كان يبدو متعباً من السفر عند لقائي إياه عبر السكايب ليلة رجوعه محمّلاً بالذهب الإفريقي في 2 نوفمبر 2016، وعضلات جسمه مازالت كما شاهدته في مدينتنا قبل عام، حيث يملك عبدالله هاجر (28عاماً) جسماً منفوخ العضلات تحسبها غير طبيعية، يقول “في أغلب البطولات كنت أتعرّض لاختبار المنشطات بعد ملاحظة اللجان للطاقة المرتفعة وتكوين العضلات”.

كان يبدو متعباً من السفر عند لقائي إياه عبر السكايب ليلة رجوعه محمّلاً بالذهب الإفريقي في 2 نوفمبر 2016، وعضلات جسمه مازالت كما شاهدته في مدينتنا قبل عام، حيث يملك عبدالله هاجر (28عاماً) جسماً منفوخ العضلات تحسبها غير طبيعية، يقول “في أغلب البطولات كنت أتعرّض لاختبار المنشطات بعد ملاحظة اللجان للطاقة المرتفعة وتكوين العضلات”.

عبد الله هو واحد من ممارسي الرياضات الفردية الذين يمثلون ليبيا في ألعاب كالقوة البدنية والشطرنج وغيرها، ويشاركون على حسابهم في محافل دولية نظراً لغياب دعم الدولة، يقول بصوت حزين “للأسف إذا نظرنا لأبطال مصر وهم أصدقاؤنا في هذه البطولة لم نتحصل على ربع دعمهم، ودولتنا أكثر مقدرات من مصر ولكنها تدعم فقط الميليشيات وتجار العملة”.

في مدينته اجدابيا (160 كم غرب بنغازي) بطلان درّبهما عبدالله، وحققا بطولة العرب وإفريقيا في نادي التعاون، حين سألته عنهما، لم يخفِ ألمه قائلاً “للأسف لغياب الدعم اتجه أحدهما للعمل في الصحراء مع شركة تموين وتزوّج بعد ذلك، والآخر أرجو أن يصبر حتى يتوفر لنا الدعم”.

بدايات الرحلة

تربى عبدالله في أسرة رياضية مارس فيها أشقاؤه الأكبر كرة القدم، ولكن أقرانه كانوا يتفوقون عليه فيها، فوجد في نفسه ميلاً للالتحاق بألعاب القوة التي كانت نادرة في مدينته، ولأن مدرسة طارق بن زياد – حيث درس الإعدادية – كانت تحوي صالة تدريبية “يتدرّب فيها الشباب الأكبر مني سنّاً، كلما ذهبت للالتحاق كان يتم رفضي لصغر جسمي وسنّي (12 عاماً)”.

وبفضل تشجيع أمه التي حرصت على أن يمارس الرياضة ليشغل وقته فيما يفيد وإصراره على الالتحاق قبل المدرّب انضمامه للتدريب بعد أن بلغ عمره 14عاماً، كان ذلك عام 2002 وكان حينها عبدالله في بداية رحلته التي لم يكن يتوقع أنها ستقوده للعالمية، وتضع في رصيده 24 ميدالية ذهبية حتى اليوم.

مدرب عبدالله الأول محمد الشاكّة له ذكرى عزيزة في نفس بطل العرب وإفريقيا، تظهر واضحة في حديثه عنه فهو “مصدر الثقة في غياب الدّعم المادّي وبفضل دعمه المعنوي وتشجيعه أتقدم، وكلما ضعفت كانت كلماته قوة دافعة نحو الانتصار” حسب قوله.

وقد تنبأ له المدرب بما وصل إليه اليوم، فبعد عام واحد على انطلاق تدريبه، وتحديداً في أول استعداد لبطولة ليبيا عام (2003) وبعد أن كبُر جسمه وقويت بنيته، ما عاد صغيراً في نظر مدربه الذي قال له “أنت مشروع بطل وستحقق الألقاب”، وبعد ثلاث سنوات شارك في بطولة ليبيا 2006 وتحصّل على لقب بطل ليبيا، واحتكر اللقب لأربع سنوات متتالية.

سنوات عجاف

بعد 2006 مرت على عبدالله سنوات أربع عجاف، كان البطل يعاني فيها قلة الموارد وهذه الرياضة “تحتاج نظاماً غذائياً مكلّفاً، فالوجبات الغذائية كثيرة والبروتينات والمكمّلات الغذائية أسعارها مرتفعة، ولم يكن لي دخل مادّي، فقررت العمل في محلّ لبيع الهواتف، كان المردود المادّي قليلا لكنّه أفضل الموجود بالنسبة لي” حسب عبدالله.

التوقف عن التدريب لم يكن أمراً ليخاطر عبدالله به، وهذا ما دفعه بمساعدة ما جمعه من مال خلال سنتين من العمل لفتح صالة تدريب في نادي التعاون بمدينة اجدابيا، ورغم أن تلك الصالة كانت متواضعة جداً من حيث المكان وجودة الآلات، وغير مناسبة ليتمرن فيها بطل دولي، لكنّ عبدالله كان يراها “بداية جيدة وبالمثابرة ستتحسّن الظروف”.

في تلك الفترة ورغم صعوبتها وعدم تلقي عبدالله أي دعم من الدولة، ركز على التدريب حتى اشتدت عضلاته، وحصد بطولة العرب في ليبيا عام 2007، وكان عام 2010 ذروة الحصاد فقد “حققت فيه جزءاً من الحلم وصرت بطل العرب في سوريا وبطل أفريقيا في الجزائر” يقول عبدالله.

