منذ إعلان إثيوبيا عن إنشاء سد النهضة على النيل الأزرق عام 2010 ولم تتوقف المخاوف في مصر، فهل تعطش هبة النيل؟، هل تتناقص حصتنا المائية فيهجر المزارعون الأراضي وتتشرد الأسر، فحسب أكثر الدراسات تفاؤلا نقص حصة مصر المائية سيؤدى إلى حرمان مليون فدان من المياه وتشريد ملايين المزارعين ونقص في المحاصيل ما يضغط على الفاتورة الاستيرادية المرهقة بالفعل.
مصر تعاني من فقر مائي شديد حسب إحصائيات حكومية فقد وصل متوسط نصيب الفرد في مصر إلى 650 متر مكعب في العالم في حين أن المتوسط العالمي ألف متر، كما تحتاج مصر إلى 120 مليار متر مياه لتلبية احتياجاتها الزراعية ونصيبها من مياه النيل تبلغ 55.5 مليار، وهي الحصة التي يهددها سد النهضة.
العام الماضي أعلن موتوا باسادا وزير المياه الإثيوبي عن افتتاح السد في يوليو الحالي وبدء تخزين المياه، وجاء إعلان إثيوبيا رغم عدم انتهاء دراسات مخاطر السد وإصدار توصيات المكتب الاستشاري لتحديد مواعيد الملء الأول لخزان سد النهضة.
فما هي مخاطر سد النهضة على مصر؟ وإلى أي مدى ستتأثر حصتنا السنوية من مياه النيل بملء خزان سد النهضة؟، وما الذي يمكن أن نفعله لتقليل المخاطر؟، وهل يمكن أن ينهار سد النهضة؟ كل هذه الأسئلة ذهبنا بها إلى الدكتور عباس شراقي رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث الأفريقية بجامعة القاهرة وكان لنا معه هذا الحوار..
- إثيوبيا أعلنت عن افتتاح سد النهضة يوليو الحالي مع بداية موسم الأمطار فهل السد جاهز لعملية ملء الخزان؟
ليس لدينا تأكيد نهائي على بدء ملء خزان سد النهضة ولكنه سيحدث إذا أغلقت إثيوبيا منتصف جسد السد، وحسب صور الأقمار الصناعية التي تصل إلينا كل 16 يومًا لم تغلق إثيوبيا جسد السد ولكن يمكن غلقه بسهولة بكتلة خرسانية، ولو لم تغلق خلال شهر تصبح عملية التخزين مستحيلة لأن الأمطار تبدأ في الشهر الحالي وتستمر شهرين وستضطر إثيوبيا إلى الانتظار حتى العام المقبل لبدء التخزين.
- ما هي كمية المياه التي يمكن تخزينها وإذا أغلقت إثيوبيا منتصف جسد السد وكيف تؤثر على حصة مصر من المياه؟
سد النهضة لم يكتمل بناؤه بالكامل وبحسب الصور لدينا، هناك أعمال هندسية تستغرق 3 سنوات تقريبا منها وجود فتحة مرتفعة ما بين جبلين لابد أن تغلق بالخرسانة، ويجب أن يتم بناء سد آخر يغلق وادي بجوار سد النهضة لزيادة ارتفاع البحيرة وبالتالي قدرتها على تخزين المياه.
والوضع الحالي إذا أغلقت إثيوبيا الجزء الذي في منتصف السد يصبح ارتفاع السد من 80 إلى 100 متر، بقدرة تخزينية تبلغ 11.1 مليار متر مكعب ولكنها لابد أن تمرر المياه مرة أخرى لتشغيل التربينات وتوليد الكهرباء وحسب مواصفات الأمريكية للسد سوف تمرر من بين 5 إلى 5.5 مليار متر مكعب من المياه ويتبقى 6 مليارات متر مياه تقريبا في البحيرة نسميها المخزون الميت وهي ما ستحرم منه مصر والسودان.
وأتوقع على مدار السنوات المقبلة سيكون هناك نقص في حصة مصر من المياه حوالي 6 مليارات متر مكعب، لأنه بعد الانتهاء من سد النهضة سيكون هناك سدود أخرى لتوفير الكهرباء وإثيوبيا لديها خطة طويلة لتوفير الكهرباء، لكن الأزمة الاقتصادية منعتها من إقامة أكثر من سد في نفس التوقيت.
