يكافح الخمسيني جلال صابر الموظف بهيئة البريد المصري بمحافظة أسيوط للحصول على عبوة محلول لكي تجري زوجته عملية غسيل كلوي 3 مرات اسبوعيا جراء إصابتها بمرض الفشل الكلوي وهي واحدة من بين 52 الف من المصريين بحسب إحصائية الجمعية المصرية لأمراض وزراعة الكلى مصابين بالمرض، ويقومون بإجراء عمليات الغسيل أسبوعيا.

يكافح الخمسيني جلال صابر الموظف بهيئة البريد المصري بمحافظة أسيوط للحصول على عبوة محلول لكي تجري زوجته عملية غسيل كلوي 3 مرات اسبوعيا جراء إصابتها بمرض الفشل الكلوي وهي واحدة من بين 52 الف من المصريين بحسب إحصائية الجمعية المصرية لأمراض وزراعة الكلى مصابين بالمرض، ويقومون بإجراء عمليات الغسيل أسبوعيا.

كان صابر يجد صعوبة في الحصول على المحلول طيلة الأيام الماضية ويضطر لشرائه من السوق السوداء بسعر يصل إلى 50 جنيها للعبوة “3.5 دولار تقريبا” بعدما كان يشتريه من الصيدلية بسعر يصل الى 5 جنيهات “اقل من دولار” أو يحصل عليه من مستشفى التأمين الصحي بسعر 3 جنيهات و75 قرشا.

وتعاني مصر منذ عدة أشهر من نقص حاد في الأدوية المستوردة والمصنعة محليا بخامات مستوردة خاصة الأدوية الحيوية مثل الانسولين وأدوية امراض القلب والسرطان، لكن الازمة تفاقمت بشكل بالغ مع قرار البنك المركزي اول نوفمبر 2016 بتحرير سعر الجنيه المصري ما أدى لانخفاض في قيمته الفعلية وصل إلى ٤٠ %.

الشركات تخفض حصص الصيدليات

يقول محمد ولي الدين صيدلي 45 عاما من محافظة المنيا ان شركات الادوية أبلغت الصيدليات عقب تحرير سعر الصرف بان هناك حصصا محددة للأدوية المستوردة لكل صيدلية. ويوضح أن اكثر من 50 % من الأدوية التي يطلبها المرضى أصبح غير موجود، مؤكدا ان الادوية المستوردة تشكل 60 % من إجمالي الادوية المستخدمة في مصر.

الشركة المصرية لتجارة وتوزيع الادوية وهي أحد كبريات الشركات في قطاع استيراد وتوزيع الأدوية في مصر بحسب متحدثها الرسمي كريم كرم قررت منح كل صيدلية عبوة واحدة فقط من كل صنف مستورد فضلا عن 5 علب “امبولات “من الانسولين يوميا وهو الدواء الرئيسي لمرضى السكري وهو القرار الذي لحقته شركات اخرى.

واوضحت الشركة ان السبب يعود الى ارتفاع تكاليف الإنتاج والاستيراد بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري وهو ما تسبب بأزمة حادة في سوق الدواء وصفه بعض الصيادلة بالكارثة.

تبحث زينب سعد ربة منزل من محافظة سوهاج عن دواء الانسولين في الصيدليات لزوجها المريض بالسكري بلا جدوى وتعرض استعدادها لدفع أضعاف الثمن مقابل الحصول عليه لكن كافة الصيدليات التسع التي زارتها على مدار يوم كامل لم تجد فيها الدواء وتبدو عليها علامات الندم في الصيدلية العاشرة لتقول “ليتني سمعت ما قاله لي الطبيب بتخزين اكبر كمية من الانسولين خلال الفترة القادمة لانكي لن تجديه”.

وزارة الصحة تتهم الشركات

تتهم وزارة الصحة المصرية شركات الأدوية والموزعين بتعطيش السوق وممارسة الضغط للحصول على زيادة في الأسعار التي تفرضها الدولة، ويؤكد هذا المتحدث الرسمي باسم الوزارة خالد مجاهد، وهو ما قابله بعبارة واحدة “لن يحدث” أي الاستجابة لضغوط الشركات، مشيرا إلى أن الشركات تريد مواصلة جني الارباح باكثر من 20 ضعف للثمن الحقيقي وانهم من ينشرون الشائعات بنقص الدواء للوصول إلى غرضهم برفع الاسعار.

