جاءت إلى مصر موجات عديدة من اللاجئين الفلسطينيين تبعًا لتطور الأوضاع في بلدهم، فيما اختلفت ردود فعل الدولة المصرية على كل موجة تبعًا لتطورات النظام الحاكم في مصر، فبدءًا من الثورة الفلسطينية (1936-1939) وزيادة الصدامات بين العرب واليهود في مدن يافا والخليل وجدت بعض الأسر أن اللجوء لمصر هو الحل الأسلم حينها، كانت مصر وقتئذ دولة أكثر انفتاحا تفتح أبوابها لجنسيات وأعراق مختلفة، فكما فتحت الباب للأرمن الهاربين من مذابح الأتراك في 1917، فتحت الباب أيضًا للفلسطينيين الفارين من معارك دارت أثناء الثورة الفلسطينية، وكما استوطن الأرمن، عاش الفلسطينيين أيضاواندمجوا في المجتمع المصري عبر التعليم وحق التملك والتجارة كأي جالية تعيش في مصر، إلا أن ما سرا على فلسطينيي نهاية الثلاثينات لم يسر على من جاؤوا عقب النكبة في 48، هكذا فإن عائلة واحدة يمكنها أن تجمع أخوة نصفهم فلسطينيين والآخر مصرين.

***

لم يكن يوسف من محبي المطربة الشابة –حينذاك- أم كلثوم، لذلك لم يسع لحضور أي من حفلاتها عند زبارتها لفلسطين عام 1931، وظلت علاقته بأم كلثوم مرتبكة حتى بعدما جاء إلى بورسعيد عام 1948، لاجئا مع عائلة من أم وأخ أصغر سنسميه “منير” وأخت أصغر منهما، سُمح لهم بالمكوث في مصر بكفالة خاله المصري الفلسطيني الذي جاء إلى مصر 1937، أثناء الثورة الفلسطينية.
لم يكفه العمل في بورسعيد قوت أسرة من 4 أفراد خلال الشهر، لذا بعد عام واحد انتقل إلي القاهرة ثم الإسكندرية ثم بيروت ثم منها إلى الكويت
عام 1953. يحكي حفيد أخيه ويتابع أن يوسف كان حريصًا في كل زيارة على أن يحضر حفل أم كلثوم.
الحفيد هو محام فلسطيني حصل على الجنسية المصرية مؤخرًا، ورفض ذكر اسمه، لذا سنسميه “زياد”، تزوج جدُه منير من ابنة خاله الفلسطينية التي حازت الجنسية المصرية هي وأسرتها لما جاؤوا عام 1937 إلى بورسعيد، لم يحصل منير على الجنسية المصرية حين تزوج عام 1955، إلا أنه كان يحق له المكوث في مصر. رُزق منير بـ3 أولاد وبنت؛ فلسطينيين لأم مصرية، تزوجوا جميعًا من مصريين، حازت البنت جنسية زوجها وصارت مصرية، فيما ظل الأبناء الثلاثة فلسطينيين مع حق للإقامة والدراسة في عهد التطلعات القومية العربية لنظام عبد الناصر. و
بالرغم من أن سياسات عبد الناصر ساعدت في دمج الفلسطينيين في مصر، فإن تجنيس الفلسطينيين لم يكن يومًا أحد الخيارات المطروحة، إيمانا بضرورة العودة إلى فلسطين. حينئذ كانوا أفضل حظًا من الفلسطينيين الذين جاؤوا بعد حرب 1956، وبعد هزيمة 1967، الذين تبادلوا المعاملة مع مصر باعتبارها محطة مؤقتة إما قبل العودة لفلسطين أو الانتقال إلى دولة أخرى.

ما بعد “كامب ديفيد”

على الرغم من أن مصر لعبت دورًا مهما في ميلاد منظمة التحرير الفلسطينية(1964)، فقد كان للتوترات السياسية بين المنظمة والحكومة المصرية على مرّ السنين تداعيات سلبية على الفلسطينيين المقيمين في مصر. فبعد توقيع اتفاق كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل واغتيال وزير الثقافية المصري يوسف السباعي في فبراير 1978، عانى الفلسطينيون من تراجعٍ كبير على صعيد الحقوق التي تمتعوا بها حتى ذلك التاريخ. فبين الأعوام 1978-1982، بدّلت الدولة المصرية قوانينها وأنظمتها وأمسى الفلسطينيون “أجانب” طبقًا لقراري رئيس الجمهورية، 47 و48 لسنة 1978، بإلغاء القرارات التي كانت تعامل الفلسطينيين معاملة المصريين، كما حظرت وزارة القوى العاملة اشتغال الأجانب -ومنهم الفلسطينيين- في الأعمال التجارية، والاستيراد والتصدير، إلا لمن كان متزوجاً بمصرية، منذ أكثر من خمس سنوات. أو ملتحقًا بمدرسة أو جامعة ودافعًا لرسومها، حيث صدر قرار وزير التربية والتعليم المصري بنقل الطلاب الفلسطينيين من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة، ما عدا أبناء العاملين في الجيش. وأُتبع بقراري الوزير نفسه، رقم 87 لسنة 1983 ورقم 75 لسنة 1984، اللذين تضمنا معاملة الفلسطينيين معاملة الأجانب الوافدين. وتراوحت رسوم الطالب الجامعي ما بين 600-1.200 جنيه إسترليني، فضلاً عن رسم القيد. وحظر على الطلبة الفلسطينيين الالتحاق بكليات الطب والهندسة والصيدلة والاقتصاد والإعلام. كما أصبح العمل في القطاع الخاص امتيازًا لمَن استطاع الحصول على تعليم جامعي ومن ثم التنافس لحجز مقعد ضمن الكوتا البالغة 10% والمخصصة للأجانب من إجمالي اليد العاملة في أي مؤسسة. كما كان سفر الفلسطينيين مقيَّدًا. فلِكي يضمن المسافرون أو المقيمون في الخارج من الفلسطينيين الحاملين لوثيقة السفر المصرية الدخول مرةً أخرى إلى مصر، كان يتعين عليهم إما العودة إلى مصر كلَّ ستة أشهر أو تزويد السلطات المصرية مقدمًا بما يُثبت عملهم أو التحاقهم بمؤسسة تعليمية. وفي تلك الحالات، كان يتسنى الحصول على تأشيرةٍ للعودة مدتها عام واحد. ظل العديد من الفلسطينيين في مصر يواجهون تضييقات أمنية متعسفة ما جعلهم في كثيرمنالأحيان ينكرون أصولهم الفلسطينية كما الحال مع عدد من المصادر التي تواصلت معها

 

:تابع القراءة

–         مصر.. محطة ترانزيت أم محل إقامة

–          مابين العراق والسويد

–          فترة انتقالية طويلة

–          مقبرة لاجئين بميدان مصطفى محمود

–          مدن سورية في الغربة