نحن نتحدث عن معاملات تجارية تحدث دون أي تراخيص. تتحرك الأموال بسلاسة دون أن تستقطع منها أية ضرائب.

لا تمس الدولة هذه المكاسب لأنها ببساطة خارج علمها. لا تقع في الاقتصاد المسجل لديها و لا يراها العقل الحكومي.

نحن أمام مكاسب صافية لأصحابها، تقع مصادرها خارج الأسواق الرسمية، لكنها ليست أنشطة مُجرَّمة. لا تقر مصر قانونًا يشمل وينظم التجارة الجارية عبر الإنترنت وتطورات وسائل الاتصال الحديثة. كما لا تفرض رسوم ضريبية على شركات غير مؤسسة على الأراضي المصرية أو تمتلك مقارات داخل البلاد.

 

مال الشبكة

يكسب ناشر الإعلانات على المدونات أو المواقع أو ضمن مقاطع الفيديو على قنوات المشاهدة على يوتيوب نقودًا. وتمثل هذه النقود دخلًا جيدًا يكون آمنا من الضرائب.

أسس عملاق الإنترنت جوجل فروعًا رئيسية لشركة إدارة موقع يوتيوب في إيرلندا لأنها من أقل الدول تحصيلًا للضرائب في مجال الأنشطة الإليكترونية. تدفع الشركة، بالفعل، رسومًا بسيطة لممارستها أنشطتها الإلكترونية، في حين يكون مستخدمو الإنترنت المتعاقدين معها بشكل حرّ متحررين من استقطاع الضرائب من مكاسبهم.

على مدار سنوات من تأسيسها وقعت شركتا جوجل، المؤسسة في العام 1998، ويوتيوب، المؤسسة في العام 2005،عقودًا إلكترونية مع مستخدمي الإنترنت. بموجب هذا العقد تؤسس شراكة بين الشركة والمستخدم حيث يكون هذا المستخدم ملزمًا بوضع محتوى أصيل، سواء كان تدوينات خاصة به أو مقاطع فيديو من إنتاجه، وينال أموالًا مقابل تحقيق محتواه لمشاهدات كبيرة ونشره لإعلانات على موقعه أو قناته على يوتيوب.

كلما زادت مرات مشاهدة فيديو يحقق صاحبه 1000 دولارًا مقابل كل مليون مرة. لم تعد المشاهدات وحدها كافية، خاصة مع انتشار وتوّسع استخدام الناس للموقع ليتراجع المكسب مقابل المليون الأولى إلى قيمة 100 دولارًا بدلًا من الألف، حسبما يؤكد أحد المدراء التنفيذين ليوتيوب لـ”مراسلون”، وقد رفض ذِكر اسمه.

تحوّل نشر الإعلانات واحتكار حقوق النشر والأداء للفنون إلى هدفين أساسين للكسب. تقسم الأموال، نظير نشر الإعلانات، بين الشركة وصاحب الحساب أو الموقع بنسبة 45% إلى 55%، بالترتيب، ليكون الحجم الأكبر لصالح المستخدم، والذي يكون آمنًا من أية استقطاعات ضريبية.

حينما تحوّل هذه الأموال عبر الحسابات البنكية أو خدمات نقل الأموال لا تكون خاضعة إلا لرسوم التحويل فقط دون أن تكون دخلًا يتطلب استقطاعًا ضريبيًا منه.

يحقق المستخدم مكسبًا ضخمًا إذا كان صاحب شبكة كبيرة من المستخدمين، ليتحوّل نشاطه الفردي إلى عمل مؤسسي، عوضًا عن قناة واحدة يؤسس لأكثر من واحدة، ويضع نظامًا لإدارة المحتوى على أكثر من قناة قد تصل إلى عشر قنوات. تكون كل واحدة منها متخصصة في تقديم نوعها الخاص من المواد. سيتحوّل صانع المحتوى الحرّ إلى مُحتكِر للحقوق، فلا يكون نشطًا في تحمّيل المواد فحسب، وإنما يكون المالك الحصري لحقوق هذه المواد.

