بسطت البحرية المصرية، مؤخرًا، نفوذها على سواحلها لتمنع توجه مراكب التهريب شمالًا إلى القارة العجوز..هكذا نشهد العالم بعد سنوات من أفكار العولمة بلا اندماج، بل البلاد تترسخ حدودها. تصير الحركة مشروطة، حرية التنقل والسفر مقيدة. يكون الإرهاب وجنون التأمين أكثر ردود الأفعال فعّالية. تتشابه الإجراءات المشددة في كل مطار أو ميناء أو نقطة تفتيش برية.

بسطت البحرية المصرية، مؤخرًا، نفوذها على سواحلها لتمنع توجه مراكب التهريب شمالًا إلى القارة العجوز..هكذا نشهد العالم بعد سنوات من أفكار العولمة بلا اندماج، بل البلاد تترسخ حدودها. تصير الحركة مشروطة، حرية التنقل والسفر مقيدة. يكون الإرهاب وجنون التأمين أكثر ردود الأفعال فعّالية. تتشابه الإجراءات المشددة في كل مطار أو ميناء أو نقطة تفتيش برية.

يتصاعد الخوف من الوافدين ليرسم العالم. تسيطر مخاوف مرور الخطر شمالًا مع أصحاب الظروف الإنسانية على المبادئ السياسية والحقوق الأساسية في الحياة الآمنة أو عودة هذا الخطر إلى الجنوب مع المهاجرين المرفوضين في أوروبا.

نعيش لحظة تحوّل. نحيا في عالم يتراجع تمازجه وتتعالى حواجزه.

نحاول هنا قراءة كيف يحدث هذا التغيّر في مصر. البلد الذي يتغيّر بشكل لافت بشكل يعاكس طموحات مَن طالبوا بالتغيير قبل ست سنوات، هل سيكون آخر محطات اللاجئين؟ وكيف سيكون شكل منطقة شمال أفريقيا بعد تزايد الحديث حول منع الهجرة من ثلاث دول مرت بثورات شعبية؟

لقاء درامي

لم تكن زيارة انجيلا ميركل لمصر وتونس، بالترتيب، عابرة، إنما جاءت لحل مشكلة عاجلة. بسبب محاولات وقف عبور اللاجئين للمتوسط من ليبيا سيتغير شكل المنطقة.

يطالب الاتحاد الأوروبي دوله بضرورة وضع المهاجرين غير المقبولين قيد الاحتجاز. العابرون للمتوسط مشكلة أوروبا، ورهان دول شرق أفريقيا الثلاث، مصر وتونس وليبيا في بناء علاقة قوية مع القارة العجوز.

حينما بحثنا عن نتائج الزيارة السريعة، 2 و3 مارس، كانت النتائج قليلة مقارنة بنتائج زيارة ميركل لتونس. لم تثمر جولة المستشارة إلى مصر إلا عبارات درامية.

ركزت المستشارة على ضرورة السماح للمجتمع المدني بالمشاركة في المجال العام، وبشكل خاص المؤسسات الألمانية المستقلة الممولة من الحكومة الاتحادية، وتحسين أوضاع المصريين واللاجئين بمصر على حد سواء. بينما أكد الرئيس أن مصر لا تؤسس معسكرات للاجئين، بل يعيشون وسط المصريين. كما قدم ردًا حول ظروف المنطقة والإرهاب ليبرر التضييق على منظمات المجتمع المدني! 

يتواجد 1300 مصري يجب ترحيلهم من ألمانيا إلى مصر، لأنهم لم ينالوا موافقة على طلباتهم للإقامة. في الوقت نفسه يزيد عدد التوانسة عن نظرائهم المصريين بمائتين، لأنهم لم ينالوا موافقة على طلباتهم من الحكومة الألمانية. رغبة برلين في سرعة الترحيل أثمرت عن اتفاق مع تونس، حيث سترسل الأخيرة وفدًا لألمانيا للتحقق من هويات 1500 تونسي، بينما لم توقع على اتفاقية مماثلة في مصر.

ستحصل تونس على أموال ألمانية تقدر بـ 250 مليون يورو، بينما اتفقت وزيرة التعاون الدولي سحر نصر خلال منتدى الأعمال المصري الألماني، على هامش الزيارة، على تلقي مصر 500 مليون دولارًا. ستوجه هذه الأموال إلى التنمية والمشروعات الصغيرة.

