من عمق القلب تنهدت وهي تجلس شبه عارية في إحدى الشقق المستأجرة بمدينة سوسة الساحلية. كانت النقمة بادية في كلامها الذي لم يخلو من نعوت وكلام ناب ينم عن سخط كبير.
بوجه شاحب وعينين دامعتين وحسرة كبيرة بدأت زينب تتحدث عن تجربتها في تجارة الجنس لمراسلون. لقد حرمت هذه المرأة التي كانت تعمل مومسا بماخور سوسة من أطفالها الأربعة منذ شهور بعد إيداعها السجن بتهمة “البغاء”.
أمضت زينب ثمانية أشهر سجنا بعد أن تم إلقاء القبض عليها مع ثمانية من رفيقاتها ورفقائها في شقة في سوسة بتهمة ممارسة الجنس بشكل غير قانوني.
زينب في الشارع
تكافح هذه المرأة منذ سنوات هي وزميلاتها من أجل دفع السلطات لإعادة فتح ماخور سوسة للعمل في مجال تجارة الجنس في إطار قانوني حتى تتجنب التتبع الأمني ومخاطر الأمراض.
لكن بالرغم من تحركاتهن التي وصلت إلى حد تنفيذ وقفة احتجاجية أمام البرلمان التونسي لم تتحقق مطالبهم بإعادة فتح الماخور. وفي ظل ذلك لجأن للعمل بشكل سري خارج أعين الأمن.
تقول زينت لمراسلون “كان لا بد أن أعمل في الخفاء حتى أؤمن قوت أطفالي الأربعة فقد ارتفعت الأسعار وأطفالي يدرسون ويحتاجون أن أؤمن لهم مصاريف دراستهم وإيجار المنزل”.
بعد خروجها من السجن عجزت زينب عن استرجاع أطفالها. تقول “أنا اليوم محطمة بعد أن اضطرت ابنتي للانقطاع عن دراستها وذهبت للعاصمة للعمل في البيوت كخادمة بينما تطوعت إحدى صديقاتي للتكفل بولدي الآخرين أثناء فترة سجني، أما ابني الصغير وأكثرهم قربا لقلبي فقد افتكه أبوه مني”.
تبلغ اليوم زينب ثلاثين عاما وهي مطلقة من زوجها منذ سنوات. لقد كان يجبرها على العمل في مجال تجارة الجنس ويجلب لها الزبائن للبيت ثم يفتك مالها، كما تقول لمراسلون.
خيرت زينب أن تنفصل عن زوجها والبحث عن عمل آخر لكن دون جدوى فالتحقت بماخور مدينة سوسة لتعمل تحت غطاء رقابة وزارة الداخلية وفي ظروف محمية من كل التجاوزات. لكن الماخور توقف عن العمل بسبب ضغوطات إسلاميين متشددين عقب الثورة.
لكسب قوتها تخرج زينب كل ليلة في جنح الظلام وبين أزقة مدينة سوسة بحثا عن زبائن. تعمل السيدة بشكل غير قانوني وتدرك أن هذا النشاط قد يكلفها السجن من جديد.
لكن زينب لديها ما يكفي من المبررات مما تراها كافية تجعلها تصر على مواصلة العمل لجني بعض المال.
تقول زينب “من ينظرون على أننا قادرات على تأمين عيشنا دون تجارة الجنس هم واهمون لأن المجتمع الذي لم يرحم كثيرات منا لا يغفر لنا أي ماض قريب أو بعيد”.
وتتساءل “هل يعتقدون الناس أني سعيدة بممارسة هذا النشاط. لقد جربت العمل في المطاعم والبيوت بمقابل راتب لا يضمن لي حتى إيجار شقة صغيرة”.
عائدات جيدة
تؤكد زينب لمراسلون أن تجارة الجنس تدر عليها أموالا تكفيها لتأمين نفقات عيشها. “أحيانا يصل الأمر أن أتقاضى راتبا يصل إلى ألفي دينار في الشهر. وأحيانا يغدق علي زبون فيعطني خمسين دينارا (23 دولار) مقابل ساعة واحدة” كما تقول.
لكن وراء هذا الكسب تقف مخاطر كثيرة. فبقطع النظر عن الملاحقات الأمنية وعواقب الدخول إلى السجن تشعر زينب مثل بعض زميلاتها بالخوف من المصير المجهول.
تتذكر زينب جدا كيف حرمت من أعز صديقاتها التي كانت تعمل معها في ماخور سوسة. “لقد قتلها زبونها وذبحها حتى لا يدفع لها ثمن المتعة” تقول بلوعة شديدة.
وتضيف “نحن عرضة للعديد من المشاكل، فقبل دخولي السجن ذهبت مع أحدهم في سيارته ولما قضى حاجته رماني في مكان بعيد وتنصل من دفع المقابل وشتمني”.
يحدث أيضا أن تتعامل زينب ورفيقاتها مع وسطاء لكنهم ينهبون منها الجزء الاكبر من المقابل الذي يتقاضينه، كما تقول. وتكلفة العلاقات بهذا الشكل مرتفعة مقارنة بأسعار المواخير المرخص لها.
يتراوح أجر الوسيط بين 15 و30 دولارا. أما الفتاة فالسعر الذي تطلبه عادة يخضع لمقاييس عدة، أولها سنها وأوصافها وهذا كله يكلف الحريف ما لا يقل عن 60 دولارا.
الماخور أفضل
رغم أنها تجني مالا أكثر عند العمل بشكل سري خارج المواخير المقننة والخاضعة لرقابة الدولة، ما تزال زينب ترغب في العودة للعمل بماخور سوسة.
وتقول “كنا نفضل لو بقينا نعمل تحت رقابة وزارة الداخلية بشكل قانوني منظم يحمينا ويوفر لنا المسكن والتغطية الاجتماعية. على الأقل في الماخور كنا نعيش نظاما صحيا صارما أما اليوم فنحن في عرضة لكل الأمراض المنقولة جنسيا وما من رقيب يحمينا أو يحمي زبائننا”.
لا توجد في تونس إحصائيات دقيقة عن عدد النساء العاملات في تجارة الجنس خارج الأطر القانونية. لكن عبد المجيد الزحاف الطبيب المباشر لماخور محافظة صفاقس (جنوب) يقول لمراسلون إن تجارة الجنس في الخفاء “ارتفعت بصفة مهولة”.
ويضيف “يمكن أن نقدر عدد من يتعاطين تجارة الجنس في تونس بأكثر من 5 آلاف امرأة”.
ويحذر عبد المجيد الزحاف من مخاطر غلق المواخير المقننة الخاضعة لرقابة الدولة، مشيرا إلى وجود مخاطر صحية خطيرة تهدد المجتمع على غرار الأمراض المنقولة جنسيا والتي تكلف نفقات الدولة الصحية فاتورة باهظة.
وبعد إغلاق عديد المواخير في السنوات الأخيرة لم يتبق في تونس سوى ماخورين هما ماخور العاصمة تونس المعروف باسم “عبد الله قش” وماخور صفاقس بالجنوب.