خمسون عاماً مرت على تدميره وتسعون على كشف النقاب عنه للمرة الأولى، حيث افتتح تمثال ” النمر البنغالي ” للمرة الأولى في السادس و العشرين من مايو 1926 على المدخل الجنوبي لقناة السويس ، ليتم تدمير جسد النمر بالكامل دون قاعدته الحجرية الضخمة أثناء العدوان الإسرائيلي على مصر، وتحديداً على مدينة السويس في يونيو 1967.

في عام 1920 وفي عهد الملك فؤاد الأول ، وضع حجر الأساس للتمثال ، من تصميم المهندسين المعماريين الاسكتلنديين “جون جيمس بيرنت” و “توماس تيت” ، وتنفيذ النحات البريطاني الشهير بأعماله عن ذكريات الحروب “تشارلز سارجينت جاغر” (1885-1943) كلمسة وفاء من المملكة المصرية وبريطانيا العظمى لتخليد ذكرى أكثر من أربعة آلاف جندي هندي لقوا حتفهم بالحرب العالمية الأولى في منطقة فلسطين وسيناء، وظل هذا التمثال والميدان المحيط به مزاراً سياحياً للمصريين والأجانب، لروعة الأثر وجمال المدينة الصغيرة “بورتوفيق” التي يقع بها، وإن كان يخص الذكرى الهندية فمكان إقامته واختيار تصميمه لا يخلو من الدلالات المتعددة، فالنمر البنغالي هو واحد من أندر وأشرس الكائنات الموجودة على ظهر البسيطة، كما أن نظرته المتأهبة نحو مدخل القناة توحى بالاستعداد الدائم لصد العدوان.

وحتى بعد التدمير، وبعد انتهاء الحرب،  وبدء عودة الحياة لمحافظة السويس في منتصف السبعينات، ظلت قاعدة التمثال تتوسط الميدان البديع، المطل على المدخل الجنوبي للقناة، لتشكل ملتقى أسبوعى لأهل السويس، بعد صلاة الجمعة تتجمع العائلات، الأطفال، المحبين، والسائحين، يستمتعون بمشهد مياه القناة الزرقاء، المتلألأة تحت صفحة الشمس، وسط الخضرة البديعة، يلعب الأطفال الكرة ويقودون الدراجات، يتناول الأهل المسليات ، كالترمس والبطاطا والفول السوداني واللب والتين الشوكي ، “يمصّون” القصب من الظهيرة حتى غياب الشمس ، كما يحلو السهر على ضفاف القناة ، للسمر وسماع موسيقى السمسمية .

خمسون عاما ً لم يتم بناء التمثال المتهدم ، وإن ظلت قاعدته شاهدة على العصر ، على بطولة وبسالة الشعب المقاوم لكل أنواع الغزو والعدوان ، حتى الثورة المصرية انطلقت من هناك ، من السويس حيث سقط الشهيد الأول فأشعل شرارة قلبت موازين العالم بأكمله ، وإن تم بعدها –وحتى الآن – تطويق المنطقة الاستراتيجية الحيوية حماية لها ، بالأسلاك الشائكة ، ومنع المواطنين من التنزه بها بل من الوصول إليها ، لتبقى نزهة ميدان “التمساح” كما كان يطلق عليه بعض العامة من سكان السويس ، ذكرى بديعة من زمن جميل ، وإن كان يشوبها الحزن لصعوبة العودة .

خمسون عاماً لم يتم تنفيذ القرار المنطقي بإعادة بناء التمثال ، وإن كان قد تم تنفيذ شبيهين – مع الاختلاف – على مدخل كورنيش السويس الجديد بتسعينيات القرن الماضي ، وإن كان لا يمكن المقارنة بين التنفيذ المحلى وبين الأصل الذي تم تدميره.

وكما يواجه النمر الملكي أو البنغالي نفسه كحيوان خطر قرب الانقراض، فإن الذكريات الحقيقية لتمثاله على المدخل الجنوبي لقناة السويس تواجه الخطر نفسه، معدودين على قيد الحياة هم من قد عايشوه قبل أن يتحول لمجرد قاعدة حجرية، وذكرى من زمن بعيد.

 

“الصورة من صفحة مجموعة “ذكريات السويس” على  موقع facebook