أثناء كلمته في احتفالية الأوقاف بالمولد النبوي الأسبوع الماضي، خرج عن نص الخطاب المكتوب سلفاً. تحدّث عبد الفتاح السيسي عن خارطة طريق لمدة خمس سنوات يشكلها “كبار علماء الدين والاجتماع بهدف إعادة صياغة فهم ديني موحد، على السلوم مثلما الإسكندرية، بورسعيد مثل أسوان”، فيما عُرف بمشروع الخطبة الموحدة ـ وأكد على أنه مشروع لإعادة صياغة الأمة بعد حالة من التشرذم دامت لسنوات”، باعتباره مشروعاً للرد على محاولات هدم الدولة والتي بدأت منذ 3 يوليو/تموز من خلال منابر المساجد.

أثناء كلمته في احتفالية الأوقاف بالمولد النبوي الأسبوع الماضي، خرج عن نص الخطاب المكتوب سلفاً. تحدّث عبد الفتاح السيسي عن خارطة طريق لمدة خمس سنوات يشكلها “كبار علماء الدين والاجتماع بهدف إعادة صياغة فهم ديني موحد، على السلوم مثلما الإسكندرية، بورسعيد مثل أسوان”، فيما عُرف بمشروع الخطبة الموحدة ـ وأكد على أنه مشروع لإعادة صياغة الأمة بعد حالة من التشرذم دامت لسنوات”، باعتباره مشروعاً للرد على محاولات هدم الدولة والتي بدأت منذ 3 يوليو/تموز من خلال منابر المساجد.

أمة يعاد صياغتها

باعتبارها واحدة من الأدوات الإعلامية النافذة والمتواصلة بشكل مباشر مع الثقافة الجماهيرية، كانت منابر المساجد ساحة للصراع بين الدولة وتيارات الإسلام السياسي منذ صعودها في السعبينيات وحتى اليوم، بخاصة بعد ثورة 25 يناير 2011، فقد احتد الصراع على منابر المساجد. وبعد 30 يونيو/حزيران 2013 اتجهت الدولة متمثلة بوزارة الأوقاف لإحكام السيطرة على المنابر لضبط خطابها وضمان عدم توظيفها سياسياً، بحسب تصريحات عدة لوزيرها محمد مختار جمعة.

منذ أغسطس/آب الماضي، ضمّنت وزارة الأوقاف المصرية ديباجة ثابتة ملزمة للأئمة مع كل خطبة تصدرها بصيغة ملف PDF عبر موقعها، خلال 16 خطبة جمعة منذ 5 أغسطس/آب 2016 “تؤكد وزارة الأوقاف على جميع السادة الأئمة الالتزام بنص الخطبة أو بجوهرها على أقل تقدير مع الالتزام بضابط الوقت ما بين 15 – 20 دقيقة كحد أقصى، واثقة في سعة أفقهم العلمي والفكري، وفهمهم المستنير للدين، وتفهمهم لما تقتضيه طبيعة المرحلة من ضبط للخطاب الدعوي”.

النص الموحد والملزم لخطبة الجمعة كان أحدث حلقات فرض خطاب ديني رسمي في ما تعتبره الدولة، ممثلة في الأوقاف، تجديدًا للخطاب الديني، وقد مرّ التجديد عبر مراحل عدة قبل تحقيقه.

الطريق إلى خطبة النص الواحد

خلال عامين قبل فرضها نص خطبة موحد، اتخذت الأوقاف باعتبارها إحدى أدوات الصراع بين “دولة 30 يونيو” وجماعة الإخوان المسلمين عدداً من الإجراءات في سبيل السيطرة على المجال الديني في مصر تمهيداً لقرارها الأخير، بحيث قرر وزير الأوقاف في سبتمبر/أيلول 2013 إلغاء جميع تصاريح الخطابة الخاصة بخطباء المكافأة، موضحاً أن هذه الإجراءات تأتي في سياق حملة الأوقاف لمنع تسخير المنابر لترويج مواقف سياسية، بحسب حوار أجرته معه جريدة الشرق الأوسط اللندنية.

