قبل اختراع الحدود بين الدول كانوا تجار، يجلبون السلع من كل مكان ويبيعونها في الأسواق، كانوا يحظون بسمعة جيدة بين فئات الشعب وربما حصلوا على امتيازات من الحكام بسبب تجارتهم، أما الآن فبعضهم يطلقون عليهم مهربون يجلبون سلعًا ممنوعة أو بضائع مسموح بها تمر بطريقة غير شرعية بلا رسوم، ولولا الحدود أيضًا سيتمكن كل حالم بأرض جديدة بالعبور إلى حلمه بلا أوراق هوية، أو مرور شرعي، وتأشيرة ،الآن يطلقون عليهم “مهاجرين غير شرعيين”.

هذا ليس تبرير للهجرة غير المنظمة أو جلب البضائع الممنوعة أو بشكل غير شرعي، هذه يمكن أن رؤية مغايرة مضادة للوصم، لكن الأفعال المجرمة لا تحدث لغواية إنسانية وشر كامن في النفس لكن هناك أسباب، وإذا كان هذا الفعل منتشرًا فوجب الفهم.

***

الأمن يبدأ من الأطراف.. الأطراف والحدود والمناطق النائية والمهمشة مناخ جيد للبؤر الإجرامية والخارجين عن القانون، فهي بعيدة عن أعين الأمن تندر بها الخدمات الحكومية وتفتقر أحيانًا للبنية الأساسية وليست على خريطة التنمية، من يقبل أن يعيش فيها إما مضطرًا أو هاربًا أو مستفيدًا من الظروف الاجتماعية والجغرافية.

معظم المناطق الحدودية في العالم تشتهر بالتهريب، يشارك فيها سكان المناطق الحدودية الذين على دراية تامة بتضاريس الحدود ونقاط ضعف الحراس وأفضل الأوقات التي يتم فيها التهريب، ينقلون كل شيء يمكن أن يعبر الحدود مخدرات وبشر وحيوانات وأسلحة وسلع وغالبًا ما تكون عمليات التهريب مصدر رزقهم الوحيد.

 ***

في يناير الماضي أعلنت وزارة الداخلية عن ضبط 78 طن بانجو و23 طن حشيش و66 كيلو أفيون و700 كيلو هيروين و26 كيلو كوكايين وربع مليون قرص مخدر، ورغم أن جهود الضبط تعتبرها قوات حفظ الأمن دليلًا على السيطرة إلا أنه بلغة أخرى كارثة، فالنسبة العالمية الأفضل لضبط عمليات التهريب على الحدود تبلغ 20% من عمليات التهريب، فكل طن يتم ضبطه يهرب مقابله 4 أطنان، وبين كل 10 عمليات تهريب تنجح 8 منهم، وتبلغ فاتورة استيراد المخدرات في مصر من 12 إلى 14 مليار دولار سنويًا.

 ***

لا تستطيع جهود قوات الأمن وحدها منع التهريب أو حتى تقليل عمليات التهريب، لكن حتى الآن لم نسمع عن تجارب مواجهة التهريب بالاهتمام بسكان الحدود.

 ***

تعتبر مصر من الدول التي تتنوع فيها الحدود ما بين الجبال والصحراء والبحرين الأبيض والأحمر، وتشترك معها على الحدود 5 دول إذا استثنينا الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ويبرز دور البدو العالمين بالدروب الصحراوية والمدقات الجبلية الوعرة كأدلاء للمهربين، وفي أحيان كثيرة يعملون كمهربين ومساعدين مسلحين لكبار المهربين، لكن أغلب السكان في تلك المناطق يعملون في الرعي والزراعة الموسمية على الأمطار، ويعيشون في ظروف إنسانية قاسية تقترب من البدائية.

***

في هذا الملف لن نتحدث عن الظروف الاجتماعية لسكان الحدود وإن سيكشف الملف بطبيعة الحال تلك الحالة المتردية لتلك المناطق.

في هذا الملف تحدثنا مباشرة مع المهربين وعن الدروب التي يسلكوها والأدوات التي يستخدموها، وطرق الهرب من حراس الحدود وأعين الأمن، وكم يتقاضون في عمليات التهريب وبمن يستعينون، ولأنها منطقة شائكة استخدمنا أسماء مستعارة للإشارة إليهم بعد رفضهم كشف هويتهم، لكنهم قدموا لـ”مراسلون” معلومات تفصيلية عن ” مهنتهم”، تجنبنا الحكم الأخلاقي والاجتماعي والقانوني عليهم، كان وما زال هدفنا إضافة جزء من المعرفة ضمن محاولات الفهم.

 

تابع القراءة:

 

تصوير: محمد طارق