منذ مئات السنين يحافظون على العهد بالحماية والخدمة.. ورغم الطبيعة الجغرافية القاسية التي تعطيهم القليل من سبل الحياة إلا أنهم لم يغادروا أو يخونوا عهد أسلافهم وسالت دمائهم على صخور الجبال لحماية الأرض المقدسة التي أقسموا على حمايتها وخدمتها منذ القرن السادس الملادي.

هم الآن 7 آلاف مواطن مصري قبل ذلك كانوا 200 أسرة من الإسكندرية ورومانيا جمعهم الإمبراطور البيزنطي جيستنيان ووضعهم وسط الجبال لمهمة وحيدة حماية مدينة سانت كاترين ورهبان الدير والجبل المقدس الذي تلقى عليه البني موسى الألواح من الله، من الاعتداءات البربرية من القبائل الأخرى.

يقول أحمد أبو راشد شيخ قبيل الجبالية التي تحمي سانت كاترين ومستشار الدير لشئون القبائل العربية إن حماية الدير والرهبان والزائرين شرف تعتز به القبيلة منذ أكثر من 1400 عام وفي سبيل الحماية استشهد 450 من أفرادها ودفنوا بجوار مقام النبي هارون تكريما لهم.

ويضيف: وحتى الآن نحمي رهبان الدير والزائرين والحجاج الذين بلغ عددهم أكثر من 3 آلاف زائر يوميا لجبل الله الذي يرتفع أكثر من 2600 مترا وحتى خروجهم من جبال مدينة سانت كاترين، والقبائل البدوية التي أطلقت علينا أهل الجبل لا تستطيع أن تتعدى على حدود القبيلة أو الزائرين وعلاقتنا بهم طيبة والحمد لله وإذا حدث تعدي أو مكروه أو مضايقات للرهبان من القبائل الأخرى نتصدى له ثم نلجأ إلى القضاء العرفي البدوي المشهور بالإستقلالية، وأيام الإحتلال الإسرائيلي لسيناء حاولت السلطات تحويل الدير إلى متحف وطرد الرهبان منه وتصدت لهم القبيلة ولم يستطيعوا إجبارنا لأننا نعرف الجبال أكثر منهم، ولن يستطيعوا حماية الدير والمدينة الجبلية بدوننا، أيضا حمت القبيلة المدينة عقب الإنفلات الأمني في ثورة 25 يناير  2011 حينما انسحبت الشرطة المصرية ولم يكن هناك تواجد أمني تماما، واستطعنا أن نحمي الدير وشكلنا كمائن على الطرق والمدقات الجبلية ولم يحدث شيء الحمد لله.

ويعيش في مدينة سانت كاترين أكثر من 9 آلاف مواطن مصري منهم 7 آلاف من قبيلة الجبالية 80 % منهم يعملون في السياحة كأدلاء ومنظمي رحلات السفاري ومعاونة الرهبان والحجاج والباقي يعمل في زراعة الأعشاب الطبية النادرة والرعي.

في نوفمبر الماضي حصلت المدينة على جائزة أفضل برنامج سياحي من نقابة الكتاب السياحيين البريطانيين، باعتبارها الأكثر أمانا بالتصويت من بين 3 مدن أخرى هي فيرجينيا بأمريكا وجبال سايمن بإثيوبيا، وتم تكريم الشيخ أحمد أبو راشد الذي استلم الجائزة في لندن بحضور وزير السياحة المصري ومحافظ جنوب سيناء.

وتعترف الحكومة المصرية التي وضعت مدينة سانت كاترين كمحمية طبيعية عام 1988 باتفاق قبيلة الجبالية مع رهبان الدير على الحماية والخدمة، ويتم الاستعانة بهم في شئون إدارة المدينة باعتبارهم سكان الجبل، كما تحتفظ وزارة الثقافة بالوثيقة التي وقعتها القبيلة مع الإمبراطور جيستنيان ورهبان الدير، ويتم تعيين شيخ القبيلة كمنصب رسمي من الدولة ويمثل القبيلة في الدواوين الرسمية والاحتفالات.

ومدينة سانت كاترين تقع على هضبة ترتفع 1600 متر فوق سطح البحر في قلب جنوب سيناء وتبلغ مساحتها 5130 كم، وتحيط بها مجموعة جبال هي الأعلى في مصر، وأعلاها قمة جبل كاترين وجبل موسى وجبل الصفصافة وجبل الصناع وجبل البنات وجبل عباس، وتتميز هذه الجبال بميول حادة متموجة يصعب الصعود عليها.