نحو تحقيق “رؤيتها لخطاب ديني منضبط” عام تلتزم به كافة المنابر في مصر، أجرت الأوقاف في يناير/كانون الثاني 2014، حصراً مركزياً للمساجد الجامعة والصغيرة والزوايا في مصر، يقول إن عددها في مصر يقارب 240 ألف مسجد، تسيطر الوزارة على قرابة 89 ألفاً منها والباقي: إما يتبع جمعيات إسلامية أو أنه بني بتبرعات أهلية من مواطنين. وقد حددت الأوقاف موضوع الخطبة داخل المساجد التابعة لها بعد شهرين فقط من هذا الإحصاء، ففي 21 مارس/آذار 2014 صدرت أول خطبة موحدة على موقع “أوقاف أون لاين”، لتتبعها خطب دورية أسبوعية تحدد الوزارة موضوعها.
أحيل عدد من الخطباء والمفتشين للتحقيق والإعفاء من العمل على خلفية مخالفة موضوع الخطبة، فبحسب خبر نشرته المصري اليوم المصرية في مارس/آذار 2014 “قرر الشيخ صفوت المرسي، وكيل أوقاف القاهرة، إعفاء الشيخ ربيع عبد الرحمن الخولي من عمله مديراً لإدارة أوقاف جنوب القاهرة، وإلحاقه بقسم المتابعة بالمديرية، وذلك لـتقصيره في عمله وعدم قيامه بالمتابعة اللازمة لتعليمات الوزارة وبخاصة في خطبة الجمعة الموحدة”.

لوقف الخروج عن النص في المساجد والزوايا غير التابعة للأوقاف، أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور في يونيو/حزيران 2014  قراراً – نُشر بالجريدة الرسمية – بقانون تنظيم الخطابة بالمساجد، منع فيه خطبة الجمعة بالزوايا والمساجد الصغيرة (أقل من 80 متراً)، ومنح فيه حق الضبطية القضائية لبعض من مشرفي وموظفي وزارة الأوقاف بالتنسيق مع وزارة العدل، على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنة، وبغرامة مالية لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بممارسة الخطابة أو أداء الدروس الدينية بالمساجد وما في حكمها بدون تصريح أو ترخيص بالمخالفة لأحكام هذا القانون.

بحسب تصريح الشيخ محمد عبد الرازق، رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، شكلت الوزارة لجنة تعمل على متابعة أداء الأئمة والخطباء بالمساجد، ويمكنها الإلغاء الفوري لتصريح أي إمام أو خطيب يهاجم الشرطة أو الجيش أو الدولة في خطبته بالمساجد وإحالته للشؤون القانونية. ومنها ما جرى من تجديد وإلغاء تصريح الخطابة للداعية السلفي ياسر برهامي أكثر من مرة خلال 2014، 2015، 2016، كما يمكنها إحالة ومعاقبة الشيوخ التابعين لها إذا ما رأت أنهم يتبنون أفكاراً غير أفكار الوزارة النموذجية أو خرجوا عن موضوع الخطبة التي حددتها الوزارة سلفاً، ويتابع “أوقاف أون لاين” نشر أخبار التحقيق ووقف الأئمة والشيوخ عن العمل يومياً.

جاء قرار توحيد الخطبة على منابر المساجد بمباركة من عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، فقد ذكر المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أن الرئيس السيسي أكد من جانبه دعمه الكامل لوزارة الأوقاف وكل ما يتصل بإعداد وتأهيل الأئمة وتوفير سُبل الدعم الكافية لذلك، مؤكداً أهمية إعداد وتأهيل الأئمة والعلماء المستنيرين الذين ينقلون الصورة الصحيحة للإسلام بما يؤدي إلى إعلاء شأن الدين في نفوس الناس، ويُحّول الكلمات إلى سلوكيات إيجابية، بعد لقاء جمع وزير الأوقاف بالسيسي في يوليو/تموز الماضي.

ما قبل 30 يونيو

ولأن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، نجحت أوقاف ما بعد 30 يونيو فيما فشلت فيه سابقتها، وحققت نتائج أكثر مما طمعت له أوقاف حكومة هشام قنديل لتوحيد الخطبة على منابر الجمعة، فبعد نحو 6 شهور من تسلم محمد مختار جمعة حقيبة الأوقاف في حكومة حازم الببلاوي 16 يوليو/تموز 2013، أعقاب 30 يونيو بدأ موقع “أوقاف أون لاين” التابع للوزارة بنشر خطب استرشادية غير ملزمة للأئمة، تفرض فيها الوزارة موضوعاً للخطبة مع توفير العناصر الممكنة والآبات القرآنية والأحاديث النبوية المتوافقة مع موضوعها، وهو نفس الاقتراح الذي طرحه طلعت عفيفي، وزير الأوقاف في حكومة هشام قنديل أثناء حُكم الإخوان، ولقي رفضاً أزهري وشعبياً واسعاً ولم يجر تنفيذه، إذ اعتبر الشيخ محمد البسطويسي، نقيب الأئمة والدعاة المستقلين أن “هذه الدعوة تعد رسالة من الوزير لنشر فكر حسن البنا وسيد قطب، وأن هذا نوع من تقييد الفكر للإمام، ويتعارض مع حرية الرأي والتعبير، ولم يجرؤ أي وزير أوقاف سابق على توحيد الخطبة أو فرض مثل هذه الدعوة على الأئمة حتى في ظل النظام السابق، مؤكداً أن الأئمة لن يقبلوا بضغوط تمارس عليهم أو أن يكونوا أداة طيعة في أيدي الإخوان ومخططاتهم”.

