بدية العامل في ورشة صغيرة،وصاحب الورشة، البائع الجائل، عامل النظافة، ماسح الأحذية، سائق الميكروباص المتهالك، وصولا إلى تجارة المخدرات، والسلاح، والأثار، كلها أنشطة، وصور لما يسميه خبراء الاقتصاد ب”الاقتصاد غير الرسمي”أو “اقتصاد الظل” أو  “اقتصاد تحت الأرض” وغير ذلك من مسميات، فبحسب دراسة قام بها “المركز المصرى للدرسات الاقتصادية” عام 2014، فإن حجم القطاع غير الرسمي في مصر يساوي حوالى 65 % من حجم الاقتصاد الرسمي.

 على صعيد آخر يستفيد المجتمع من تواجد هذا الشكل من الوجود الاقتصادي حيث تعد خدماته أرخص من مثيلاتها الرسمية بشكل كبير، وتسعى الدولة لضمه للاقتصاد الرسمى لتحصيل الضرائب منه.

الدكتور وائل النحاس، المحلل المالي، ومستشار  للعديد من الهيئات الاقتصادية أوضح لنا فى حديثه معنا أن معدل نمو الاقتصاد الموازى ارتفع بقوة فى مصر  منذ 2011،  فهذا الشكل من الاقتصاد يزداد في أوقات الاضطرابات، وهناك أكثر من تجربة للاستفادة منه تحت مظلة الدولة. مؤكداً أنه يحتاج لرعاية الدولة من خلال توفير منظومة عمل جيدة وتسهيل إجراءات ضمه تحت مظلتها.

  • بداية ما هو مفهوم الاقتصاد الموازى؟

 هو الاقتصاد الخارج عن نطاق الاقتصاد الرسمى وهو ما يمكن أن نسميه اقتصاد “تحت الأرض”، أى ممارسة الأنشطة الاقتصادية فى الخفاء، أما للمخالفات القانونية، أو للتهرب من الضرائب، ويكون للتربح، دون انتفاع الدولة منه، لا يلتزم بدفع ضرائب، أو  استخرج التراخيص اللازمة، ولا يتم مراقبته من جانب الحكومة، ولا يدخل ضمن الناتج القومى للدولة، ويتواجد بكثرة فى الدول النامية.

  • وما هي أبرز أشكال الاقتصاد الموازى؟

 تتنوع أشكاله فى مصر ما بين أنشطة شرعية مثل المصانع والورش الصغيرة، والدورس الخصوصية، والأسواق الشعبية، وتجارة القمامة، والباعة الجائلين وغير ذلك من النشاطات، وهناك أنشطة غير شرعية مثل تجارة المخدرات، والأثار، والسلاح، والتجارة في السلع المسروقة والمهربة ، كل تلك الأنشطة تدخل  تحت بند اقتصاد الظل.

ووفقاً لدراسة أعدها اتحاد الصناعات المصري فإن من أهم مكونات السوق الموازى المصانع الصغيرة أو ما يشتهر إعلاميا ب”مصانع بير السلم”، التى تصل ل100 ألف مصنع، وقطاع المهن الحرة، وقطاع المقاولات الذى نما بشكل عشوائى، وطبقاً  لدراسة الخبير الاقتصادى هرناندو  دي سوتو  مؤسس معهد الحرية والديمقراطية فى بيرو، بأنه يوجد فى مصر أكثر من 25 مليون عقار، المسجل منها 8% فقط.

  • وماهو حجم تواجد هذا الاقتصاد احصائياً؟

تشير الدرسات إلى أن حجم تواجد الاقتصاد الموازي يترواح ما بين  2,5 إلى 3 تريليون جنيه، أى ما بين50 % إلى 60% من حجم الاقتصاد القومى، ويشمل ما يقرب من 18 مليون مؤسسة، منها 40 ألف مصنع، حسب دراسة المركز المصرى للدرسات الاقتصادية عام 2014، كما تشير إحصاءات أخرى إلى أن عدد الباعة الجائلين على سبيل المثال حوالى 8 مليون مواطن، وهناك ما يقرب من 120 سوقًا في جميع أنحاء مصر.