- جامعة عين شمس أصدرت دراسة أكدت على أن مصر ستفقد24 مليار متر كعب من المياه سنويًا إذا بدأ سد النهضة تخزين المياه خلال 3 سنوات، أيضا هناك دراسات أخرى بها أرقام مختلفة فما هي الأرقام الحقيقية ولماذا هذا التضارب في أزمة بحجم نقص حصتنا من المياه ؟
كل الدراسات المتاحة الآن عن مقدار الفقد من حصة مصر للمياه هي مجرد افتراضات لأن الشركتين الفرنسيتين لم ينتهيا من الدراسات الاستشارية، ولهذا يعتمد الباحثون على افتراضات حسب المعلومات التي تصل إليهم، وبالتالي يوجد أكثر من احتمال لتأثير سد النهضة على مصر، وهذه الدراسات منها ما هو مؤهل علميا ولديه أرقام حقيقية، ومنها ما هو غير علمي وبالتالي يمكن أن تصدر دراسات مختلفة عن آثار سد النهضة، منها مثلا دراسات إثيوبية لم تتوقع أية أضرار لسد النهضة، وهناك خلاف في آثار ومخاطر سد النهضة بين مصر وإثيوبيا وبين المكتب الاستشاري الذي من المفترض أن يعد دراسات التقييم ويصدر التوصيات، فمصر تريد وضع نموذج رياضي يضع افتراضات من حيث كمية المياه والمخاطر الإنشائية والكهرباء وإثيوبيا تريد وضع افتراضات أخرى تقلل من مخاطر السد على دولتي المصب، لكن أغلب الدراسات أجمعت على أن مصر ستفقد سنويًا 6 مليارات متر من حصتها الحالية من المياه بعد الملء الأول لخزان سد النهضة.
- في رأيك كيف نواجه نقص حصة مصر من المياه؟
نستطيع التغلب على نقص المياه في وجود بحيرة ناصر التي تعتبر المخزون الاستراتيجي للمياه في مصر، والمنسوب الحالي في البحيرة مطمئن للغاية ويبلغ 174 مترًا فوق سطح البحر ونحن في نهاية السنة المائية التي تبدأ في يوليو ومن المفترض أن تكون البحيرة في أقل مستوي مائي لها في العام، وهذا المنسوب يكون لدينا في موسم المطر نفسه، وكمية المياه في البحيرة الآن تبلغ 90 مليار متر مكعب تقريبا منهم 31 مليار تخزين لأنها أقل منسوب لتشغيل السد العالي وارتفاعها أعلى من فتحات تربينات السد، فلدينا 59 مليار متر مكعب من المياه مخزون استراتيجي للمياه النيل وهو أكبر من حصتنا السنوية المقدرة بـ 55.5 مليار متر مكعب ويمكن أن نسحب منهم إذا بدأت أثيوبيا ملء الخزان، وهذا هو الهدف من بناء السد العالي أن نستفيد من احتياطي المياه في أوقات نقص حصتنا من المياه بسبب الجفاف أو نقص الأمطار وهنا نرفع القبعة للرئيس عبد الناصر الذي حارب لبناء السد ليحمي الأجيال من الجفاف، وبناء سد النهضة أثره هو نفس الأثر حينما تكون الأمطار ضعيفة في إثيوبيا، التعويض من مخزون السد العالي والكمية معقولة في الوقت الحالي، لكن الفرق أننا سنصبح بلا مخزون احتياطي للمياه إلا إذا حدث فيضان كبير، وأنصح وزارة الري بالتعامل مع نقص حصة مصر من المياه من 55.5 مليار متر مكعب إلى 50 مليار متر مكعب سنويًا خلال العشر سنوات المقبلة، ولابد من تغيير أسلوب ري الأراضي الزراعية ونشر ثقافة ترشيد الاستهلاك وإلا ستحرم مليون فدان زراعي من الري.
أزمة نقص المياه مع بناء سد النهضة تشبه إلى حد كبير فترة الجفاف في الثمانينيات والتي استمرت 7 سنوات واضطرت مصر للسحب من الاحتياطي ببحيرة ناصر ما أنقذ مصر من الجفاف وبوار ملايين الأفدنة، فكان السد العالي هو صمام الأمان لمصر، لكن سد النهضة مختلف تماما فالهدف منه هو توليد الكهرباء، وإثيوبيا لا تريد مخزون من المياه للزراعة فلديها أمطار غزيرة تقدر بألف مليار متر مكعب ولديها أنهار أخرى.