يوَفر تملَّك الحقوق مبالغ ضخمة، حيث يحسب نظام جوجل الأموال لصالح صاحب الحقوق.. هكذا يكون المُستحَق الوحيد للأموال سواء كان صاحب القناة التي حققت المشاهدات أو نشرت الإعلانات أو لم يكن.

من ناحية أخرى قَدَرَت مصلحة الضرائب المصرية، في وقت سابق، حجم الاقتصاد غير الرسمي في البلاد بنسبة تتراوح  بين 50% إلى 60% خلال العام 2015. لم تفرض مصلحة الضرائب سطوتها على هذا السوق، حتى الآن، خاصة إذا كانت هذه المعاملات تتم بين مصريين وشركات غير موجودة بالبلاد.

كان النائب مصطفى بكري قد تقدم للبرلمان بمشروع قانون من أجل تطبيق ضرائب على الإعلانات المنشورة على المواقع الإلكترونية. يهدف المشروع المقدم في يوليو/ تموز الماضي إلى تمكين الضرائب من استقطاع رسوم من الإعلانات المنشورة على منتجات جوجل ومواقع التواصل وغيرها من المواقع مثلما تدفع الصحف والمجلات رسومًا على نشرها للإعلانات. لم يناقش البرلمان هذا المشروع أو يتخذ أية خطوات جادة نحو فرض رسوم على الأنشطة التجارية على الإنترنت.

 

اقتصاديات الأزرار

نجح المنتجان السينمائيان أحمد ومحمد السبكي في صناعة توليفة فنية خفيفة تمزج بين الرقص والجمل المحملة بالإيحاءات الجنسية الخشنة. بعيدًا عن دور السينما نجد أن الأخوين المنتجين يديرا تواجد أعمالهما على الإنترنت بشكل مختلف.

بَلَغَ عدد المشتركين في قناة شركة السبكي للإنتاج الفني على موقع يوتيوب أكثر من مليون مشترك. كل من أعجب بمحتواها وكَبَسَ زرًا باللون الأحمر يجاور اسم القناة يتابع ما تضمه قناة الشركة المتخصصة في إنتاج الأفلام. يشمل محتوى هذه القناة الأغنيات، الإعلانات، مشاهد من كواليس الأفلام وغيرها. يتجاوز عدد مشاهدة كل منها مئات الآلاف، لكن مواد السبكي الفنية تتواجد بنسخ مزورة من خلال قنوات أخرى غير قناة المنتج الخاصة. تذهب مكاسب كل هذه المشاهدات في حساب المنتج المالي.. هكذا تكون الشركة قد استفادات من الجهود الضارة للمُقرصِنيين.  ستصب كل هذه المشاهدات للنسخ المزورة من الأغاني والأفلام في صالح المُنتِّج الأصلي وصاحب الحق.

 

تتنوع المادة الجاذبة للمشاهد والمُعلِّن، على حد سواء. تشمل أطيافًا من المفضلات تتنوع بين الأغاني قديمها وحديثها والأفلام الكاملة، سواء كانت نادرة أم رائجة أو مشاهد رقص مستقطعة من أفلام أو تصوير حيّ للأفراح.. لهذا تنبه عدد من المُستخدِمين لضرورة احتكار أنواع محددة من المواد الفنية على الإنترنت.

نشط العديد من مؤسسي قنوات يوتيوب في جمع مادة وتحميل رقصات وأغنيات الأفراح إلى جانب الجديد الذي لا يتوقف من أعمال المهرجانات. يحشد صاحب القناة/ القنوات جمهورًا كبيرًا عبر تقديم مقاطع حصرية لهذه الفنون. موسيقى صاخبة ولدت بالمناطق الشعبية، تعتمد بشكل كبير على إعادة توزيع الموسيقى في طبعة مصرية محلية من موسيقى الراب. صنّاع هذا المحتوى سجلوا لحظات إنطلاق موسيقى المهرجانات وكان الانفجار. راجت مشاهد الأفراح الشعبية على قنوات يوتيوب بكثافة واحترافية. تحول هواة تسجيل الأفراح والمهرجانات إلى مُحتكرين مارسوا كافة أشكال التجارة للكسب من محتواهم الفني، بداية من بيع الموسيقى كرّنات للمحمول حتى  تأسيس مواقع لإدارة المحتوى بدلًا من الاكتفاء بالبث على يوتيوب. نماذج مختلفة سيجدها القارئ تتحوّل إلى اقتصاد كبير كانت بدايته كبسة زر مثل محمود مطبعة، الذي كان أول من قَدَمَ المهرجانات على منتدى صغير تطوّر ليكون موقعًا ضخمًا يملك سعة تخزين هائلة أو مرجان محمد مرجان صاحب أشهر مكتبة إلكترونية متاحة إليكترونية من هذه المواد.

