عمل عادل اسماعيل على جمع كافة مدخراته طوال العشرين عاما الماضية ليستطيع استكمال ثمن وحدة سكنية بمدينة المنيا جنوب القاهرة –  250 كم  – لكنه فوجيء العام الماضي بتحرير سعر الصرف وهو ما ضاعف من قيمة الوحدات السكنية وجعله يفكر في البحث عن الوحدات السكنية غير المرخصة في المناطق العشوائية.

ارتفاع اسعار مواد البناء

يقول حسين بكر مجاهد مقاول في محافظة أسيوط ان ارتفاع سعر الدولار وثباته عند حاجز ال18 جنيها ادى لارتفاع كبير في اسعار مواد البناء حيث تخطى سعر حديد التسليح حاجز ال9500 جنيه مصري “500 دولار” بزيادة مقدارها 100 % عن العام الماضي كما ارتفع سعر الاسمنت في الشهور الاولى من التعويم ووصل الى 900 جنيه لكنه عاد ليثبت عند حاجز ال700 جنيه للطن بهامش بسيط بين الشركات المختلفه مشيرا الى ان هذه الارتفاعات تسببت في ارتفاع اسعار الوحدات السكنية ولم تؤثر على اسعار الاراضي بالانخفاض كما كان متوقعا.

اوضح حسين ان سعر الوحدة السكنية اختلف في المناطق الصادر لها تراخيص حيث زاد بنسبة تعدت الـ60 % بينما ارتفع سعر الوحدات في المناطق العشوائية والتي لا يوجد بها تراخيص بناء بنسبة وصلت الى 35 % نتيجة ارتفاع اسعار مواد البناء.

 

رواج  “العشوائيات

يقول إسماعيل 45 عاما الموظف بوزارة الصحة “لدي أسرة من 4 أفراد وأقطن في شقة بالايجار، وأحتاج الى شقه تمليك كنوع من الاستقرار لان عقود الإيجار الجديدة كلها لا تزيد عن 3 أعوام وهو ما يتسب في خسائر مادية في استهلاك الاثاث، ناهيك عن رفع القيمة الإيجارية دوريا” وبحسب إسماعيل فإن سعر الوحدة السكنية المرخصة في مدينة المنيا  تزيد أحيانا عن المليون جنيه “60 ألف دولار امريكي” بينما يصل السعر  في المناطق العشوائية غير المرخصة الى 300 الف جنيه ” 17 ألف دولار امريكي“.

يرى  أحمد عبد العزيز المهندس المعماري وخبير سوق العقارات بأسيوط أن الضغط الشديد وارتفاع الأسعار الذي سيواجه طالبي الوحدات السكنية منخفضة المستوى سيدفعهم إجباريا إلى سوق العقارات غير المنظم في العشوائيات وأكد عبد العزيز أنه على أقل تقدير فإن هذا السوق سيبلغ نصيبه أكثر من 60 % من عدد الوحدات السكنية المتوفرة في مصر لأسباب تتعلق بسعر الأراضي القليل نسبيا في العشوائيات، والتهرب من الضرائب والبناء بدون تراخيص وبارتفاعات مبالغ فيها بما يعوض ما تم انفاقه ويعود بأرباح وفيرة سريعا .

وأشار عبد العزيز ان هذا يجد قبولا من الإدارت الهندسية في الأحياء بمصر عموما التي تعقد إجراءات الحصول على التراخيص بحجة الالتزام بالقانون رقم 119 للاسكان وذلك لأنهم يستفيدون من هذا بشكل كبير سواء بالمشاركة في عمليات البناء، أو بتقديم الاستشارات الهندسية وكيفية الهروب من القوانين المنظمة، أو بتلقي الرشاوى أحيانا أخرى نظير عدم القيام باجراء محاضر إزالة أو كتابتها على الورق فقط دون تنفيذها.

وأضاف بأن المستثمر العقاري الصغير لا يستطيع أن يحصل على أراضي من الدولة مثل المستثمرين العقاريين الكبار لذا فإنه يتحايل على الوضع بطريقته.

5 مليون وحدة سكنية مغلقة في مصر

يشير المهندس عبد الجكيم عبد الله وكيل وزارة الإسكان بمحافظة أسيوط إلى أن تقريرا صدر عن وزارة الاسكان في عام 2015 أوضح أن عدد الوحدات المغلقة في مصر يصل إلى نحو 5.7 مليون وحدة وبحسب عبد الحكيم فان أسعار العقارات ارتفعت بنحو 30 بالمئة منذ تحرير سعر الصرف مستبعدا قيام الشركات بتقديم عروض ترويجية على الوحدات التي تم إنشاؤها قبل الارتفاع الكبير في سعر الدولار أو المواد الخام المستخدمة في البناء وأوضح أن أي أرباح للشركات ناتجة من المحفظة العقارية تحول مباشرة إلى مشروعات جديدة وبالتالي لن تبيع الشركات وحداتها السكنية بأسعار ما قبل تحرير سعر العملة.

كانت دراسة أعدها الدكتور أبو زيد راجح وكيل وزارة الإسكان ورئيس المركز القومي لبحوث الإسكان السابق قد ذكرت أن مصر لديها وحدات سكنية قائمة تكفي حتى عام 2025 دون انشاء أي وحدات سكنية جديدة.

