“إنّ المياه الّتي تصلنا من عين صالح مالحة بعض الشّيء ولا نقدر على شربها ما يضطرّنا لشراء المياه العذبة“، يقول أحد سكان مدينة تمنراست. يحصل هذا بعد مرور ستّ سنوات عن ضخّ أوّل قطرة من مياه عين صالح الجوفية باتّجاه تمنراست و ثلاثة أشهر منذ تدشين محطة إزالة المعادن الّتي أنجزت خصيصا لجعل هذه المياه شروبا.
ويتحتّم علينا هنا الوقوف على هذا المشروع الفرعونيّ الّذي أريد أن يرمز به إلى القضاء على أزمة العطش بالبلد بترويض الطبيعة الصحراوية القاحلة وإيصال الماء إلى أقصى الجنوب الكبير. فقد وضع حجر أساسه في جانفي 2008 رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة نفسه كإشارة لأهميته و دشنه في افريل 2011. اذ كلف انجازه خزينة الدولة 197 مليار دينار جزائري أي ما يقارب 2 مليار أورو. ويتمثل هذا الإنجاز في وضع نظام قنوات لضخّ المياه من باطن منطقة عين صالح إلى تمنراست على مدى 740 كلم. نظام يتكون من 48 بئر عمق الواحدة منها 600 متر و ستّ محطّات ضخّ تضمن تدفّق 100.000 متر مكعب يوميا في قنوات قطرها 800 ميليمتر. وتعادل قدرة هذا النظام أربع مرّات حاجيات سكان تمنراست ال 340.000 المقدرة ب 25.000 متر مكعب يوميا و التي من المتوقع أن تتضاعف (50.000 متر مكعب يوميا) في افاق 2030. وقد قام بإنجاز الأشغال مجمعان من الشركات، أحدهما صيني (CGC-SIPSC) و الآخر جزائري لبناني تركي (Cosider-Zakhem-Erciyas).
بالموازاة مع مشروع تحويل الماء هذا الذي سمي بمشروع القرن، تم تجديد شبكة توزيع المياه لمدينة تمنراست القـديمة التي لم يكن بوسعها تحـمـل حجم وضغط الـمياه الـمتدفـقـة من عين صالح. فقد جددت هــــذه الـشبكة بشكـل كـلي بـداية بالخـزانـات فـالشبكـة الأولية ثـم الثانوية فـالـتوصـيـلات المنزلية على امتداد 377 كـلم بمبلغ فاق 4 مـليار ديـنـار جــزائــري (32 مليون اورو). كما جهز هذا النظام بمحطة لإزالة المعادن بطاقة 50.000 متر مكعب يوميا قابلة للزيادة إلى 100.000 متر مكعب يوميا دخلت الخدمة في أفريل الماضي من شأنها توفير مياه أقل ملوحة لفائدة السّاكنة في عين صالح وتمنراست والقرى المجاورة لهما (بنسبة معادن أقل من 6 .0 غرام/اللتر الواحد).
لكن أقل ما يمكن قوله أنّ رهان النّوعية لهذا الإنجاز لم يكتسب بعد. و إن تباينت مواقف المواطنين في تمنراست، فمنهم من يثني على آثاره الإيجابية. ” لا يمكن إنكار ما حقّقه المشروع من فوائد للمدينة و للولاية بصفة عامّة وبمدى مساهمته في التنمية المحلية، إذ أنّه قضى على ظاهرة جلب الماء بالصّهاريج الّتي كانت تؤرق سكان المدينة وهذا لسنوات طويلة مضت. وإن كانت هذه المياه مالحة و غير صالحة للشرب فتدفقها في الحنفيات و لما لها من استعمالات أخرى خفّف الضّغط على الآبار ذات المياه العذبة المستغلة قبل قدوم مياه عين صالح والّتي ارتفع منسوبها كثيرا في الأعوام الأخيرة، منعشا بذلك الزراعة المعاشية التي يعتمد عليها سكان المنطقة كما أصبح بمقدورنا غرس النباتات أمام بيوتنا للزينة إذ انتشرت ثقافة التشجير بشكل لافت“، يقول أحد سكان المدينة ممتنا.
بيد أنّ التّذمّر الّذي لمسناه في المدينة، خاصّة في الأحياء الّتي لم توصل كل منازلها بالشبكة الجديدة لتوزيع المياه، يعكس الفشل حتّى الآن في تحقيق الأهداف الكبيرة والمنشودة من وراء هذا الاستثمار الضّخم. إذ يراد بهذا المشروع أن يساهم بشكل جدّيّ في تنمية المنطقة مثل ما هو متوقّع منه في المجال الفلاحيّ بإتاحة الاستثمار و استغلال المساحات الشّاسعة وبعث الحياة في هذه الصّحراء القاحلة على طول الطّريق الرّابط بين عين صالح وتمنراست عبر عين امقل، تيت، اوتول و اراك.
في الواقع، وإذا أرجع البعض تذمّره لعدم صلاحية المياه للشّرب بسبب ملوحتها والّتي من المفروض أن تحلّيها المحطّة المدشّنة أخيرا، تبقى بيوت الأحياء الشّمالية لمدينة تمنراست مثل سرسوف، متناتلات، صور، المعلمين وادريان العتيق غير موصولة بالشّبكة أصلا. و جاء على لسان أحد المواطنين ما يلي: “قامت الدّولة بعمل جبّار لكنّها لم تتمّه ولم تتسنّ لنا الاستفادة منه. فمنازلنا لم توصل بالشبكة و لم تركّب لنا حنفيات. اتّصلنا بالهيئات المعنية لكنّ مشكلتنا لم تحل بعد“. و قال آخر: “ربطت كل المدينة بالشبكة الا جهتنا هذه ماطلوا في توصيلها ولا ندري لماذا. ونحن مازلنا نشتري المياه بالصّهاريج كما في السّابق“. ويشتري سكان تمنراست الماء الشّروب ب 1000 دينار جزائريّ للصّهريج ذو 1000 لتر أي 1000 دينار للمتر المكعّب (8 أورو).
و إذ ينتظر سكّان مدينة تمنراست توصيل منازلهم بالشّبكة الجديدة للتّوزيع ، يأمل سكان باقي بلديات الولاية الّتي تعاني من ندرة المياه كذلك في إمدادهم بهذه المياه. وقد زُرع فيهم هذا الأمل منذ الإعلان عن إمكانية إيجاد مشروع تكميليّ لإيصال الماء حتّى قرية تين زاواتين على الحدود الجزائريّة الماليّة (550 كلم جنوب-غرب تمنراست). لكن يبقى هذا الحلم صعب المنال في الوقت الرّاهن نظرا لشحّ الموارد المالية نتيجة لتدهور أسعار النّفط. فقد أدّت هذه الضّائقة بالحكومة لتخفيض نفقات التّجهيز إلى أقصى الحدود وإلغاء عديد المشاريع التّنموية. ولم تتح لنا الفرصة للتّواصل مع الإدارة المحليّة من أجل معرفة أسباب تأخّر توصيل ما تبقّى من أحياء تمنراست بشبكة توزيع المياه.