غيّر رمضان محمد (59 عاما) من نمط حياته منذ أكثر من شهر بعد أن لاحظ وجود “كشك” من الخشب لشراء القمامة على بعد أمتار من منزله بمركز إطسا في محافظة الفيوم، جنوب غرب العاصمة المصرية القاهرة.
غيّر رمضان محمد (59 عاما) من نمط حياته منذ أكثر من شهر بعد أن لاحظ وجود “كشك” من الخشب لشراء القمامة على بعد أمتار من منزله بمركز إطسا في محافظة الفيوم، جنوب غرب العاصمة المصرية القاهرة.
قبل هذا كان رمضان وهو الموظف بمعهد دفنو الأزهري يلقي المخلفات الصلبة من الكانزات والبلاستيك والكرتون في صندوق قمامة قريب من منزله ولا يهتم بفصلها عن بعضها حتى لاحظ إقامة كشك من الخشب على بعد أمتار من منزله. “في البداية لم أفهم ماذا يبيع هذا الكشك. وعندما مررت بالسيدة التي تقف فيه وسألتها علمت أنه كشك لشراء المخلفات الصلبة من عناصر القمامة”.
أسعار المخلفات الصلبة
كان المشروع قد أُطلق في يونيو الماضي مع إعلان المستشار وائل مكرم محافظ الفيوم السابق، عن مشروع شراء القمامة من المواطنين “كأحد الحلول المطروحة للقضاء على القمامة، تكون مهمتها جمع عناصر القمامة، وتكون مدينة الفيوم هي المختبر لمدى نجاح أو فشل التجربة”.
حددت المحافظة أسعار القمامة التي سيتم شراؤها على النحو التالي في بداية تطبيق الفكرة: “الكانز وأطباق الفويل الحراري بـ3 جنيهات للكيلو، وزجاجات المياه المعدنية والبلاستيك وأي أنواع أخرى يدخل البلاستيك في تصنيعها بـ150 قرشاً، والورق بكل أنواعه والكرتون مثل الجرائد، والكتب، والكشاكيل، وعلب الكرتون بـ50 قرشاً، والخشب بـ20 قرشاً، وأي أوانٍ مصنوعة من الألومنيوم بـ12 جنيهاً، والصفيح مثل علب التونة والصلصة، وغيرها 25 قرشاً، أما القمامة العضوية مثل فضلات الطعام والفاكهة وغيرها فحددت لها المحافظة سعر 10 قروش للكيلو الواحد”.
واجتمع مسئولو المحافظة وقتها مع المهندس هاني عز الدين، مدير قطاع البحوث والتصميم بالهيئة العربية للتصنيع، وياسر محفوظ، المستشار السياحي لمحافظة الفيوم، وصاحب الفكرة، قبل عدة أشهر، وتم الاتفاق على تزويد الأكشاك بميزان ديجيتال لوزن القمامة، وتسليم ثمنها للمواطنين على الفور.
فصل القمامة
“لم تكن الفكرة رغم حداثتها، غريبة بالنسبة لي”، هكذا يؤكد الرجل الخمسيني من العمر قائلا: “كنت معتاد على جمع بواقي الخبز الخاص بأسرتي، في كرتونة أضعها على الفرن، منذ 6 أشهر، وكلما جمعت ما بين 10 إلى 15 كيلو، أبيعها إلى بائع متجول يشتريها مني، بسعر 1.5 جنيها مصريا للكيلو الواحد.
يعيش الرجل الخمسيني، في منزل متواضع وبسيط، ضيق المساحة، يتكون من طابقين، الأول منه، به غرفة ضيقة، يضع به فرن معدني، كبير الحجم، وبعض المفروشات المنزلية، ويخصص مكان، على الجانب الأيمن من مدخل الغرفة، يضع فيه أكياس مختلفة، يجمع في كل منها، نوع معين من المخلفات الصلبة، مثل الكانزات، وزجاجات المياه الغازية البلاستيكية، والكرتون، وكلما ملأ إحداها، يحملها إلى كشك شراء القمامة، حتى يبيعها بعد وزنها على ميزان حساس داخله، ويحصل على قيمتها من النقود.
خطة طموحة
وأعلن المحافظ السابق وقتها، أنه سيتم طرح 1000 كشكا نموذجيا في جميع مدن وقرى المحافظة، وسيتم البدء بـ200 كشك في مركز ومدينة الفيوم، مؤكداً أن المشروع سيمثل طفرة كبيرة في مجال النظافة بالمحافظة، وسيعمل على تقنين عملية جمع القمامة، مع توفير العديد من فرص العمل للشباب، وجامعي القمامة، بواقع اثنين من العمال لكل كشك، إلا أن المحافظة طرحت 12 كشكا فقط حتى اليوم بينهم إثنين بمدينة إطسا، و10 بمدينة الفيوم.
بدأت الفكرة، في يونيو الماضي، بعد أن ألهمت أكشاك جمع القمامة في دول أجنبية، المستشار السياحي للمحافظة وقتها، لاستحداث فكرة إنشاء هذه الأكشاك، لشراء عناصر القمامة، وحتى تكون البداية في مصر، بمحافظة الفيوم، وبحسب كلامه، لم تطبق هذه الفكرة في أي مكان من قبل، وهي تهدف لتحقيق مستوى جيد من النظافة، في المحافظة، لأنها تشجع المواطن على عدم إلقاء القمامة، وحتى العضوي منها، يتم الاستفادة منه، وتوفر عمالة كثيرة، تحتاجها الحكومة لجمع القمامة من المنازل.
