مع أن الحكومة سعت في الفترة الأخيرة لمعالجة النقص في الاتصال الحكومي وتكثيف تصريحات المسؤولين لتأكيد محدودية ثروات البلاد النفطية، فإن الاحتجاجات في الجنوب الغني بآبار النفط تواصلت بشكل متصاعد في ظل تهم تلاحق شركات النفط العالمية بالنهب والفساد.

ومنذ أيام استطاع المحتجون في منطقة الكامور الموجودة بمحافظة تطاوين أقصى الجنوب التونسي المحاذي لليبيا أن يقطعوا صمام ضخ النفط أمام أنظار قوات الجيش التي خيرت عدم الدخول في مواجهات تجنبا لوقوع الأسوأ رغم أن الرئيس التونسي دفع بالجيش لحماية الآبار.

وقد رفع هؤلاء المحتجون “علم تونس” من فوق مضخة للنفط بتلك المنطقة في إشارة على تأميمها من إحدى الشركات العالمية، لكن سرعان ما أعيد فتح صمام ضخ البترول بعد تراجع المحتجين وانتشار قوات الأمن والجيش قبل أن تندلع اشتباكات عنيفة بين الطرفين الاثنين الماضي.

شبهات فساد

ويعيد اعتصام أهالي تطاوين في صحراء الكامور الخالية إلى الأذهان حملة “وينو البترول؟” التي انطلقت عام 2015 للمطالبة بالكشف عن حقيقة الثروات النفطية في الجنوب التونسي في ظل ما يتداوله البعض عن وجود شبهات فساد في إبرام العقود مع شركات الطاقة الدولية.

ومنذ نحو شهر يضرب هؤلاء المعتصمون بخيامهم المنتشرة في صحراء الكامور طوقا على حقول النفط هناك للمطالبة بالانتفاع بنسبة 20 بالمائة من أرباح الشركات البترولية التي يتهمونها نهب ثروات البلاد من دون الانخراط في دفع عجلة التنمية والتشغيل في تلك الجهة المهمشة.
وفي ظل غياب تام للأرقام الرسمية عن حجم إنتاج الثروات الطبيعية في تونس (على غرار الفسفاط والنفط والغاز والملح) ظهرت حملات قوية على وسائل التواصل تطالب بفتح ملف الطاقة، في حين تصر الحكومة على محدودية الثروات الطبيعية وتراجع معدل الإنتاج بسبب الاعتصامات.

ويرى مطلقو الحملة بأن هناك غيابا للشفافية في تعامل الحكومة مع إبرام الصفقات مع الشركات الأجنبية وفي تعامل تلك الشركات مع الثروات الطبيعية، وهذا في وقت تؤكد فيه حتى جهات رسمية بأن الدولة لا تملك آليات رقابة فعلية تمكنها من معرفة حجم الإنتاج من البترول.

وكان تقرير لدائرة المحاسبات وهو جهاز رقابي مالي رسمي أكد في تقرير له (عدد 27) على وجود خروقات مختلفة تتعلق بنشاط بعض الشركات العالمية، مشيرة إلى وجود سوء تصرف في استخراج الغاز والنفط. وقد مثل هذا الاتهام ركيزة أساسية في الاحتجاجات ضد تلك الشركات.

مخالفة للقانون

ويؤيد رئيس لجنة الطاقة في المجلس التأسيسي السابق شفيق زرقين ما يحوم من شبهات فساد بصفقات النفط، مؤكدا لمراسلون بأن عديد الشركات النفطية استوفت الفترة المحددة للاستغلال وطالبت بالتمديد في الامتياز لفترة تصل إلى 15 عاما أخرى، “وهو ما يعد مخالفة للقانون”.

ويقول زرقين إن التمديد لهذه الشركات كان يتم سابقا بمقتضى ملاحق وليس بنص قانون، “وهو ما أدى إلى عدة تجاوزات. وأكد أن شركات الطاقة لم تف بالتزاماتها تجاه تونس حيث قامت شركة “بريتش غاز” على سبيل المثال بتحويل أرباحها إلى الخارج وإنفاق نحو 400 مليون أورو من الاحتياطي المتفق عليه للاستثمار في مشاريع خدماتية بدلا من المشاريع الصناعية والفلاحية المتفق عليها.

ويكشف شفيق زرقين وهو أحد النشطاء الذين يوجهون اتهاما للشركات العالمية بأن هناك عدة معايير تفتقدها الشركات البترولية التي تحوم حولها شبهات فساد، من بينها نقص في عمليات التدقيق المالي بشأن مداخيلها ومصاريفها، وهو ما أثبته تقرير دائرة المحاسبات لعام 2012.

وينصص الفصل 13 من الدستور التونسي الجديد على أن “الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي تمارس الدولة السيادة عليها باسمه، وتعرض عقود الاستثمار المتعلقة بها على اللجنة المختصة بالبرلمان، وتعرض الاتفاقيات التي تبرم في شأنها على المجلس للموافقة”. ويلزم الدستور الدولة بالاستغلال الرشيد للثروات والحصول على موافقة البرلمان بالنسبة لتراخيص الاستثمار في المحروقات والثروات الطبيعية.

وكان المجلس التأسيسي (البرلمان السابق) قد رفض تجديد عقود عدة شركات نفطية، غير أن البرلمان الحالي سمح للشركات العاملة في هذا المجال بمواصلة عملها بعد أن صادق هذا الأخير على تعديلات في مجلة المحروقات.

مغالطة كبرى

ويقول المسؤول بوزارة الطاقة والمناجم رضا بوزوادة أن عقود الطاقة في تونس تبرم في كنف الشفافية كما يتم تجديدها تحت مراقبة البرلمان، معتبرا أن الحديث عن فساد في هذا القطاع “مغالطة كبرى”.

وبحسب وزيرة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، هالة شيخ روحه، فإن مساهمة الشركات البترولية في ميزانية البلاد تراجعت من 3 مليار دينار (1.2 مليار دولار) في الفترة بين 2009-2010 إلى مليار دينار (400 مليون دولار) سنة 2017.

وفيما يتعلق بتراجع إنتاج تونس من النفط أوضحت شيخ روحه أن تونس تنتج حوالي 40 ألف برميل من النفط يوميا ومثلها من الغاز الطبيعي، وأن التراجع أصبح ملموسا أكثر خاصة في الست سنوات الماضية نتيجة ارتفاع وتيرة التحركات الاجتماعية والحملات التي شوهت القطاع.