجيش، في سبيل تحقيق الأهداف الوطنية بحسب أيديولوجية البرجوازية الصغيرة، والتي لا مجال فيها لأي وجود سياسي مستقل لقطاعات المجتمع المختلفة. هذا الخطاب يبدو جليًا في أوبريت “الجيل الصاعد” في احتفالات الثورة عام 1961، حيث يسير ممثلي مختلف فئات الشعب في مشية عسكرية منضبطة تبدأ بالجندي، ثم الفلاحين، والفنانين، والعمال، والطلبة بالترتيب، وتغني وردة الجزائرية للجندي “عاش الجندي يوم ما حطم شوكة الاستعمار، كان عنوان النصر الثوري في كل بلد أحرار”، كلهم يتحركون في زحف مقدس كجزء من كيان واحد هو مصر والجيش هو قائدها. وفي ذلك نزعا كاملا للسياسة في المجتمع، وتصوير المصالح المتضاربة في المجتمع على أنها شر، و نوعا من الأنانية والخيانة في مقابل فكرة التأييد والتراص والوحدة لمواجهة العدو الخارجي.
كان التصور الرسمي عن الوطنية في فترة عبد الناصر هو أن مصر وطنا واحدا في طريقه إلى الصعود اقتصاديًا، يقوده الجيش ويحدد مصلحته وعلى الجميع المشاركة لتحقيق هذه المصلحة، كيف حافظ النظام على هذا التصور حتى بعد نكسة 1967؟
– في بداية حُكم ناصر كانت الفكرة التي تروجها الدعاية هي فكرة أن شرعية الحكم العسكري انتقالية، من ماضي مظلم إلى حاضر و مستقبل منير، وكان هذا الخطاب يتضمن دائما التهديد بأنه إذا الشعب تُرِك بدون قبضة الجيش، وخوفه على مصر ستعود الرجعية ويعود الإقطاع والاستعمار، فكان الشعب في هذا الخطاب مثل الطفل الذي يتوجب على الدولة إعادة تربيته لكي يصلح لممارسة “الديموقراطية السليمة”. ولكن وضع نظام عبد الناصر أهداف بعيدة المدى و مبهمة فأصبحت الشرعية الانتقالية هي شرعية مطلقة للحكم العسكري السلطوي حيث أن المجتمع لن يصل إلى درجة البلوغ السياسي و الاجتماعي قريبا. إلى جانب ذلك استمد النظام شرعيته من الادعاء بأن الجيش جهاز ناجز في مقابل عجز الحكم المدني، فركز النظام على المشاريع القومية الكبرى، وخرج عبد الناصر والضباط في كل خطبة بأرقام كثيرة للبرهنة على شرعية النظام الإنجازية. وكان ذلك يعني أن الديموقراطية لا تأتي بالإنجازات، وليست إلا أداة لاستمرار استغلال الإقطاع والاستعمار وأعوانه للشعب المسكين.
كانت اشتراكية عبد الناصر في ذلك الوقت اشتراكية قومية سلطوية تعني سيطرة الدولة بالكامل على الاقتصاد ولا تعني أبدا تمثيل مصالح العمال و الفلاحين تمثيلا حقيقيا بل كانت بمثابة اشتراكية الطبقة الوسطى، أتت بنخبة جديدة حاكمة متمثلة في تكنوقراطية الدولة القريبة من الضباط الأحرار، لكنها من ناحية أخرى أتاحت لعبد الناصر الاستفادة من خطاب شعبوي يصور السلطة وكأنها منحازة للفقراء ضد النخبة الاقتصادية. لكن رأسمالية الدولة هذه كانت في طريقها للفشل و على المستوى السياسي عجلت هزيمة 1967 من سقوط أسطورة “الاشتراكية الوطنية” فحدث تحول في سياسة الدولة من خطاب 30 مارس 1968 لثورة التصحيح في 1971 حتى أعلنت الدولة بشكل واضح عن انتهاجها سياسة الإنفتاح في 1974.
