أخذت الأزمة بين الحكومة التونسية والمحامين تتفاقم ككرة ثلج بعدما أعلن أصحاب البدلات السوداء الدخول في إضراب عام مفتوح بداية والخروج بمسيرة غضب الثلاثاء أمام مقر رئاسة الحكومة بسبب رفضهم للإجراءات الضريبية الجديدة بمشروع قانون المالية.
وقد أقرت الحكومة جملة من الإجراءات للحد من التهرب الضريبي في قطاع المهن الحرة الذي يشمل المحامين والأطباء والمهندسين وغيرهم. لكن تلك الإجراءات أثارت زوبعة بقطاع المحاماة الذين شنوا إضراباً عاماً واحتجاجاً واسعاً أمام البرلمان.
أخذت الأزمة بين الحكومة التونسية والمحامين تتفاقم ككرة ثلج بعدما أعلن أصحاب البدلات السوداء الدخول في إضراب عام مفتوح بداية والخروج بمسيرة غضب الثلاثاء أمام مقر رئاسة الحكومة بسبب رفضهم للإجراءات الضريبية الجديدة بمشروع قانون المالية.
وقد أقرت الحكومة جملة من الإجراءات للحد من التهرب الضريبي في قطاع المهن الحرة الذي يشمل المحامين والأطباء والمهندسين وغيرهم. لكن تلك الإجراءات أثارت زوبعة بقطاع المحاماة الذين شنوا إضراباً عاماً واحتجاجاً واسعاً أمام البرلمان.
انتقادات حادة لمشروع قانون المالية أثارها الفصلان 31 و32، الهادفان لتحسين موارد الدولة من استخلاص الضرائب المهن الحرة وعلى رأسهم المحامين. وقد وصف البعض المشروع بأنه “جائر ولا يتماشى مع المنهج العام للثورة التي تنشد العدالة الاجتماعية”.
إجراءات قاسية
ضمن المحامين المضربين، الذين قرروا التعبير عن احتجاجهم أمام مقر رئاسة الحكومة بالعاصمة، ليلى الحداد المعروفة بدافعها عن ضحايا الثورة، التي ترى أن “ادعاء الحكومة بأن جزءا ًمن المحامين يتهربون من الضرائب هو تجييش للشعب ضدهم”.
وكانت وزيرة المالية لمياء الزريبي كشفت بأن نصف المحامين (وعددهم الإجمالي يقارب 8 آلاف) لا يصرحون بمداخيلهم السنوية لدى مصالح الضرائب، مؤكدة أن معطيات إدارة الجباية بوزارة المالية تثبت بأن مساهمة المحامين في الضريبة “ضعيفة”.
أثار مثل هذا التصريح ردود فعل غاضبة لدى المحامين الذي اعتبروه تشويها لذمتهم في مهنة تعتبر من أشرف المهن على حد تعبيرهم. في هذا الاتجاه تقول المحامية ليلى الحداد لمراسلون: “هناك استفزاز مقصود ضد المحامين يصل إلى حد الكراهية”.
وقد فرضت الحكومة على المحامين في مشروع قانون المالية الجديد شراء طوابع بريدية على كل نشاط يقومون به من أجل تحسين مواردها الضريبية. غير أن المحامين رفضوا تلك الإجراءات واعتبروها “جائرة لأنها تثقل كاهلهم بمصاريف باهظة”.
تقول المحامية ليلى الحداد إن توجه الحكومة لإقرار ضريبة جديدة على المحامين ستجعل بعضهم غير قادرين على تسديد مستحقات مكاتبهم أو حتى الترافع مجاناً لفائدة عائلات ضحايا الثورة كما دأبوا بعد الثورة، واصفة الخطوة بأنها “مناقضة للثورة”.
ويؤكد عدد من المحامين أن أغلب الناشطين بقطاع المحاماة ينتمون إلى الطبقة الوسطى التي “بدأت قوتها الشرائية تتراجع” في ظل تراجع سعر الدينار وارتفاع الأسعار، موضحين بأن جزءاً من القطاع يمثله المحامون الشبان الذين لا يملكون مكاتب.