 

استثمار أم استخدام

يشير عادل اسماعيل الى انه دوما حاول شراء وحدة سكنية قبل ارتفاع اسعار الدولار لكن الاسعار كانت دائما في ارتفاع حتى ان بعض من اصدقائه قام بالاستثمار في هذا المجال وتضاعفت ارباحهم بالفعل .

رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية بالقاهرة أحمد الزينى قال ” المصريين تعاملوا خلال الفترة الماضية مع العقارات باعتبارها استثمارا وليس استخداما” وبحسب الزيني فان ذلك هو ما أحدث نوعا من الرواج وزيادة الطلب عليها خاصة أن عروض مد فترات التقسيط دفع المواطنين للتعاقد على وحدات أكبر من إمكانياتهم ليصطدموا بعد ذلك بارتفاع أسعار كل لوازم المعيشة من حولهم ويضطرون لتسويق تلك العقارات قبل الانتهاء من أقساطها لفك أزماتهم.

وعن تناقض ارتفاع الأسعار مع قلة الطلب قال إن الأسعار لم ترتفع لكنها تناسبت مع أسعار التكلفة فالمستثمر كان حريصا على حفظ قيمة الوحدة مع ارتفاع أسعار الدولار وتأثيره على مواد البناء.

 

أزمة عقارية قادمة

الخبير الاقتصادى الاستاذ الدكتور احمد سعدي بجامعة جنوب الوادي أكد أن نهاية العام الحالي ستشهد حدوث أزمة فى سوق العقار المصرى بسبب الارتفاعات غير المسبوقة فى الأسعار لأنه ناتج عن مضاربة وليس معبرا عن القيمة الحقيقية للعقار.

وأرجع سعدي السبب الى إن الشركات العربية تشترى الأراضى وتقوم ببناء العقارات عليها وتبيعها بسعر مرتفع  سواء لأشخاص أو تجار يأخذ أغلبهم قروضا من البنوك لكى يستطيعوا سداد تكلفة العقار الذى يشترونه إلا أنهم مع الوقت يتعثرون فى السداد بسبب انخفاض سعر العقار عن سعره الذى اشترى به وقد يصل هذا الانخفاض فى بعض الأحيان للنصف.

وأضاف أن تعثر الافراد في السداد يترتب عليه أزمة كبيرة فى الاقتصاد الكلى ولكن لن يترتب عليه انهيار للبنوك وذلك لأن حجم الاستثمارات فى هذا القطاع بلغ 17% من حجم الديون الخاصة بها وهو مختلف عن البنوك الغربية الذى وصل حجم الاستثمار فى العقار لديها إلى أكثر من 80% مما أدى لأزمة أميركا الاقتصادية عام 2008.

 

تراجع القوة الشرائية يهدد سوق العقارات

يتفق المهندس محمد علي استشاري بجامعة أسيوط مع سعدي في وجود أزمة فى القطاع العقارى نتيجة انخفاض القوة الشرائية وارتفاع تكلفة البناء وانخفاض قيمة الجنيه المصرى.

وأوضح علي أن الأزمة ستؤثر فى السوق العقارى وستجعله فى حالة ركود ولكن تأثيره على الاقتصاد القومى سيكون محدودًا وذلك بسبب أن القروض العقارية فى مصر ليست كبيرة كما أنه فى الأغلب يكون شراء العقارات بشكل نقدي أو بالتقسيط.

وأضاف أن هناك نموًا كبيرًا شهده القطاع العقارى فى مصر غير أن تراجع القدرة الشرائية للمواطنين مع زيادة أسعار العقارات وانخفاض قدرة الشركات على تصريف منتجاتها من الوحدات العقارية الفاخرة تنذر بانفجار الفقاعة العقارية فى أى لحظة.

  الأكثر ضررا

يوضح محمد البرعي المحلل بسوق العقارات أن تعويم الجنية سيكون له بالغ الاثر على العقارات ذات المستوى المتوسط أو المنخفض وذلك يرجع لأن من يقومون على هذا السوق من المستثمرين العقاريين ذوي حجم الاعمال المحدودة وهذه الفئة الاكثر تاثرا بارتفاعات الاسعار والتكلفة بشكل عام لاعتماده على شراء الامات من الحديد والاسمنت وخلافه حسب الاحتياج وهو ما يضعه تحت ضغط التغيرات السريعة في الاسعار.

بينما يرى البرعي أن المستثمر العقاري العامل في العقارات الفاخرة لا يتأثر بمثل هذه الطريقة لأن نهجه الخاص في التعامل مع استثماراته يكون بتكديس المواد الخام اللازمة لعمله لفترات طويلة ما يجعله نسبيا بعيدا عن هذه التاثيرات المباشرة للارتفاعات المتقلبة في الأسعار الخاصة بالخامات الاساسية.

***

ما زال عادل اسماعيل يلهث وراء حلم الحصول على وحدة سكنية في مدينة المنيا املا في الاستقرار لكنه استقر على الحصول على واحدة من تلك التي يتم بناؤها في العشوائيات وقال “لايوجد حل امامي سوى العشوائيات “.