ما التغيرات التي حلت على مفهوم الوطنية خلال فترة السادات (1970-1981)؟
– بعد كامب ديفيد و الدعاية لعصر “السلام” الجديد الذي ادعت الدولة أنه أتى أيضا بفضل المؤسسة العسكرية و حكمة القائد العسكري، فقدت الوطنية المتمحورة حول الحرب و الكفاح المسلح وظيفتها في تعبئة المجتمع و توحيده فكان لابد من وطنية هوياتية جديدة لا علاقة لها بالحرب. واكب ذلك أزمة الطبقة الوسطى في ظل الانفتاح الذي جاء متناقضا مع أيديولوجيات الإنتاج والتصنيع والتقشف والتمصير الذي روج له النظام الناصري وكان على هوى الطبقات الوسطى -التي أتاح لها التعليم آنذاك بعض إمكانيات الصعود الاجتماعي. في المقابل، أدى الانفتاح إلى اتساع قطاع الاقتصاد غير الرسمي وظهور نماذج للصعود الاجتماعي غير مرتبطة بالتعليم، ومَقْرَطة الاستهلاك نوعا ما، فشعرت الطبقة الوسطى بالحاجة للدفاع عن وضعها الاجتماعي المتميز، فظهر خطاب يصور الطبقة الوسطى المتعلمة كالحامي الشرعي للأصالة والهوية المصرية في مقابل الجهل و الجشع و الاستهلاكية. تبدو تلك الصورة جلية في مسلسل “الراية البيضا” 1988 حيث يهدد ثراء فضة المعداوي المستحدَث و جهلها الهوية المصرية المتمثلة في أصالة فيلا “أبو الغار”. في ذلك الطرح للهوية المصرية تم إلصاق الحس الوطني بالتعليم وتصوير الطبقات “الجاهلة” كالفريسة السهلة للعمالة والخيانة لأن الجشع هو ما يحركها-في غياب التعليم- وليس الوطنية، فيعبر مسلسل “حلم الجنوبي” 1997 عن ذلك الخطاب بوضوح، فلا يشعر “حسن” فيه بالحس الوطني إلا بعد أن يقوده فضوله إلى مكتبة الجامعة ليتعلم فيها أن يقدر التراث فيصبح وطنيا. امتدت تلك التصورات الهوياتية النخبوية في التسعينيات و أخذت أشكالا جديدة بالتزامن مع قرار الدولة محاربة الإرهاب بالإعلام فكثرت المسلسلات و الأفلام التي صورت الأقل تعليمًا أقل وطنية وأكثر عرضة للاستسلام للأفكار المتطرفة الوافدة من الخارج والتي تخرب الوطن و تناقض الإسلام المصري الوسطي الأصيل.
هل يعني هذا أن الوطنية المصرية بالتعريف سلطوية و نخبوية؟ هل هناك نماذج لوطنية مصرية مغايرة؟
– ثمة نوعان من الوطنية في التاريخ القصير نسبيا للقومية الحديثة، الوطنية السلطوية النخبوية، يكون الوطن فيها كيانًا منفصلا عن المواطنين يصوَّر على أنه يمثل مصلحة واحدة واضحة في مقابل مؤامرات خارجية لإسقاطه أو الإضرار به ولذلك ينبغي على الجميع التضحية من أجله، وأي تعدد أو تناقض لمصالح المواطنين يضعفه، ويعبر عن مطامع “فئوية”. أما الوطنية الديمقراطية المساواتية فهي تسعى لإدماج كل أعضاء الوطن بغض النظر عن الاختلافات في الدين واللون والأصول والتوجهات السياسية بشكل متساوي، ولكل الحق في تمثيل مصالحه. تطرح تلك الوطنية مفهوم الوطن كعقد اجتماعي ما، أو تنظيم سياسي غير مرتبط بثقافة واحدة أو هوية سرمدية ومصلحة متجاوزة للمصالح المتعددة، ولكنه المظلة التي يمارس فيها الجميع حقه في تحديد قواعد التعايش الجمعي فيه.
كانت ثورة يناير 2011 لحظة انفجرت فيها التعريفات الديموقراطية المساواتية للوطن، ولكنها سريعا ما انهزمت تحت وطأة القوى المحافظة في المجتمع التي تضمن لها الوطنية السلطوية النخبوية استمرار مصالحها.
بعد يناير 2011 كيف تحوّل مفهوم الوطنية؟
– بعد 30 يونيو 2013 بالتحديد عادت الوطنية السلطوية النخبوية بقوة كرد فعل القوى المحافظة و النظام الحاكم على حراك يناير 2011 الذي هدد مصالحها وسيطرتها على السياسة والاقتصاد. ونجد أن تلك الوطنية حاولت إحياء بعض خصائص الوطنية الناصرية من حيث تصويرها للجيش والقائد كالمنقذ من الفوضى، ومن شر تعدد وتناقض المصالح بين أبناء الوطن الواحد. ومعها عادت شرعية الديكتاتورية وتأنيث الشعب وحصر دوره في تأييد القائد الوطني ليحميه من المطامع الخارجية وأعوانها في الداخل. أما الجديد فهو أن هذا النظام يشرعن لسياسات نيوليبرالية بحتة، فهو يتنصل من مسئولية العناية بالطبقات الفقيرة فنرى مثلا أن كلمة “الشعب” أو “الثورة” اختفت تماما من الخطاب السياسي في مقابل “مصر” بل أن مصلحة مصر أصبحت متناقضة تماما مع مصالح أبناءها خصوصا الفقراء منهم: فهم إذا طالبوا بلقمة العيش أصبحوا غير وطنيين و”عايزين ياكلوا مصر و يموتوها”.
تصوير: صبري خالد