“أصرت زوجتي على الطلاق وعادت إلى مُرزُق بعد اندلاع حرب الطوارق والتبو في سبتمبر عام 2014” هكذا بدأ مصطفى من قبيلة الطوارق حديثه معبراً عن مرارته من تصرف زوجته التباوية.
حسب كلام مصطفى زوجته تعرف جيداً أن لا علاقة له بهذه الحرب ولم يشارك فيها “لكنها قالت إنها لا تستطيع العيش معي فيما الطوارق يقتلون التبو حسب قولها”، والآن رغم توقيع اتفاق مصالحة بين القبيلتين في الدوحة (نوفمبر 2015) وتوقف الحرب إلا أن زوجة مصطفى لم تعد، وهو لم يطلقها وينتظر أن تعود لبيتها بعد أن يعم السلام.
تزوج مصطفى قبل الثورة عام 2011، وحينها لم تكن هناك حروب بين التبو والطوارق لأن نظام القذافي “كان قوياً ويمسك بزمام الأمور” حسب وصفه، أما الآن فالدولة “هشة وظهرت الخلافات على السطح وتعارضت المصالح”.
نقصت الزيجات
تقول ماجدة دقة وهي إعلامية وتعمل موظفة في وزارة الشؤون الاجتماعية وتنتمي للطوارق، أن الزواج بين القبيلتين شائع جداً منذ زمن بعيد وهو يحدث بشكل سلس وطبيعي ولا يعتبر شيئاً غير طبيعي أو نادر “فالتبو والطوارق بينهم اتفاقيات اجتماعية عمرها أكثر من 300 عام ومعاهدة للسلام تدعى”ميدي ميدي” تعود لسنة 1893 وهي تنظم العلاقة بين القبيلتين”.
لكن حالياً، ومن خبرتها كموظفة شؤون اجتماعية تؤكد أن حالات الزواج بين القبيلتين نقصت نتيجة الحروب التي حدثت بعد 2011، غير أنها لعدم وجود إحصائيات رسمية لا تستطيع إعطاء أرقام محددة.
الأطفال لأمهم
عندما يتزوج التبو والطوارق تكون مراسم الزواج على طريقة أهل العروس أكانت طارقية أو تباوية، وبعد أن يتم “العزال”، أي الانتقال لبيت العريس، تبدأ المراسم على طريقة قبيلته.
والأطفال نتيجة هذا الزواج – حسب دقة – يكونون تباويين في معظم الأحوال لأن المرأة التباوية تنسب أبناءها إليها، وعادة ما ينتمي أبناء التباوية إليها حتى إن كان أبوهم طارقياً، هم يكونون طوارق في الأوراق الرسمية إلا أنهم ينتمون للتبو ويعتبرون أنفسهم منهم.
أما في حالة زواج الطارقية من تباوي يكون الأبناء تبو أيضاً، لكنهم غالباً ما يذكرون حتى نسبهم لأمهم الطارقية في تعريفهم بأنفسهم ويعتزون به لكون الطوارق يحتضنون أبناء بناتهم، وكانوا قديماً يورثونهم الحكم أيضاً، “فالطارقي قديماً كان يورّث ابن أخته الطبل، وهو شعار الحكم في القبيلة حتى لو كان لديه عشرة أبناء” وفقاً لدقة.
حسب كلام ماجدة دقة فإن أبناء العائلات الطارقية المتزوجون من تباويات لعبوا دوراً إيجابياً في الحرب الأخيرة، حيث قاموا بإيواء وحماية أشخاص تبو كانت حياتهم مهددة، وعملوا على تهدئة الأمور بين القبيلتين وتدخلوا كوسطاء، فالزواج بين التبو والطوارق “لعب دوراً ايجابياً في الحرب وليس سلبياً” تعلق دقة.
قواسم مشتركة
خديجة كاناي من قبيلة التبو، وهي ناشطة اجتماعية، تقول أن علاقات المصاهرة بين القبيلتين طبيعية جداً كون القبيلتين “يعيشون في بقعة جغرافية مشتركة منذ القدم”، ورغم أنهم يختلفون في العادات والتقاليد واللغة إلا أن بينهم قواسم مشتركة تجعلهم يتشابهون.
فالتبو والطوارق مسلمون على المذهب السني المالكي والزواج لديهم يتم حسب الشريعة الإسلامية، غير أنه توجد عادات محلية خاصة عند الطرفين، فالتبو مثلاً لا يتزوجون أقاربهم حتى الجد السابع من جهتي الأب أو الأم، وهم “يعتبرون أن زواج الأقارب عيب كبير، حيث الأقارب حتى الجد السابع مثل الإخوة، ولا يجوز أن يتزوج الإخوة فيما بينهم” تقول كاناي.
مجتمعات أمومية
وللمرأة مكانة عالية ومحترمة عند الطرفين تصل لدرجة التقديس في بعض الأحيان – حسب كاناي – حيث ينسب التبو أبناء التباوية لهم ويعتبرونهم تبو حتى لو لم يكن والدهم تباوياً، “والحال ليس ببعيد عند الطوارق الذين يورثون المرأة ويعود لها الرأي الأول والأخير في تقرير شؤون العائلة، كما لا تُرغم على الزواج، بل تأتي موافقتها على الزوج قبل أية موافقة أخرى من العائلة، فهي صاحبة قرار اختيار شريك حياتها دون أي ضغوط” تقول كاناي.
“الطفل الطارقي هو ابن أمه أيضاً، ينشأ ويتربى بين أخواله، وللمرأة الحق في تطليق نفسها متى أرادت، ولايعتبرون المرأة المطلقة أقل شأناً من غيرها”.
تعتقد كاناي أن الحروب التي حدثت بين التبو والطوارق “تغذيها أطراف خارجية واندلعت لأسباب خارجية، فلا توجد لها أسس مبنية على تراكمات تاريخية، ولذلك لم تؤثر في النسيج الاجتماعي على الرغم من إراقة الدماء بين القبيلتين”.
ورغم رفض المتشددين من الجهتين فقد استمر الزواج بين القبيلتين، فنجد مثلاً – والكلام لكاناي – شباباً من التبو يذهبون للنيجر ليتزوجوا طارقيات ويعودوا بهن إلى ليبيا، كما قام شاب تباوي مؤخراً بخطف فتاة طارقية وتزوجها رغم معارضة أهلها، وتوجد العديد من الزيجات الناجحة والمستمرة رغم الحروب والمشاكل بين الطرفين.
وتعتقد كاناي بأن ما يحدث في ليبيا هو تجاذبات قبليّة وعرقيّة وجهويّة تجاوزها الزّمن وأعادتها إلى واجهة الأحداث نزاعات إقليميّة ودوليّة، فلا شيء يبرّر اليوم أن يكون التّبو من أنصار الكرامة والطّوارق من أتباع فجر ليبيا بعد أن ظلّوا لعقود متعايشين سويّاً في وطن واحد.