عصيان جبائي
وعن مصير الأزمة تقول المحامية ليلى الحداد إن تحركات المحامين مشروعة للدفاع عن مصالحهم، كاشفة بأن النية تتجه بعد الدخول في سلسلة من الإضرابات للعصيان الجبائي في حال تمرير هذه الفصول التي وصفتها بالجائرة في حقهم، كما ترى.
وقد دعت الهيئة الوطنية للمحامين في صورة التصديق على مشروع قانون المالية بصيغته تلك إلى الدخول في اعتصامات بكافة المحاكم التونسية وعدم تطبيق الأحكام الضريبية الجديدة مع مطالبة المحامين أعضاء الهيئات الدستورية بتعليق عضويتهم.
ولا يقتصر هذا التصعيد على المحامين فحسب، فقد قرر الصيادلة الدخول في إضراب وشيك لم يتحدد موعده بعد بسبب إقرار الحكومة بمشروع قانون المالية ضريبة جديدة على القيمة المضافة على الأدوية، أمر اعتبروه “لا يتماشى مع وضعهم المادي”.
من جهتهم أعلن الأطباء الخاصون عن رفضهم فوترة كل الخدمات المسداة لفائدة المرضى كما ينص عليها مشروع قانون المالية لسنة 2017، معتبرين أنهم ملتزمون بالتصريح عن دخلهم بطريقة طوعية وأن عياداتهم الخاصة “ليست شركات تجارية”.
عدالة جبائية
لكن المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة رضا السعيدي يقول إن التوجه الحكومي بإخضاع بعض المهن الحرة لدفع ما عليهم من ضرائب لا يستهدف قطاعاً بعينه، موضحا أن الظرف الصعب الذي تمر به البلاد “يستوجب تحسين عائدات الضرائب”.
إذ تعيش تونس على وقع صعوبات اقتصادية خانقة بسبب ارتفاع نفقات الدولة نتيجة ارتفاع أجور الموظفين وغيرها من النفقات. في ظل تراجع عائدات البلاد من السياحة والفسفاط وتراجع الصادرات مقابل الواردات في وقت تدنت فيه قيمة الدينار التونسي.
وإزاء هذا الوضع يقول رضا السعيدي إن الحكومة اقترحت في مشروع قانون المالية محاربة التهرب الضريبي وإرساء عدالة جبائية حقيقية حتى لا يظل العبء الجبائي الأكبر مفروض فقط على العمال والموظفين الذين يتحملون جزءاً هاماً من الضرائب.
وتشير تقديرات بعض الخبراء إلى بلوغ التهرب الضريبي مستويات قياسية، بحيث تصل قيمته بنحو 4 مليار دينار (نحو 2 مليار دولار). وضمن القطاعات التي تثير شبهات التهرب قطاع المهن الحرة التي تخضع للنظام التقديري (التصريح الطوعي).
وإزاء تراجع مداخيل الدولة من الضرائب نتيجة ارتفاع ظاهرة التهرب الضريبي من شركات ومهن حرة وغيرها وتفشي الفساد في عديد القطاعات، على رأسها الصفقات العمومية، تجد الدولة نفسها سنويا مضطرة للاقتراض الخارجي، مما أدى إلى تفاقم العجز المالي.
ولا يرى المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة رضا السعيدي في تنظيم جباية المهن الحرة (أو الليبرالية)، ومن ضمنهم المحامون، أي تجن عليهم بقدر ما هو انخراط في مسؤولية مشتركة لتنمية موارد الدولة حتى تكون قادرة على تحقيق الرخاء الاجتماعي.
وتعاني تونس منذ قرابة الست سنوات الأخيرة من اقتصاد عليل عجز عن تحقيق الانطلاقة الاقتصادية المنشودة بعد الثورة، إذ تراجع معدل النمو هذا العام إلى 1,5 في المائة، وهي غير قادرة على استيعاب إلا جزء بسيط جداً من العاطلين عن العمل.