إذا عدنا إلى عالم السوق غير الرسمي سنجد أننا لا يمكننا الوصول إلى تقدير دقيق لحجم الأموال المتداولة في هذا السوق غير الرسمي. قد نعتمد تقديرًا صدر عن اتحاد الصناعات المصرية، مؤخرًا، لهذه الأموال بقيمة تريليون جنيه مصري.  يضم هذا المبلغ الضخم أنشطة تتنوع بين الباعة الجائلين أو أصحاب المصانع غير المرخصة أو كل مَن يعمل بشكل حرّ وكافة الأنشطة التي تتم عبر الإنترنت مثل التجارة الإليكترونية.

 

تجار افتراضيون

 

 

يتجاوز عدد مرات التصفح لواحد من مواقع التسوق الشهيرة على الإنترنت ثلاث ملايين مرة شهريًا. كما تجرى عمليات التجارة الإلكترونية عبر مجموعات التواصل سواء على مواقع التواصل مثل فيسبوك أو تطبيقات الدردشة مثل “واتس آب whats app”. هذا عالم بلا متاجر يكون التسوق على الإنترنت بينما التسليم في المنزل. تحدث هذه الصفقات الافتراضية بلا وسطاء أو مستحقات ضريبية، بينما تستفيد المواقع من خلال رسوم لتأدية خدمة البيع أو التوصيل إلى جانب سيطرتها على مساحات جديدة من تغطية سوق التجارة الإلكترونية  بين المستخدمين لتزيد نسب إعلاناتها ومكاسبها.

بلغت قيمة أشهر مواقع التسوق في المنطقة العربية، حسب تقديرات موقع “فوربس”، مبلغ 800 مليون دولارًا. أسست الشركة في العام 2005، ويقع مقرها الرئيسي بدبي بالإمارات العربية المتحدة، وقد أسست مكاتب تجارية في ثلاث دول عربية: المملكة العربية السعودية، الكويت، وجمهورية مصر العربية. كما إن لدى هذا الموقع مركزًا للتطوير التقني في المملكة الأردنية الهاشمية.

مستخدمو الموقع في مصر لا يدفعون نسبة من أموالها كضرائب لعدم توافر قانون للتجارة الإلكترونية خلافًا لكل من الإمارات،  السعودية، والكويت.

كما تتوسع الخدمات على مواقع التسوق من البيع والشراء إلى الاستشارات النفسية والخدمات الطبية والصحية وقيادة الحياة عبر تقديم نصائح وخبرات حياتية أقرب لكتابات شحذ الطاقة الإيجابية وأفكار ومناهج التنمية الذاتية!

وتروّج الإعلانات على مواقع التسوق لخدمات أخرى غير شراء السلع المختلفة مثل جلسات مع مستشاري الصحة النفسية، الذين يقدمون خدماتهم في البيوت. سعر الجلسة 200 جنيهًا (ما يزيد عن 10 دولار بالقليل)، بينما يقدم مركز بوسط العاصمة المصرية الخدمات نفسها بسعر 150 جنيهًا. يحدد الإعلان الأمراض المشمولة بالخدمة بشكل دعائي كالآتي: يعالج المركز الاكتئاب، البارانويا، إدمان العقاقير والمخدرات، التعافي من الإيذاء، ويقدم مشورة لحل أزمات العلاقات الزوجية كذلك.