يأتي تبرير الوزارة الدائم لنظام الخطبة الموحدة من أجل “الحد من استخدام المنابر لأغراض سياسية” أيام الانتخابات، والأحداث التي تمر بالبلاد، إلا أن خُطب الجمعة التي تعممها الوزارة تقول إنها للاختلاف حول طبيعة الأغراض السياسية التي تأتي على المنبر، ففي يوم الجمعة 8 يناير/كانون الثاني كان موضوع الخطبة هو “الاصطفاف لبناء الوطن والمحافظة عليه مطلب شرعي وواجب وطني”، بينما ركزت خطبة الجمعة التي تلتها، في 15 يناير/كانون الثاني، على “نعمة الأمن والأمان”. وفي الخطبتين، تبنت الوزارة موقفاً سياسياً واضحاً ضد دعوات النزول يوم 25 يناي/كانون الثانير. وهو ما يتفق تماماً مع التصريحات الصحفية للوزير الذي رأى أن الداعين للتظاهر في 25 يناير/كانون الثاني “راغبون في عدم الاستقرار”.

واختتمت خطبة الجمعة 8 يناير/كانون الثاني بـ“الإشارة إلى البيان الذي أصدرته دار الافتاء المصرية، تؤكد فيه أن دعوات التظاهر في 25 يناير جريمة كاملة، وتوريط للمصريين في العنف والإرهاب لصالح الأعداء، وهو أمر محرم شرعاً”.

هل نجحت الخطبة الموحدة في مواجهة الفكر المتشدد؟

استخدام المنابر لنشر التصورات السياسية للدولة هو أحد أسباب اعتراض أئمة وخطباء المساجد، فضلاً عن تحول الإمام لـ”ميكروفون” بالمسجد يردد رؤية الوزارة بالقاهرة، بحسب تشبيه الشيخ إسماعيل رفعت، إمام مسجد في كفر الشيخ الذي يرى أن “نص الخطبة الموحدة يتعارض مع اختلاف المجتمع، فخطبة تلائم الزمالك بالقاهرة لا تلائم مركز سيدي سالم بكفر الشيخ”، ويضيف أن “رؤية كثير من الأئمة تختلف عن رؤية الوزارة للخروج في 25 يناير/كانون الثاني”. وفي هذه النقطة يتفق مع الشيخ مصطفى السعيد، إمام مسجد بالمحلة الكبرى ويضيف أن الوزارة تركز على المساجد الكبيرة أكثر من الصغيرة، ما يتيح لخطباء الأخيرة بالخروج على النص، ويؤكد أن كثيراً من أئمة المساجد لا يلتزمون بالخطبة الموحدة بالتنسيق مع الأمن الذي لا يحبذ بعضهم الخطبة الموحدة، بل يميلون للخطبة التي تمس أهالي المنطقة”.

يقول إمام مسجد آخر بكفر الشيخ – تحفظ على ذِكر اسمه – إن كثيراً من المساجد التابعة للدعوة السلفية لا تلتزم بالخطبة الموحدة وتنتقل لموضوعات أخرى تؤيد بها الدولة خارج نص الحطبة الموحدة، فمثلاً ألقى خطيب مسجد بمدينة كفر الشيخ خطبة عن الغلاء وأرجع سببه لجشع التجار يوم 21 أكتوبر/تشرين أول، وكانت الخطبة المعتمدة من الأوقاف عن “العمل التطوعي وضوابطه”. ويؤكد أنه لا يلتزم بالخطبة الموحدة، بل يفضل “خطبة تناسب رواد المسجد”، ويضيف أن المصلين يفضلون الخطب الخارجة عن النص، كما أن المساجد التي لا تلتزم بنص الخطبة في المدينة الصغيرة معروفة، ولا تملك الوزارة مفتشين كافين لمراقبة المساجد وخطبائها.

يرى إمام مسجد بالمحلة الكبرى أن الخطبة الموحدة الجاهزة تؤثر على قدرات الأئمة في البحث والخطابة، وأنه خلال فترة قصيرة سيتحول الخطباء لموظفين، ويضيف أن مواجهة الإرهاب والأفكار المتشددة لا تعالج بخطبة موحدة، وإنما بتدريب الخطباء على التحصيل والبحث والمراجعة وتوفير مصادر للبحث، بل يرى أن المصلين يتململون من الخطبة الموحدة بخاصة مع كثرة عدد المساجد وتقاربها في نطاق سكني واحد، ما يثير غضب المصلين ويدفعهم للبحث عن خطاب جديد، قد يحتوي على أفكار متطرفة ومغلوطة.

أقرأ أيضا:

ما أخذ بسيف الحياء

خطبة الجمعة صارت جلسة قراءة