تضع نورة أوعية بلاستيكية أمام منزلها بحومة السوق وسط مدينة الرديف لتملاها بالماء الصالح للشرب والذي توفره سيارات خاصة تجوب شوارع مدن منطقة الحوض المنجمي لبيع الماء للأهالي.

تملأ هذه الفتاة الأوعية التي يسع الواحد منها عشرون لترا، ثم تقول ضاحكة “أنا أملأ وعائي الأبيض ليومي الأسود”، في إشارة إلى تخزين تلك الأوعية لاستعمالها عند انقطاع توزيع مياه الحنفية.

وهذه الحالة ليست معزولة فأغلب أهالي منطقة الحوض المنجمي يخزنون الماء ليوم الشدة لاسيما وأن منطقتهم تشهد أعلى نسبة لانقطاع الماء في محافظة قفصة التي تصدرت بدورها باقي المحافظات.

تخزين الماء

ويحذر خبراء من اجتياح موجة جفاف وعطش خصوصا بمناطق الوسط والجنوب بالبلاد خلال السنوات القادمة نتيجة تقلص هبوط الأمطار وانخفاض منسوب السدود مقابل ارتفاع استهلاك الماء.

وتقول نورة إن منطقة حومة السوق حيث تقيم تعتبر من المناطق التي تعاني من انقطاع مستمر للماء مثل بقية الأحياء المجاورة مثل العمايدة والنزلة والفيلاج التي يتكرر فيها انقطاع الماء.

وتضطر العائلات المقيمة في تلك المناطق إلى شراء صهاريج كبيرة يقدر الواحد منها بعشرين دولارا لملئها بالماء لتخزينه واستعماله عند الحاجة في ظل الانقطاعات المتكررة لشبكة توزيع المياه.

أصابع اتهام

ويقول الناشط بالمجتمع المدني غانم الشرايطي إن شركة فسفاط قفصة التي تستثمر في منطقة الحوض المنجمي بمحافظة قفصة لإنتاج الفسفاط “هي المسؤولة عن استنزاف الثروة المائية في المنطقة”.

ويوضح لمراسلون أن الشركة تستعمل كميات كبيرة من المياه الصالحة للشرب لغسل الفسفاط في انتهاك صارخ لحقوق المواطنين في الماء والصحة فيما لا تحرك الحكومة ساكنا، بحسب تعبيره.

من جانبه، يقول رابح بن عثمان عضو بفرع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بقفصة (جمعية غير حكومية) إن أضرار شركة فسفاط قفصة لا تقتصر على استنزاف الماء في عمليات غسل الفسفاط بالمغاسل.

مخاطر صحية

وبنبرة فيها سخط كبير يضيف لمراسلون “الشركة الحكومية تقوم بسكب الماء الملوث على مقربة من آبار المياه الجوفية مما يتسبب في تلويثها والضرر بالماء المخصص للشرب ومياه الري”.

من جانبه يقول علي كريمي ناشط في المجتمع المدني إن أهالي منطقة الحوض المنجمي “أصبحوا مهددين ليس فقط بمخاطر العطش وإنما بمخاطر الأمراض المنتشرة بسبب المياه الملوثة”.

ويضيف لمراسلون بأن شركة فسفاط قفصة تقوم بإلقاء مياه مغاسل الفسفاط في مناطق قريبة من المياه الجوفية ما يتسبب في تلوثها بمواد سامة مثل مادة “الفلوكون” التي تستعمل لغسل الفسفاط.

حالات وفيات

ويقول حسني بالنور رئيس جمعية التوعية البيئية (جمعية غير حكومية) لمراسلون إن هناك دراسات طبية تفيد بأن هناك ما بين 6 و7 حالات وفاة بسبب أمراض السرطان في المنطقة وأمراض السل والكلى والمجاري البولية.

ومن بين أسباب الوفيات بحسب تلك الدراسات التلوث الناجم عن مصانع الفسفاط سواء في الهواء أو في المائدة المائية.

وكانت وزارة الصحة التونسية قد دعت مؤخرا إلى الوقاية من خطر انتشار التهاب الكبد الفيروسي بسبب تلوث المياه عقب إصابة العشرات بهذا المرض لاسيما في مناطق الجنوب التونسي.

صرخات استغاثة

وبسبب تكرر انقطاع الماء لاسيما في الصيف تعالت صرخات المواطنين في منطقة الحوض المنجمي الغنية بالفسفاط لمطالبة السلطات بالتدخل العاجل لإنقاذهم من شح المياه وتفشي العطش.

ولا تعاني مدينة الرديف بمفردها من هذا الوضع فغيرها من مناطق الحوض المنجمي مثل المظيلة وأم العرائس تتقاسم نفس الثروات الطبيعية من الفسفاط لكن جميعها يعاني من نقص الماء.

ويطلق الشاب أنيس من مدينة المظيلة الواقعة بمحافظة قفصة صرخات استغاثة للسلطات على مواقع التواصل الاجتماعي ويقوم مع غيره من النشطاء بتنظيم مسيرات وتحركات ميدانية بالجهة.

ويقول لمراسلون “مدينة المظيلة تعيش حالة عطش بسبب تواصل انقطاع الماء في موجة حر عالية”، لافتا إلى وجود حالة غليان لدى شباب المنطقة تمثلت في قطع الطرقات أمام شاحنات الفسفاط.

احتجاجات عارمة

وتباطؤ السلطات في حل أزمة انقطاع الماء جراء الاستخدام المتنامي لمصانع الفسفاط وانتشار أمراض الالتهاب الفيروسي للكبد بسبب تلوث المياه غذى عديد الاحتجاجات بمنطقة الحوض المنجمي.

وتشهد منذ أسبوع منطقة المظيلة بالحوض المنجمي احتجاجات عارمة من قبل بعض الأهالي الذي منعوا شاحنات نقل الفسفاط من المرور وهو ما تسبب في خسائر مادية لشركة فسفاط قفصة.

ومن بين هؤلاء المحتجين الشاب عبد السلام الذي يخوض مع عدد من رفاقه احتجاجات عارمة ضد شركة فسفاط قفصة بسبب استمرار انقطاع المياه على الأهالي في منطقة ترتفع بها درجات الحرارة كثيرا.

تتبع قضائي

يعمل هذا الشاب في شركة فسفاط قفصة لكن المعاناة من انقطاع الماء جعله يرفض السكوت. ويقول لمراسلون متسائلا “ألا يحق لنا كعمال مناجم أن نحتج على معاناة أهلنا وأبنائنا من العطش؟”.

وهذه الاحتجاجات كادت أن تفقد عبد السلام وظيفته بعدما تم إيقافه عن العمل ثلاثة أيام ورفع قضية ضده بدعوى تعطيل نشاط الشركة المذكورة.

وفي ظل هذه الاحتجاجات حذر المرصد التونسي للمياه (جمعية غير حكومية) مما أسماه من “انتفاضة العطش” بسبب تفاقم المسيرات الشعبية المتصاعدة في منطقة الحوض المنجمي بالجنوب.