وتسيطر القبيلة على 37 وداي بسانت كاترين وتتعاون الأجهزة الأمنية معها في جمع المعلومات ومهام الإنقاذ وتحقيق الأمن، وعبر المدقات الجبلية التي يطلق عليها البدو “القفير البدوي” يعين شيخ القبيلة مسئولين عنها تكون مهمتهم تأمينها وحماية الزائرين الذين يمرون عليها ومساعدتهم، كما يحمون 25 “كنيسة صغيرة” حول الجبل المقدس والتي يتعبد فيها 25 راهبا من الدير، فيما تكون مهم شيخ القبيلة تنسيق عمليات التصدي للهجوم على الدير وسرقة مقتنياته التي لا تقدر بثمن.

وبنى الإمبراطور جيستنيان دير القديسة كاترين كقلعة حربية ترتفع أسوارها أكثر من 12 مترا بداخلها الشجرة المقدسة وبئر موسى ورفات القديسة كاترين، وللدير 3 أبواب الأول للزيارات الرسمية والثاني للرهبان والزائرين والحجاج والثالث باب معلق في قلب الجبل ارتفاعه 25 مترا يستخدم للطوارئ وقت الهجوم على الدير ومن خلاله يتم إصال الإمدادات من الطعام والشراب للرهبان، ويفتح من داخل الدير عن طريق رافعة بدائية.

 لن تصيبك الدهشة إذا حافظت أية قبيلة على عهدها واتفاقها أو قسم أسلافها الذي مر عليه مئات السنين، فالتقاليد والعادات تعيش مع القبائل وهي جزء من استمرارها ككتلة واحدة تصمد أمام الهويات الدينية والأيديولوجية ولا تحولها التغيرات أو تؤثر في تكوينها، لكن المدهش أن قبيلة الجبالية التي تحمى الجبال غيرت من تقاليدها عقب ثورة يناير وأصبح شيخ القبيلة بالانتخاب.

يقول أحمد أبو راشد أول وأصغر شيخ قبيلة في سيناء بالانتخاب، إن طريقة اختيار شيخ القبيلة كان له معايير مستقرة منذ آلاف السنين، أولاها أن يكون من الأثرياء ويتمتع بالحيادية والأخلاق الحميدة ومشهود له بالأمانة ويكون سنة أكبر من 50 عاما، وكما يقول البدو ” له دار وسيعة ودابة سريعة” أي له بيت كبير يسع الجميع ليستضيف الكثير من الناس وقادر على تلبية احتياجات القبيلة بسرعة بدابته السريعة، وغالبا ما يتم تعيين شيخ القبيلة عن طريق الدولة أو رؤساء العائلات لمصالح شخصية، ويتم فرض الشيخ على القبيلة حتى لو كان معظم أفرادها لا يريدونه، إلا أن الوضع تغير تماما بعد ثورة 25 يناير بسبب شباب القبيلة الذين طلبوا أن يكون الشيخ بالانتخاب عن طريق الاقتراع السري المباشر، وبالفعل استجابت عائلات قبيلة الجبالية الأربعة لمقترح الشباب.

يضيف: اتفقنا على تشكيل لجنة من 4 قبائل هي: المزينة والحيوطات والترابين وولاد سعيد للإشراف على الانتخابات وتنظيم الإدلاء بالأصوات وفرز الصناديق وإعلان الفائز.

وترشح لمنصب شيخ القبيلة 4 مرشحين من عائلات القبيلة الأربعة، ولم يشترط سن للمرشح، وشارك في الانتخابات 95% من أفراد القبيلة وفاز الشيخ أحمد أبو راشد بنسبة 75 % من الأصوات لمدة 6 سنوات.

يقول: كان لي دور ناشط في القبيلة قبل عام 2011 في قضايا أهمها تحرير المرأة وتعليم البنات، ولهذا دفعني الشباب للترشح للمشيخة ودعموني في الدعاية لدي العائلات وفزت الحمد لله، وأصبح شيخ القبيلة المنتخب ملزم لأفراد القبيلة كلها وللدولة أيضا التي استجابت لاختيار أفراد القبيلة لزعيمهم وتم تعييني رسميا شيخ قبيلة الجبالية.

وأضاف أن القبيلة كان لها هدف من إشراف القبائل الأخرى في سيناء على أول انتخابات لمنصب شيخ القبيلة هو رؤية التجربة تمهيدا لتعميمها وهو ما حدث فقد أعدت 12 قبيلة عربية في جنوب سيناء وثيقة طالبوا فيها الدولة بإجراء انتخابات لشيوخ القبائل.

 تصوير: محمد العريان