تؤكد مريم عزت صيدلانية عشرينية ما تحدث عنه مجاهد بعدما تلقت نبأ تحديد الحصص وتقول “كل الادوية المستوردة ومن بينها الانسولين وادوية القلب وأدوية الأورام “كاندوسان وهولوكسان و ومشتقات الدم ومنها “الانتي ار اتش” والأدوية الحيوية مثل الالبيومين واكثر من 146 صنف من الادوية الضرورية غير موجود وسيقبل المريض اي سعر للأدوية وهو ما تريده الشركات بحسب مريم.

لكن محي حافظ عضو غرفة صناعة الادوية وهو تجمع مستقل يضم كافة شركات الادوية ينفي ذلك تماما ويقول ان 90 % من مكونات الأدوية المصنعة في مصر مستوردة وكان من الصعب تماما تحمل فرق الاسعار بين ما كان عليه الدولار مقابل الجنيه قبل تعويمه وسعره الحقيقي في السوق.

ويطالب حافظ بتدخل الحكومة المصرية في توفير العملة الصعبة اللازمة لشراء الادوية بذات سعرها قبل تحرير سعر الصرف، وإما وضع خطة لزيادة الاسعار مؤكدا ان البلاد ستشهد أزمة حقيقية في غضون 3 أشهر على الأكثر.

أسباب وحدود الأزمة

بدأت أزمة قطاع الدواء في مصر منذ عام تقريبا بدأت برفع أسعار كافة الأدوية سواء المستوردة أو المصنعة محليا وتجاوز الارتفاع 30 % في بعض الأصناف. وتخلل هذه الفترة نقص غير مسبوق في بعض الأدوية بحسب الدكتور احمد رامي أمين صندوق نقابة صيادلة مصر السابق وأوضح ان سبب الازمة الحالية هو تعويم الجنيه لأن نسبة كبيرة من الأدوية يتم استيرادها بالإضافة إلى أن 90 % من مكونات الأدوية المحلية مستوردة في ظل تسعير ملزم من الدولة للدواء لم يتغير وهو ما لن تستطيع شركات الادوية تحمله لارتفاع كلفة الانتاج بعد خفض قيمة الجنيه المصري.

ويوضح الدكتور نبيل عبد المقصود مدير مستشفى القصر العيني التعليمي الجديد أسباب عدم قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها تجاه التوريدات الحكومية بأن “الشركات تعاقدت مع الحكومة على توريد الأدوية للمستشفيات الجامعية والمركزية في بداية العام والدولار قيمته 8 جنيهات لكن بعد تعويم الجنيه وصل متوسط السعر إلى 16 جنيه فاضطرت الشركات الى ايقاف التوريد لأن العقوبات المنصوص عليها في العقود المبرمة قيمتها أقل من خسائر الشركات حال استمرارها في توريد الادوية بذات الأسعار”.

مستشفيات الجامعة قد تغلق أبوابها

تقدم المستشفيات الجامعية والمركزية في مصر الخدمة الطبية لحوالي 80 % من المصريين بحسب احصائيات جهاز التعبئة العامة والاحصاء لعام 2014  بالاضافة الى اجراء نحو 55 % من العمليات الجراحية الهامة بداخلها ويتلقى فيها العلاج ما يقارب 70 % من مرضى الأورام والقلب والمخ.

وتوقفت شركات الادوية فعليا عن توريد بعض الأدوية الهامة للمستشفيات الجامعية في أسيوط مثل المحاليل وفق تصريحات الدكتور أسامة فاروق نائب رئيس مجلس إدارة المستشفيات الجامعية بأسيوط، والتي تستقبل سنويا أكثر من 2 مليون مريض في العيادات الخارجية فقط من مختلف محافظات صعيد مصر. ورغم تأكيد فاروق ان ذلك لم يؤثر على الخدمة الطبية إلا أن المستشفيات أوقفت خدماتها بالفعل لمدة تجاوزت العشرة أيام واضطرت إلى شراء المحاليل من السوق السوداء.