***

تتطور علاقة حيوية بين مصر وألمانيا، بدأت الانفراجة من خلال التعاون في مجالات الطاقة، التبادل التجاري، وحفر الأنفاق. حدث ذلك  رغم توتر العلاقة في 2011 حينما خضعت مكاتب مؤسسة كونراد أدناور لتفتيش وصادرت الشرطة وثائق وأجهزة كمبيوتر من فرعها بالقاهرة 2011. كما صدر حكم بالحبس ضد ألمانيين يعملان بهذه المؤسسة في يونيو/ حزيران 2013 الأول مدير المؤسسة أندرياس ياكوبس أدين بحكم حبس لخمس سنوات والثانية لمدة عامين عن تهمتي إدارة منظمة أجنبية غير شرعية في مصر وتحويل الأموال بصورة غير شرعية. كانا المتهمان قد غادرا مصر، بعد خروجهما بكفالة مالية، قبل صدور الحكمين. كما أغلقت مؤسسة فردريش ناومان مقرها في 2016، بعد تزايد التضييقات الأمنية على أنشطتها.

لا تعمل في مصر إلا مؤسسة ألمانية واحدة هي فردريش إبرت. تنتظر هذه المؤسسة، رغم التضييقات، سريان قانون المجتمع المدني الجديد الذي يقضي بخضوع نشاط المؤسسات الأجنبية لمراقبة لجنة حكومية تضم أعضاء من المخابرات ووزارة الدفاع أو توقيع برلين لبروتوكول مع البرلمان المصري لعمل المؤسسات الألمانية في مصر.

متاهة الأرقام

يطرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أرقامًا جديدة كلما تحدث عن تعداد اللاجئين في بلده. يسمح الوضع القانوني بأن يكون اللاجئين موضوعًا سياسيًا، بل أداة للتفاوض كذلك، حيث تقع كافة المهام المرتبطة بتسجيل اللاجئين وتوثيق وتحديد صفة اللاجئ على عاتق المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وذلك وفقًا لمذكرة تفاهم موقعة  مع الحكومة المصرية في 1954.

لا تضع مصر إجراءات وطنية للتعامل مع اللاجئين أو قوانين تنظم تواجدهم. كما تصنف المفوضية الأممية مصر بأنها دولة عبور للاجئين وملتمسيه من إريترتيا، إثيوبيا، العراق، الصومال، السودان، سوريا، واللاجئين الفلسطينيين الفارِّين من سوريا.  لا يحمل اللاجئ أوراقًا حكومية مصرية، بل تتكفل المفوضية بتوفير الغطاء القانوني له من خلال التعامل مع الخارجية المصرية وصرف الأموال للحكومة المصرية لتوفير  رعاية صحية وتعليمية لبعض اللاجئين.  

يزيد تعداد اللاجئين، حسب الرئيس السيسي، ليصل إلى خمسة ملايين، لكن احصاءات أممية قدرت أن هذا الرقم يبدو ضخمًا إذا تأمّلنا  تعداد النازحين في العالم خلال عام واحد، وهو العام 2015، فإنه لم يتجاوز الملايين الخمسة. سبق أن أعلن السيسي رقم الخمسة ملايين في الأمم المتحدة خلال جلسة حول الهجرة واللجوء بسبتمبر/ أيلول 2016، لكنه حَدَدَ أن بعضهم غير مسجل.

لا توجد أرقام دقيقة لتعداد اللاجئين، بينما تحدد المفوضية السامية تواجد 163 ألفًا من السوريين مسجلين في مكتبها بالقاهرة، إلا أن التعداد يتجاوز هذا الرقم إلى ما يزيد عن 300 ألفًا. في وقت سابق ذكر السيسي وجود حوالي نصف مليون سوري  في مصر، خاصة أن أغلبهم غير مسجلين أملًا في عودتهم مرة أخرى لسوريا مخافة ملاحقة نظام بشار الأسد لأقاربهم الباقيين في البلد المستعرة فيه حرب لأكثر من ست سنوات.

خلط متعمد

نشر موقع “برلماني” المعني بشؤون البرلمان المصري تحقيقًا صحفيًا، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، مع بعض النواب بشأن احتمال ترحيل ألمانيا لمهاجرين إلى مصر أو تونس.