رجع البطل إلى ليبيا ذاك العام ليحظى باستقبال هافت لا يليق بحامل الذهب، توقف قليلاً وهو يحادثني ليلتقط أنفاسه المنهكة، ثم قال ولكنني “فرحت باستقبال أهلي في اجدابيا ونادي التعاون بحسب إمكاناتهم، فهم سندي الذي جعلني أصبر من أجل أن أرفع اسم مدينتي المحرومة من الاهتمام”.

الوضع أسوأ

بعد 2011 ازداد الوضع سوءاً عكس ما كان يتوقعه، فقد أصبح يتكفل حتى بشراء تذاكر السفر والإقامة والمصاريف أثناء مشاركاته الدولية، والحجة دائماً واحدة وهي عدم وجود ميزانيات لدى الحكومات المتتالية، وبسبب زيادة الأعباء قرر بيع معدات صالته وإخلاءها ليتحصل على مبلغ يساعده في الاستمرار “لأكمل به طريقي لتحقيق حلم المشاركة في بطولة العالم”.

بطولة العالم أقيمت عام 2014 في جنوب إفريقيا، حافظ قبلها عبدالله على لقب بطل ليبيا في عامي 2013 و2014، وحقق لقب بطل العرب وإفريقيا في المغرب عام 2013، وكان مؤهلاً طبعاً للمشاركة في بطولة جنوب إفريقيا، ولكن لأسباب يجهلها ويعتقد أنها “شخصية” تم استبعاده من تمثيل المنتخب، كان تلك الضربة موجعة لعزيمته، وحاول بعدها تقديم طعن وطلب عند الاتحاد الدولي، لكنّ الحرمان من المشاركة كان هو الأقرب.

خيبات ودعم

مجدداً في عام 2015 ترشح للمشاركة في بطولة العالم المقامة في فنلندا، هذه المرّة “سافرت إلى تونس للتقديم على التأشيرة لأن الدولة لا تتكفّل بشيء لممثّليها، وباع أخي وليد سيارته ليساعدني”، لكنّه لم يتحصل على التأشيرة، وعاد طلبه مع الرفض لتضيع الأموال التي صرفها من جيب أخيه هباءً.

وفي نفس العام تم منعه وممثلي ليبيا من دخول المغرب للمشاركة في بطولة العرب وإفريقيا بسبب فرض تأشيرة على الليبيين لم يتمكنو من الحصول عليها، ليعتذر في العام الذي يليه عن بطولة الجزائر الدولية المفتوحة المؤهّلة لبطولة العالم، لأنه لم يعد يملك المال الكافي للمشاركة.

لكن إخوته وأصدقاءه وزملاءه في النادي لم يرضوا حرمانه من المشاركة، فجمعوا له المال “وطلبوا مني ألا أعود بغير اللقب، كان حملاً ثقيلاً” حسب عبدالله الذي شارك في وزن 105 كجم، وفعلاً حقق اللقب وأهدى أصدقاءه ذهبية البطولة وعينه على بطولة العالم 2016 في أمريكا.

رجع – كما أخبرني – وقد نسي كلّ الوجع إلى مدينته، ليجد الاستقبال الجماهيري والدعم المعنوي والمادّي في حدود استطاعتهم، ونسّق بعض الأصدقاء مع شركة المدينة للعطور في مدينته لأن تكون الراعي لمشاركته في بطولة العالم فوُلد الأمل مجدداً.

نقلة نوعية

بفضل هذه النقلة تمكن عبدالله من الذهاب مع المنتخب، الذي عانى رحلة مضنية للحصول على التأشيرة الأمريكية، ثم رحلة طويلة للوصول إلى أمريكا ليشارك في بطولة العالم رغم التعب وإصابته في العمود الفقري، فحصد الترتيب السادس من بين 19 بطلاً للعالم، “أنا سعيد بما حققت بين أبطال العالم ولا توجد مقارنة بين ظروف سفرنا واستعداداتنا وبينهم”.

واختتم مسيرته حتى الآن ببطولة إفريقيا التي عاد منها قبل أيام يحمل اللقب، “هذه المرة كذلك ساعدني أبناء مدينتي كثيراً” وبعزيمته قلّد محبوبته طوقاً من ذهب، عرفاناً لمسقط الرأس ومراتع الصّبا، وعاد لتبدأ مراسم الاحتفال بعودته وإقامة عرس على الطريقة الإجدابية، كانت دفعاً معنوياً له وسط غياب كامل للمسؤولين في ليبيا التي مثّلها.

ويتساءل عبدالله الذي يبدو أنه يتلقى عروضاً من دول أخرى “إذا شارك الرياضي في ألعاب القوة البدنية باسم دولة أخرى وفّرت له الدعم سيُتّهم بأنه تخلّى عن وطنه، في حين أن الوطن بمسؤوليه هو من تخلّى عنه”، فما الحل الذي يلجأ إليه ولا يكون فيه ظالماً لنفسه وللمحيطين به؟، ومستنكراً يتساءل “كيف تتوفر الميزانيات للاعبي كرة القدم في المنتخب والنوادي، ومشاركاتهم لا تقارن نتائجها بالذهب الذي يحصده أبطال القوة البدنية؟”.

يبدو أن عبدالله بعد كل ما وصل إليه بدأ يراجع نفسه فعلاً، فقد قال أثناء حديثه بألم واضح “لقد قصّرت في حياتي الشخصية وفي تحصيلي التعليمي دون مردود يذكر رغم ماحصدته من ذهبيات، سأحاول مواصلة تعليمي الجامعي والاهتمام بحياتي الشخصية أكثر، عسى أن يكتب الفرج طريقاً إلى حقي المشروع في الدعم الواجب لتحقيق الأفضل”، فعسى أن يكون قريباً.