“لن تنجح”
بينما يرى ملاك حسني، صاحب إحدى شركات جمع القمامة، بالقاهرة، أن منظومة أكشاك شراء المخلفات الصلبة بالفيوم، لن تنجح بدون جمع القمامة من المنازل، خاصة وأن الفرد الذي يفصل عناصر القمامة من المنبع، ويبيعها إلى الكشك، سيعرف مستقبلا التجار الكبار، ويبيع لهم بدلا من الأكشاك حتى يستفيد بفارق الأسعار الأعلى.
ويشير حسني، إلى أن تكلفة الأكشاك المطروحة من قبل محافظة الفيوم، باهظة، وتصل إلى 25 ألف جنيها، وهو أمر يقف حائلا أمام الشباب للاستفادة من المنظومة الجديدة، لافتا إلى تنفيذ تجارب أخرى للاستفادة من المخلفات الصلبة ببعض أحياء القاهرة بالاتفاق مع وزارة التموين لاستبدالها بنقاط تحصى على مدار الشهر لكل مواطن يورد هذه العناصر، ولكنها لم تنجح بسبب سيطرة البوابين بالعمارات السكنية على انتقاء هذه المخلفات الصلبة ذات القيمة وإلقاء الباقي في الشوارع.
تشجيع الشباب
ولكن الدكتور سليمان عثمان داود، رئيس مجلس إدارة جمعية خدمة البيئة والتنمية الشاملة بمركز إطسا، والتي بدأت تنفيذ المشروع على مستوى المحافظة، بكشكين بمدينة إطسا، والمشرف على المشروع حاليا، يرى أن وجود هذه الأكشاك في أي منطقة سكنية، تشجع شباب الحي، على إنشاء جمعية أهلية صغيرة لجمع القمامة من الحي ونقلها إلى مقلب القمامة، مؤكدا أن المشروع بحاجة إلى توعية ذاتية من الشباب، بالإضافة إلى دور وسائل الإعلام في نشر الفكرة، لكي يتم تعميمها، وتحقق النجاح المنشود.
ولفت داود، إلى أن وفد من محافظة الشرقية زار الفيوم مؤخرا لدراسة الفكرة الجديدة وأنه اتفق مع كلية الآداب بجامعة الفيوم على فصل القمامة من المنبع حيث تم تركيب 4 كونتينرات داخل الكلية لتشجيع الطلاب على تبني هذه الثقافة، مؤكدا أن الفكرة تحتاج إلى تطوير لكي تحقق نجاحا، “من خلال دمج تجار الخردة في هذه المنظوم بدلا من منافستهم، وهم في سوق مواز لا تستفيد الدولة منهم بضرائب ولا تأمينات وغير ذلك”.
البيئة تراقب عن كثب
وفيما يؤكد الدكتور جمال سامي، محافظ الفيوم الحالي، أن لجنة من وزارة البيئة، زارت المحافظة، مؤخرا، لدراسة الفكرة، وبحث تعميمها في حالة نجاحها، ولكنه يرى ضرورة ألا تدير الحكومة هذه المنظومة، وأن تكون الجمعيات الأهلية، هي المسئولة عنها، مع تقديم الدعم اللازم من الحكومة في الأمور الإدارية والقانونية.
ويعود الدكتور سليمان داود، ليؤكد أن منظومة النظافة لن تكتمل، إلا بوضع نظام وقواعد لمعاقبة المخالف الذي يلقي القمامة في الشارع، حيث لم يحرر محضر واحد لأي مواطن يفعل ذلك، مشيرا إلى ضرورة نشر كاميرات مراقبة في الشوارع، لرصد المخالفين لقوانين البيئة، وتوقيع غرامات مالية لا تقل على ألف جنيها. ويشدد داود، على نجاح فكرة أكشاك شراء المخلفات الصلبة، في حالة دعم الدولة لها، والتي تخشى من فشلها فيتهمها المواطنون بإهدار المال العام.
تدوير القمامة
“أفكر في إقامة مصنع لتدوير المخلفات، ولكني أرى أن الأفضل أن يتولى مجموعة من التجار تنفيذ ذلك، حتى لا ندخل في منافسة معهم”، يستطرد رئيس الجمعية داود حديثه عن دعائم نجاح المنظومة الجديدة، مشيرا إلى أن المشروع لا يحقق ربح للجمعية، لأنها منظمة غير هادفة للربح، وأنه يهدف إلى نشر الفكرة لتحقيق منظومة حديثة للنظافة العامة بالمحافظة.
وعلى الرغم من بدء تشغيل عدد من أكشاك شراء عناصر القمامة، بمدينة الفيوم، خلال الأسابيع الماضية، إلا أن السيد إبراهيم موسى، رئيس مركز ومدينة الفيوم، يشير إلى أن الوحدة المحلية ترفع نفس كميات القمامة من أحياء الفيوم دون أن تقل هذه الكميات والتي تقدر بـ 400 طن قمامة، بالإضافة إلى 200 طن من المخلفات الصلبة يوميا، من خلال ثلاث ورديات من العمالة.
ويرى رئيس مركز ومدينة الفيوم، أنه مشكلة القمامة لن تنتهي إلا بالدفع بشركات نشيطة تتولى جمع القمامة من المنازل مقابل تحصيل رسوم شهرية قدرها 10 جنيهات فقط، مع توعية المواطنين بعدم إلقاء القمامة في الشوارع أو خارج صنادق القمامة.
وعلى الرغم من تأييد البعض ورفض البعض الآخر لفكرة أكشاك القمامة إلا أن محمد رمضان يؤكد من تجربته الخاصة أن بيع المخلفات الصلبة للأكشاك “يفيد الغير من هذه المخلفات بدلا من إلقائها في صندوق القمامة دون فائدة، ويحقق تحسناً في مستوى النظافة العامة بالشوارع”.