لم يبد الأعضاء رفضًا للفكرة وحرصهم أن يكون ذلك من خلال اتفاقية ثنائية بين ألمانيا ومصر. كما تحدث بعضهم عن مخاوف على الأمن القومي إذا كان بعض هؤلاء المهاجرين يؤمن بأفكار متطرفة. تحدث رئيس لجنة الشؤون الخارجية السفير محمد العرابي عن إن مصر لا تتلقي مساعدات مثل تركيا لإيواء اللاجئين. هل كان البرلماني ووزير الخارجية الأسبق متحمسًا للعب مصر دورًا محوريًا مع أوروبا على حساب اللاجئين؟

ذكرت الصحافة الألمانية، في مارس/ آذار، أن لقاءً بخصوص اتفاقية تحّد من تدفق اللاجئين مماثلة لوثيقة وقعت بالفعل مع تركيا  2016 ستوقعها المستشارة الألمانية مع الرئيسين المصري والتونسي. كما جاءت إشارة للأموال مقابل منع عبور اللاجئين.

بعد أقل من خمسة أشهر من نقاش البرلمان المصري، خلال زيارة ميركل لمصر جاء رفض الرئيس لتأسيس معسكرات، لكنه لم يصرح بشكل قاطع حول التعجيل بعودة المرفوضين. بينما أكدت المستشارة الألمانية على الوصول إلى اتفاق حول نقاط ملموسة بشأن الحدود، وحماية مصر لحدودها الغربية لمنع أي فرص للإرهابيين.

التعهد بمنع التدفق لم يعلن لأول مرة خلال زيارة ميركل لمصر، بل سبق أن أكد الرئيس المصري منعه لتدفق المهاجرين عبر المتوسط في أكتوبر/ تشرين أول 2016. جاء هذا التأكيد خلال لقاء جمعه مع فيليبو جراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

كما أشاد المسؤول الأوروبي بمنع مصر لخروج أي مركب منذ سبتمبر/ أيلول 2016، حينما جرَت آخر عملية تهريب عبر مركب صيد تحرك من رشيد وراح ضحيته 200 راغب في الهجرة.

لا يريد الاتحاد الأوروبي إقامة أماكن احتجاز في مصر، حسبما أكد المفوض الأوروبي للهجرة والمواطنة والشؤون الداخلية ديميتريس أفراموبولوس في لقاء جمعه بوزير الخارجية المصري سامح شكري ببروكسل يوم 6 مارس/ آذار الجاري. لكنه سيوفر كافة السبل لدعم قدرات مصر لتوفير الحياة الملائمة والخدمات للاجئين، ووقف موجات تدفق الهجرة غير الشرعية.

سيتزايد الدعم الدولي لمصر، حيث تتلقى دعمًا أمميًا من مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين. كانت وزارة الصحة المصرية قد وقعت  مذكرة تفاهم، في أكتوبر/ تشرين، مع المفوضية لتقديم معدات طبية عالية المستوى من أجل المساهمة في تعزيز الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين المصريين واللاجئيين المقيمين في مصر.

وعلى الضفة الأخرى من المتوسط نظمت إيطاليا اجتماع روما، في 20 مارس/ آذار. حضر هذا الاجتماع قادة من دول أوروبا وشمال أفريقيا، ماعدا مصر. ركز المشاركون على ضرورة منع تدفق اللاجئين إلى المياه الأوروبية عبر  زوارق مطاطية تنطلق من ليبيا.

ماذا ستفعل الجارة؟

تريد مصر الأموال وتأسيس علاقة فَعّالة وحيوية مع أوروبا.

خاصة أن التعامل مع ملف شائك مثل اللاجئين يتطلب مبالغ ضخمة، على سبيل المثال تسعى المفوضية السامية لشئون اللاجئين خلال العام الحالي لجمع تبرعات تصل إلى ثمانية مليارات من الدولارات من أجل تلبية احتياجات السوريين داخل بلدهم وخارجها. هل تمتلك مصر خبرة في التعامل مع ملف مكلف ماليًا ومعقد إنسانيا وسياسيًا مثل رعاية شئون اللاجئين؟