ومشكلة سد النهضة تصبح أكبر إذا كانت الأمطار ضعيفة أو أقل من المتوسط سنضطر إلى سحب كميات أكبر وأيضا إذا كان هناك مشاريع سدود أخرى تؤدي إلى تآكل حصة مصر في المياه.
ومع أسوأ التوقعات لو كان سد النهضة مبني بالكامل وقررت إثيوبيا التخزين الآن، سيكون لديها تخزين ميت للمياه قدره 20 مليار متر ولابد من تمرير باقي السعة التخزينية للسد البالغة 74 مليار متر مكعب لتوليد الكهرباء، فيكون مقدار فقد مصر من حصتها 20 مليار سنعوضهم بالسحب من بحيرة ناصر .
- هل يمكن أن ينهار سد النهضة؟ وما هي الأضرار المتوقعة إذا انهار؟
إثيوبيا هي دولة جبال ، و50% من الجبال الإفريقية أعلى من 2000 متر موجودة فيها، هذه الجبال انحداراتها عنيفة وسرعة المياه بعد سقوط الأمطار عليها عالية جدا، وبالتالي المشاريع فيها خطورة شديدة بسبب قوة اندفاع المياه، ويسقط في إثيوبيا كمية كبيرة من الأمطار تقترب من ألف مليار متر مكعب في شهرين فقط، وتسبب مشاكل كبرى.
واحتمال انهيار سد النهضة وارد ولا يجب أن نستبعده، بسبب طبيعة الأرض الجيولوجية والجغرافية فلديها صخور من نوع البازلت ضعيفة وبها كثير من التشققات، وإثيوبيا بها أكبر فالق في العالم ويقسم البلاد نصفين، وهناك بعض الزلازل نشطة على مدار هذا الفالق.
وحتى الآن لم يتم إعداد دراسات كمية المياه التي يمكن أن تتسرب إلى باطن الأرض التي بها تشققات، خاصة مع تخزين 74 مليار متر خلف سد النهضة لو كانت الكمية كبيرة لا يمكن إنشاء السد، وهناك إحصائية في إثيوبيا أكدت أن 70% من المشروعات المائية تفشل لأسباب جيولوجية مرتبطة بطبيعة الأرض.
ورفضت إثيوبيا إعداد دراسات فنية عن أمان سد النهضة، خاصة أن لديهم أكثر من مشروع حدثت به انهيارات مثل سد تيكيزي على نهر عطبرة الذي انهار أثناء البناء ما أدى إلى وفاة 50 عاملا صينيا وتوقف العمل به لمدة عامين حتى تم تلافي عيوب البناء، وهناك سد “جيبا 2” عبارة عن نفق 26 كيلو بين جبلين لتوصيل نهرين وتوليد الكهرباء حدث به انهيارين أثناء البناء والشركة التي كانت تنفذ النفق هي نفس الشركة التي تتولي بناء سد النهضة وبعد افتتاح النفق بـ 10 أيام حدث به انهيار آخر، وتعطل سنة كل هذا بسبب وجود فوالق وحدث انزلاق للصخور بسبب تدفق المياه وترسب الطمي، وكل هذه مشاكل يجب أخذها في الاعتبار أثناء بناء سد النهضة، لأنه في حالة حدوث فيضان كبير فسوف تندفع المياه من على ارتفاع يصل إلى 4 آلاف متر، يمكن أن تؤدي إلى انهيار سد النهضة وستجرف مياه السد مدينة الخرطوم التي ساعات عن السد وفي طريقها ستهدم ثلاثة سدود في السودان هي روصيرص وسنار ومروي، وسيكون هناك تدمير شامل في السودان، وأمامنا التجارب الإثيوبية المائية التي انهارت وطبيعة الجبال الصخور في إثيوبيا، ومصر بعيدة عن مخاطر انهيار السد بسبب البحيرة التي تتحمل 162 مليار متر مكعب بالإضافة إلى مضيق توشكي.
منذ شهرين أخلت ولاية كاليفورنيا 160 ألف نسمة من منازلهم لمدة أسبوعين بسبب احتمال انهيار سد أورفيل بعد فيضان المياه من بحيرة تخزينه بسبب الأمطار الغزيرة وذوبان الثلوج ما أحدث حفرة كبيرة وكان هناك خوف من وصول المياه إلى أساس السد الذي يعتبر سد صغير سعة تخزينه 4.5 مليار متعب مكعب من المياه بالنسبة لسد النهضة الذي يخزن 74 مليار متر.