وقال الدكتور ضياء عبد الحميد أستاذ جراحة المسالك البولية بمستشفى أسيوط الجامعي إن الأزمة أدت إلى توقف العمليات الكبرى لأسابيع واضطررنا لتقبل تبرعات عينية “عبوات محاليل وعلب تخدير” لتسيير الوضع داخل المستشفيات لافتا الى انه في حال استمرار الازمة سيتم إيقاف جميع العمليات غير العاجلة.

قضت فاطمة عبد السميع “ربة منزل” من محافظة سوهاج 15 يوما في مستشفى اسيوط الجامعي انتظار لاجراء عملية جراحية لتركيب مفصل لطفلها الذي لم يتجاوز الثانية عشر اثر حادثة سير لعدم وجود ادوية التخدير اللازمة لاجراء العملية.

أدوية منتهية الصلاحية

نقيب الصيادلة الدكتور محيي عبيد حذر من بدء غزو الادوية منتهية الصلاحية لعدد من المستشفيات الحكومية والخاصة والصيدليات وهو ما يشكل كارثة وخطرا لابد من تجنبه على صحة المواطن.

فيما لفت الدكتور عادل عبد المقصود رئيس شعبة الصيدليات بالغرفة التجارية بالقاهرة النظر الى قيام مصانع بير السلم التي تقوم بتصنيع الأدوية بدون أية مقاييس للجودة “رديئة” باستهداف العيادات والمراكز الطبية عارضة اسعار اقل ما يهدد صحة المرضى .

محاولات لاحتواء الأزمة

يصر الدكتور احمد عماد وزير الصحة على ان الازمة مفتعلة ويدلل على ذلك بان الشركات العالمية التي تعمل في السوق المصري للأدوية لم تتقدم بأية شكاوى بينما تقدمت الشركات المحلية فقط بشكوى جراء رفع سعر الدولار مؤكدا أنه لن يسمح بالمتاجرة على حساب المريض المصري.

عماد الدين قال ان الادوية المتداولة في مصر تصل الى 10 الاف صنف تنتج منها الشركة القابضة للادوية الف صنف والف اخرى تنتجها الشركات العالمية بينما تنتج الشركات المحلية 8 الاف صنف واشار الى ان الشكاوى جاءت من 3 شركات محلية فقط من اجمالي 200 شركة عاملة في المجال.

وعقد وزير الصحة المصري اجتماعا بالشركات العاملة في سوق الادوية لكنه لم يوفق في الضغط على الشركات حيث طالبهم بتأجيل رفع أسعار الأدوية لحين استقرار سعر صرف الدولار فيما تمسكت الشركات برفع السعر فورا والا التوقف عن إنتاج الأدوية.

التفكير خارج الصندوق

عضو مجلس النواب ووكيل لجنة الصحة الدكتور مجدي مرشد قال إن هناك عددا من الإجراءات التي يمكن من خلالها حل الأزمة ومن بينها دعم شركات الأدوية بفرق السعر بين الدولار قبل تحريره والآن، وهو ما سيكلف الدولة لكنه الحل الاسرع في المشكلة الحالية. واقترح إعفاء شركات الأدوية من الضرائب أو تخفيضها بشكل كبير أو إعفائها من الجمارك فيما يخص استيراد المواد الخام التي تدخل في صناعة الأدوية.

فيما طالب الدكتور احمد السواح رئيس أمناء المركز المصري للحق في الدواء بالتفكير خارج الصندوق، وقال إن معظم الأدوية التي تم رفع سعرها وغير موجودة حاليا تنتجها وتصنعها العديد من شركات الأدوية في مختلف انحاء العالم بأسعار متفاوتة ويجب أن نبحث عن أفضل العروض التي تناسب أوضاعنا الاقتصادية بما لا يضر مصلحة المريض.

وأكد السواح ضرورة إعادة النظر في التسعيرة التي تفرضها الدولة على الأدوية بان يكون سعر التكلفة هو الذي يحكم سعر الدواء وليس سعر صرف العملة.

في النهاية يقول جلال صابر الذي لا يزال يبحث عن عبوة المحلول لعلاج زوجته إن مسئولية الحكومة الأولى هي توفير الأدوية لأنها – حسب قوله –  أهم من السلع الغذائية.