تحدد مفوضية الأمم المتحدة مهامها في مصر والتي تتوجه إلى سوريين جاؤوا إلى مصر هربًا من الصراع في بلدهم، سودانيين لاجئين من القتال الدائر بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وقوات المسلحة السودانية في ولاية النيل الأزرق وحنوب كردفان ومنطقة أبيي أو لاجئين هاربين من الصراع في دارفور أو من فروا من جنوب السودان وصاروا لاجئين ولا يعدون الوضع في السودان مشجعًا للعودة، الإريتريين الفارِّين من انتهاكات حقوق الإنسان والتجنيد القسري، العراقيين الهاربين من أعمال العنف، الصوماليين الفارِّين جراء الوضع الأمني في بلادهم. لكن مصر لا تزيد عن كونها مكانًا آمنًا لإقامة هؤلاء، دون أن تتورط في إدارة هذا الملف، لكن هل ستتمكن من التوسع في لعب دور أكبر من كونها مكان إقامة مؤقت!؟

مؤخرًا صار المهاجر غير مدان، حتى إذا كان ينتقل بشكل غير قانوني. هذا الوضع مختلف لأن المهاجرين كانوا يحبسون، لكن قانون الهجرة الجديد الصادر أواخر العام الماضي يستهدف المهربين. تصل العقوبات إلى الحبس المؤبد. كما ينص القانون على تأسيس لجنة وطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية.

المستقبل مرسومًا

إذا تأمّلنا واحدًا من الرسوم التوضيحية لمفوضية اللاجئين حول حركة اللاجئين السوريين خلال السنوات الست الماضية سنجد رقمًا.

كتب هذا الرقم بحجم صغير، يحدد 100 ألفًا لتعداد المهاجرين القادمين من سوريا على جزء من خريطة الشرق الأوسط. كانت مصر موضع هذا الرقم. لننتبه أن الموضع قد يكون غير مقصود، حسب توضيح مصاحب للرسم التوضيحي. يصاحب هذا الرقم رسمًا كأنه يستشرف المستقبل. يصاحبه رمزين، أولهما  شخص مظلل بالأسود يقف والآخر يماثله في الحجم ودرجة اللون الأسود، لكنه يتحرك .. أي أن حالة المتواجدين محصورة بين مقيم ومغادر، لكن يبدو أن رمزًا واحدًا سيستقر على هذا الموضع المجازي في الرسوم المستقبيلة عن اللاجئين.. هل سيكون الرسم لشخص واقف؟

حينما طرحت مصر فلسفتها عن شئون اللاجئين تعهد رئيسها بالتزامه بمنع تدفق اللاجئين. أكد هذه الفلسفة وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال لقاءات جمعته بمسئولين أوروبيين خلال زيارته في بروكسل، في مارس/ آذار الحالي. لا تخلو هذه الصيغة من التفكير الأمني، وهو أحد بنود التعامل مع لاجئين يعبرون المتوسط، لكنه ليس البند الوحيد.

إذا تركنا الرسم، ومحاولات تأويله، والتفكير الأمني المصري كذلك، سنجد أن الهواجس الأمنية تحرك أوروبا كذلك.

يطالب الاتحاد الأوروبي دوله بوضع المهاجرين غير المقبولين قيد الاحتجاز. لكن المطالبة جاءت في حالة المهاجر غير المتعاون أو مَن يحتمل رغبته في الهرب.

كما نشر الاتحاد الأوروبي سفنه في مياه المتوسط وقَدَمَ لتسعين من حرس السواحل الليبيين تدريبات لمنع عبور مراكب تقل المهاجرين. تمكنت البحرية الليبية من إنقاذ  115 مهاجرًا، كانوا يستقلون قاربًا مطاطيًا متهالكًا، في 3 مارس/ آذار.. هكذا نشطت ليبيا، رغم أزماتها، في وقف عمليات الهجرة عبر سواحلها.

تحدث وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي، خلال اجتماع روما، عن منع حرس السواحل الليبيين وصول المهاجرين، واحتجازهم في أماكن لائقة في ليبيا.. هكذا يتضح أن المعسكرات ستؤسس في ليبيا، ليس في أي من جارتيها.

من ناحية أخرى لم يعلن بوضوح الدور المصري في ليبيا. نلمح في إشارة ميركل لحماية الحدود الغربية تفسيرًا محتملًا لسيناريو غامض ستكشفه الأيام القادمة، ربما يتخطى الحدود إلى ليبيا نفسها، خاصة أن الأوضاع في ليبيا قد لا تسمح بإدارتها لهذا الملف الشائك بمفردها.