  • برأيك ما هي أسباب نمو الاقتصاد الموازى فى مصر؟

هذا الاقتصاد ينمو مع ضعف الاقتصاد الرسمى، وينمو أكثر في أوقات الاضطرابات الاجتماعية، حيث زاد فى مصر 2011، ولكنه أيضا ساهم في عدم تأثر الحياة اليومية كثيرا في مصر، رغم توقف الهيئات والوزارات، فكان مصدر نفع للمجتمع بعد الثورة، حيث لعب هذا الاقتصاد دورا في توفير الخدمات والسلع، فى فترة غياب الدولة نفسها، فزاد من 2 إلى 3 تريليون جنيه، نتيجة غياب الجهات التي تراقب الأنشطة الاقتصادية، وتزايد انعدام الأمن، فنموه في مصر الآن هو حالة طبيعية، بسبب ما تمر به البلاد من تحولات اقتصادية .

وما يدفع المواطن للعمل بعيداً عن أعين الحكومة، هو  الإجراءات البيروقراطية المتعسفة، مع كثرة الضرائب، بجانب القوانين والقواعد المعقدة الراسخة، من اشتركات الضمان الاجتماعى، والخضوع لقانون العمل، ومتطلبات التراخيص، والحواجز التجارية، لذا ينمو  الاقتصاد الموازي فى الدول الضعيفة، التى يزداد بها نسب البطالة.

وهل يمكن تحديد قيمة الضرائب المهدرة على خزينة الدولة؟

 وفقاً لبعض درسات، تصل قيمة الضرائب لحوالي 300 مليار جنيه من الضرائب المحتملة، أى تزيد 50% عن الضرائب الحالية، وحاليا يتم دراسة كيفية تحصيلها من خلال تشكيل المجلس الأعلى للضرائب، عبر مظلة تشريعية جديدة.

  • كيف يستطيع المجتمع الاستفاد من تواجد الاقتصاد الغير رسمى؟ واقترحات ضمه؟

بالفعل المجتمع يستفيد من تواجد الاقتصاد الغير رسمى، ولكن الدولة عليها تقديم خدمات للاقتصاد الغير رسمى حتى يستطيع الاندماج معها، من القضاء على البيروقراطية، وانتشار الفساد، ثم تفعيل المظلة التشرعية لذلك.

كما على الدولة تحديد المشكلات التى جعلت هذا القطاع يهرب منها، وإصلاحها، بداية من إجراءات تخليص الأوراق، ووجود الفساد، مع تقليل القيود التى تضعها الدولة، مع إزالة السلبيات والمعوقات، فستطيع الدولة الاستفادة منه سواء عبر الضرائب، أو نوعية السلع التى تباع، وجودتها، مع تحديد نسبة العمالة، وتحديد نسب البطالة، ومن ثم سيساهم الاقتصاد غير الرسمى فى الإضافة للاقتصاد الرسمى.

مع وضع مظلة تشريعة لضمه، مع الاقتراح بإعفائه من الضرائب في أول عامين، ثم يتم التعامل معه بعد ذلك بالتسلسل في الدفع الضرائب، على أساس أنه في العام الأول لعمله، مع التنسيق بين جميع الوزارات والهيئات المانحة للموافقات والتراخيص.

  • هل يمكن الحديث عن مزايا للاقتصاد غير الرسمى؟

اقتصاد الظل وأنشطته وصناعته المختلفة، تسهل الحصول على لقمة العيش والهروب من الفقر، ويدفع معدلات النمو العام للدولة، من خلال تنافسه مع الاقتصاد الرسمي، ولكن من عيوبه وجود إن العمالة بذلك القطاع غير رسمية، وبالتالي هناك انعدام للأمن الوظيفى، وعدم تغطية الضمان الاجتماعي لهذه العمالة، من الحصول على الرعاية الصحية، والمعاشات التقاعدية، وجدير بالذكر أيضا أن هذا يؤدي إلى تقليل التكاليف التشغيلية لإنتاج السلع والخدمات، وبالتالي تقدم هذه المنتجات بأسعار أقل ودون رقابة.

  • هل هناك دول استطاعت أن تضم أو تستفيدمن ضمت الاقتصاد غير الرسمى؟

توجد دول مثل البرازيل والمكسيك والهند وسنغافورة،  التى استطاعات التعامل مع الاقتصاد الموازى، من خلال منح أصحاب الحرف والعاملين بالاقتصاد غير الرسمى حوافز لدخول الاقتصاد الرسمى، ووضعهم تحت مظلة القانون، مع إعفائهم لفترة من الضرائب وإعفائهم أيضا عن السنوات السابقة، مع عمل تأمينات لهم، ومنحهم خوافض ضريبية، لتسهيل دخولهم واندماجهم.